امارة الشريف لمكة واحداثها
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 431- 434
19-11-2020
1176
مهدي من فارس:
ومن الأحداث الهامة في عام ١٠٨١ أن رجلا فارسيا هاجم الخطيب في المسجد الحرام وهو يخطب يوم الجمعة ١٦ رمضان مستلا سيفه يريد قتله وهو يصيح بالفارسية انه المهدي فحال المصلون دونه وتكاثروا عليه وأوسعوه ضربا حتى وقع مغشيا عليه ثم سحبوه حتى انتهوا به إلى ناحية في المعلاة فأوقدوا فيه النار وأحرقوه (١).
ولا أستبعد أن يكون هذا الرجل مجنونا ولكن الجماهير لا تصدر في أعمالها عن روية إذا تجمهرت ولو كان ثمة من يسيطر عليها في تجمهرها ويستطيع أن يصدر في سيطرته عن تعقل لحال دونهم وما فعلوا واكتفى بالقبض على الرجل والبحث في شأنه الى أن يحكم الشرع فيه بما يستحق، وأكبر ظني أنهم لو فعلوا ذلك لما وجدوه يستحق من العقوبة أكثر من احالته الى مستشفى المجانين إذا كان للمجانين مستشفى في ذلك العهد، ولكن التجمهر آفة العقول في كل زمان.
أهل عام ١٠٨٢ فأهلت معه أحداث جديدة قاسى هولها الشريف طيلة عام ٨٢ و٨٣ ثم انطوت امارته قبل أن ينطوي العام ١٠٨٣.
ويتلخص ذلك في أن خلافا نشأ بين صنجق جدة والشريف سعد لعل من أهم أسبابه مماطلة الأول في صرف حقوق الشريف سعد في واردات جدة وطال الخلاف حتى وافى أوان الحج عام ١٠٨٢ فلما كان «صنجق» جدة في منى يوم النحر ضرب برصاصة لم تصب منه مقتلا فحمله عسكره الى بيته في مكة بالقرب من باب الباسطية.
ولم يشك المصاب بأن ضاربه مدسوس عليه من الشريف سعد لكن الشريف سعد أكد في مجلس عقد خاصا بذلك بعد الحج أنه لا يعلم عن الضارب شيئا وفي هذا المجلس بحث أمر الصلح بين الفريقين كما بحث موضوع استحقاق الشريف سعد في واردات جدة وبعد تدقيقها وتقريرها تسلم بعضها وتنازل عن الباقي (2) وانتقل صنجق جدة بعد ذلك الى جدة ثم ثم الى المدينة في اوائل عام ١٠٨٣ وهناك اتصل به بعض خصوم الشريف سعد وشجعوه على اعلان عزل الشريف سعد وتوليه احد بني عمومته.
وعلم سعد بالأمر فجهز مقاتلته لضرب خصومه. وقبل أن يشتبك القتال وافى مرسوم من تركيا بعزل (صنجق) جدة وتأييد سعد (3)
الشيخ المغربي :
وكان يقيم في القسطنطينية رجل من خصوم الشريف هو الشيخ محمد بن سليمان المغربي وكان من كبار علماء عصره بمكة وقد وجد الفرصة سانحة للعمل ضد الشريف سعد فساعد على تركيز الحملة ضده فلما قنعت الخلافة في تركيا بعثت الى مصر بارسال ثلاثة آلاف جندى الى مكة والى حلب بارسال ألفي جندي وجعلت قيادة الجيش الى صاحب حلب حسين باشا كما أمرت حسين باشا أن يأتمر بأوامر الشيخ محمد سليمان المغربي.
وانتهى الجيش المصري الى مكة في موسم عام ١٠٨٣ وعسكر في جرول ثم وصل جيش حلب فعسكر في الزاهر وفطن الشريف سعد للأمر فبات منه على حذر وقصد حسين باشا والشيخ محمد المغربي الى المسجد حال وصولهما فأديا نسكهما وقابلا الشريف سعدا فأظهرا له الود وقبل حسين باشا يد الشريف ثم سهر عنده في بيته الى ما بعد منتصف الليل. وأرسل الشريف سعد يطلب خلعته المعتادة من الباشا فطلب الباشا اليه حضوره ليشرب قهوته فامتنع فأعاد دعوته فلم يقبل وقال ان العادة جرت بأرسالها الىّ فقال الباشا ليس لك عندنا خلعة فتأهب الشريف سعد للقتال فندب الباشا من ينادي بالأمان وأرسل الخلعة إلى الشريف سعد.
وانتقل الجميع بعد هذا الى عرفات فوقف الفريقان بها وقد أخذ كل فريق حذره ولما انتهوا الى منى بات الشريف ينتظر من الباشا اعلان مرسوم التأييد له كالمعتاد فلم يفعل فأرسل ينبه الباشا فطلب الباشا حضوره فلم يقبل وارتهكت أعصاب الشريف على أثر هذه الحوادث وبدا له أن الأمر جد أكثر من اللازم ولعله رأى أنه لا قبل له بقوة الجيش فغادر منى خفية في بعض انصاره الى الطائف ومنها ارتحل الى تربة فبيشه ثم سلك طرقا كثيرة حتى انتهى الى دار الخلافة في تركيا.
وفي منزل الشيخ محمد بن سليمان المغربي في منى اجتمع حسين باشا وبعض كبار الموظفين وأعيان الأشراف ثم أرسلوا في استدعاء الشريف بركات ابن محمد من آل بركات وأعلنوا ولايته بموجب مرسوم الخلافة كما أعلن الشيخ محمد بن سليمان حقوقه في الاشراف على شؤون البلاد وتلا مرسومه الخاص بذلك.
وهكذا انتهت امارة الشريف سعد قبل نهاية عام ١٠٨٣ بعد أن حكم مكة خمس سنوات ناب اخوه أحمد عنه في سنتين منها وبذلك خرجت الامارة من ذوي زيد لتعود من جديد الى ما كانت عليه في ذوي بركات (4).
بركات بن محمد :
وانقسم الأشراف في شأن ولاية بركات فحبذها أشياع بركات ولم يرضها ذوو زيد وأنصارهم فارتحل بعضهم إلى نواحي الطائف وابتعد آخرون إلى أطراف مكة وهاجر بعضهم الى خارج البلاد (5) ومع هذا فإن الشريف بركات كان أطيب سيرة من غيره فلم يقس على أضداده ولم يشدد النكير عليهم وكان يحب المصالحة ويسعى اليها فظل مسالما إلا في أحوال خاصة سنأتي على بيانها.
ومن طريف ما يذكر أن الشيخ محمد زرعة حضر حفلة المرسوم وقرأ آية من القرآن منها (فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) وكان الشريف بركات من آل ابراهيم بن بركات (6).
_______________
(١) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٨٤.
(2) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٨٥.
(3) افادة الأنام للشيخ. عبد الله غازي «مخطوط».
(4) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٩٠.
(5) يذكر صاحب المخلاف السليماني ٢ ج ٤٢١ أن أحد ذوى زيد واسمه خيرات بن شبير لجأ إلى اليمن فأكرم امام اليمن وفادته وخصص له ما يكفىّ لنفقته فعاش فى أبي عريش ينفع الناس بعلمه وأنجب ابنا اسمه محمد كان في مثل وجاهة أبيه وانجب هذا ابنا اسمه أحمد أجمع اهل العريش على حبه فكتبوا الى امام اليمن ان يوليه اميرا عليهم ففعل وبذلك تأسست امارة زيد فى اليمن ودامت ١٣٣ سنة تحت اشراف امام اليمن.
(6) خلاصة الكلام ٦٢.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة