x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

كرائم القرآن

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

النسخ التشريعي

المؤلف:  الشيخ عارف هنديجاني فرد

المصدر:  علوم القرآن عند العلامة آية الله السّيّد محمد حسين الطّباطبائيّ (قده) «دراسة مقارنة»

الجزء والصفحة:  ص 245 - 258 .

12-11-2020

3603

أن علوم القرآن مما لا يستغنى عنها في تفسير القرآن ، وقد رأينا في المباحث السابقة أن الطباطبائي فيما أسس له من مواقف ورؤى قرآنية ، إنما كان نتيجة اهتمامه بعلوم القرآن ، فأثرت في منهجه التفسيري إلى حد أنه ما كان ليستطيع أن يقدم على تفسيره العظيم لولا أنه استوعب هذه العلوم ، ورأى أن فيها ما يوجب على كل مفسر أن يتخذ من القرآن حكماً في قبول أو رفض ما تناهى إليه القوم في كثير من الآراء والنظريات الدينية ، فضلاً عما انتهوا إليه من تفاسير قرآنية تجاوزت المئات ، وهي بدل أن تكشف الكنوز القرآنية والحقائق الدينية نجدها في الكثير مما انتهت إليه قد أعمت الكثير من هذه الحقائق ، وذلك بسبب الإنصراف عن المقاصد ، والإنحياز للمذاهب على نحو ما طالعتنا به الكثير من التفاسير القرآنية ، التي رأى الطباطبائي أنه كان من الممكن ، فيما لو اهتدت إلى المسالك الصحيحة ، أن تتقدّم الكثير في مجال الرؤى الدينية ، ولكنها غفلت عن ذلك فآل بها الأمر إلى أن تكون مجرد مناظرات وتأويلات في اللغة والبلاغة والرواية ، وغير ذلك مما لا بد منه في التفسير ، إلا أنه لا ينبغي أن يكون مقصوداً بذاته ، كما فعل الكثير من المفسرين .

وانطلاقاً من ذلك ، فإن الطباطبائي وجد في علوم القرآن سبيلاً إلى تحقيق الغاية المرجوة ، وقد سبق لنا أن عرضنا لتأثير كل من علم المكي والمدني ، وعلم أسباب النزول على منهج الطباطبائي في التفسير ، وفي هذا المبحث سنبين أثر علم الناسخ والمنسوخ في منهجه نظراً لما لهذا المبحث من أهمية في علوم القرآن ، إذ من دونه تستحيل الأحكام ، وتزلّ الأقدام ، على اعتبار أن الناسخ والمنسوخ له ارتباط وثيق بعلم أسباب النزول ، ويأتي في طليعة العلوم القرآنية التي لا بد من الإحاطة بها للاهتداء إلى ما أمر الله به ونهى عنه . ومن هنا تتبدى لنا خطورة الناسخ والمنسوخ ، ومما روى عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لبعض متفقهة أهل الكوفة : أنت فقيه أهل العراق ؟ قال : نعم . قال : فبم تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيِّه . فقال له الإمام (عليه السلام) : «أتعرف كتاب الله حق معرفته ، وتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : نعم . قال : لقد ادّعيت علماً ، ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهله» (1) .

ومما تجدر ملاحظته في الحديث المتقدم عن الصادق (عليه السلام) أنه سأل عما إذا كان يعرف الناسخ من المنسوخ دون غيره ، رغم أنه (عليه السلام) في أحاديث كثيرة تواترت عنه ضمن كلامه ضرورة معرفة علوم القرآن الناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام ، والمحكم والمتشابه . . . وإذا كان لهذا التخصيص من معنى في سؤاله لفقيه أهل العراق ، فهو الإشارة إلى أهمية علم الناسخ والمنسوخ وتقدمه على سائر علوم القرآن الأخرى .

كما نلاحظ أيضاً ، أنه ما من فقيه أو مفسّر ، أو أصولي ، إلا وأعطى هذا العلم أهميته ، فالعلماء يصدّرون كلامهم دائماً بالقول : إنه لا يجوز لأحد أن يفسّر القرآن إلاّ بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ ، مستدلين على ذلك بما قال الإمام علي (عليه السلام) لرجل في جامع الكوفة ، وقد تحلق حوله الناس يسألونه ، وهو يخلط الأمر بالنهي والإباحة بالخطر ، فقال له الإمام (عليه السلام) أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : لا . قال (عليه السلام) : هلكت وأهلكت (2) .

وهكذا ، فإن ما سنحاول التعرف إليه في هذا المبحث هو ما أضافه السيد الطباطبائي في علم الناسخ والمنسوخ ، وأثر هذا العلم في منهجه التفسيري ، حيث سبق لنا أن ذكرنا أن لعلوم القرآن دوراً مميزاً وبارزاً في منهج المفسّر ، وهذا ما يبرزه المفسّر في تفسير الآيات المباركة التي تتحدث عن النسخ ، كقوله تعالى : ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [البقرة : 106] ، وقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ﴾ ، وقوله تعالى : ﴿ يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد : 39] .

وقد لا يكون من المبالغة في شيء القول بأن الطباطبائي أضاف شيئاً جديداً ومميزاً عما ذهب إليه المفسرون في تفسير هذه الآيات المباركة ، وقد تبدى هذا الجديد فيما عرض له المفسّر في معنى الآية والنسخ ، وأن الآيات في إطلاقها تطال كل ما هو تشريعي وتكويني ، هذا فضلاً عما ذهب إليه بقوله أن الآية قد تكون ذات جهة واحدة ، وقد تكون ذات جهات كثيرة ، فإذا ما نسخت في جهة ، فإنه يكون لها من جهاتها الأخرى كل معانيها ، كالآية في القرآن تنسخ من حيث حكمها الشرعي وتبقى من حيث بلاغتها وإعجازها ، مع ما لهذا المعنى من ارتباط بالسياق القرآني وما يقدمه من مدلولات في إطار الكشف عن المراد بالظاهر من الآيات المباركة ، إلى غير ذلك مما ذهب إليه المفسر في معنى التنافي بين تشريعين وقعا في القرآن ، والنسبة بين الناسخ والمنسوخ ، واختلافها عما بين العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، إضافة إلى ما رآه من اشتمال كل من الناسخ والمنسوخ على المصلحة ، إلى غير ذلك مما جعل من الطباطبائي أصولياً ومفسراً في آن واحد ، خلافاً لما زعمه البعض أن الطباطبائي غلّب الطابع الفلسفي والعرفاني في تفسيره على الطابع الأصولي والفقهي . فإذا صح أن المفسر لم يتطرق إلى المباحث الفقهية ، فذلك مما ذكره بنفسه في مقدمة تفسيره . أما أنه لم يُعطِ علم الأصول حقه ، فذلك مما زعمه آخرون ولم يتثبتوا منه ، وهذا ما سيكون موضع اهتمامنا في هذا المبحث . فنقول : إن الطباطبائي لخص كلامه في تفسير ما تقدم من آيات قرآنية على النحو الآتي :

أولاً : إن النسخ لا يختص بالأحكام الشرعية بل يعم التكوينيات ، وهذا ما عرضنا له في البحث السابق .

الثاني : إن النسخ لا يتحقق من غير طرفين ناسخ ومنسوخ .

ثالثاً : إن الناسخ مشتمل على ما في المنسوخ من كمال ومصلحة .

رابعاً : إن الناسخ ينافي المنسوخ بحسب صورته ، وإنما يرتفع التناقض بينهما من جهة اشتمال كليهما على المصلحة المشتركة . . .

خامساً : إن النسبة التي بين الناسخ والمنسوخ غير النسبة التي بين العام والخاص ، وبين المطلق والمقيد (3) . . . وقبل أن نعرض لهذه العناوين بشيء من الإيجاز المفيد ، لا بد أن نتحدث عما أجمع عليه الفقهاء فيما يتعلق بشروط النسخ ، لأنه كثيراً ما اشتبه على بعض الباحثين تحديد معنى النسخ ، ولعل ما أشار إليه الخوئي في بيانه كافٍ لتحديد هذا المعنى ، فهو يقول : «النسخ هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه ، سواء أكان ذلك الأمر المرتفع في الأحكام التكليفية أم الوضعية . . وإنما قيدنا الرفع بالأمر الثابت في الشريعة ليخرج به ارتفاع الحكم بسبب ارتفاع موضوعه خارجاً ، كارتفاع وجوب الصوم بانتهاء شهر رمضان ، وارتفاع وجوب الصلاة بخروج وقتها . . . فإن هذا النوع من ارتفاع الأحكام لا يسمى نسخاً ، ولا إشكال في إمكانه ووقوعه ، ولا خلاف فيه من أحد . . (4) .

ولتوضيح ذلك يقول السيد الخوئي : إن الحكم المجعول في الشريعة المقدسة له نحوان من الثبوت :

أحدهما : ثبوت ذلك الحكم في عالم التشريع والإنشاء (5) .

ثانيهما : ثبوت ذلك الحكم في الخارج بمعنى أن الحكم يعود فعلياً بسبب فعلية موضوعية خارجاً (6) .

ولا شك في أن المعروف بين العقلاء من المسلمين وغيرهم هو جواز النسخ في المعنى المتنازع فيه . رفع الحكم عن موضوعه في عالم التشريع والإنشاء ، وخالف في هذا اليهود والنصارى ، فادعوا استحالة النسخ . . . هذا فيما يعود إلى معنى النسخ في الاصطلاح . أما فيما يعود إلى شروط النسخ ، فقد أوضح الفقهاء في مجال هذا البحث ، أن من شروط النسخ أن يتحقق الآتي :

أولاً : تحقق التنافي بين تشريعين وقعا في القرآن ، بحيث لا يمكن اجتماعهما في تشريع مستمر ، تنافياً ذاتياً (7) . أما في صورة عدم التنافي بين آيتين ، كما في آية الإنفاق وآية الزكاة ، فلا نسخ أصلاً (8) .

ثانياً : أن يكون التنافي كلياً على الإطلاق لا جزئياً وفي بعض الجوانب ، فإن هذا تخصيص في الحكم العام ، وليس من النسخ في شيء (9) .

ثالثاً : أن لا يكون الحكم السابق محدداً بأمد صريح ، حيث الحكم بنفسه يرتفع عند انتهاء أمره ، من غير حاجة إلى نسخ ، وهذا ما عبر عنه السيد الخوئي بارتفاع الموضوع خارجاً ، كارتفاع وجوب الصوم بانتهاء شهر رمضان .

رابعاً : أن يتعلق النسخ بالتشريعات ، إذ لا نسخ فيما يتعلق بالأخبار . . .

وهكذا الإباحة الأصلية ترتفع بحدوث التشريع من غير أن يكون ذلك نسخاً ، حيث تلك الإباحة لم تكن تشريع ، وإنما كانت بحكم العقل الفطري (البراءة العقلية) ، فموضوعها : عدم التشريع فترتفع بالتشريع ، عموماً يمكن القول : إن هذه الشروط مشمولة بما ذكره السيد الخوئي في معنى النسخ وعدمه ، وقد فصلنا القول فيها لمنع الاشتباه ، وتحقيق الغاية من هذا البحث عن السيد الطباطبائي لمعرفة ما إذا كان السيد متمايز عن سواه فيما يعود إلى أثر هذا العلم في منهجه ، وما هو الجديد في رؤيته التفسيرية على علم الناسخ والمنسوخ . ولهذا ، فإن أول ما ينبغي الإشارة إليه هو قول الطباطبائي بأن وضع حكم مؤقت في حين لم تتم مقتضيات الحكم الدائم ثم وضع الحكم الدائم وإبدال الحكم المؤقت به ، شيء ثابت لا إشكال فيه (10) .

إن أهم ما ذهب إلي الطباطبائي في علم الناسخ والمنسوخ ، هو أنه لا يرى أن السنة بنوعيها المتواتر والآحاد تنسخ القرآن (11) ، وهذا الذي يذهب إليه المفسّر وإن لم يكن جديداً ، إلاّ أنه بنى على رؤية تفسيرية جديدة للآيات لم تكن ملحوظة عند قدماء الفقهاء كالشيخ المفيد ، الذي لم يكن يرى أن القرآن ينسخ بالسنة ، بل القرآن ينسخ بعضه بعضاً ، والسنة تنسخ به ، كما تنسخ السنة بمثلها من السنة (12) . . .

فالطباطبائي يرى أن هذا النسخ ، فيما لو قال أحد به ، مخالف للأخبار المتواترة بعرض الأخبار على الكتاب وطرح ما خالفه والرجوع إليه ، وهذا قول نسب أيضاً للشافعي ، الذي رأى أن كتاب الله إنما ينسخ بالكتاب ، وهكذا السنة لا ينسخها إلاّ سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (13) .

إذاً المقياس عند الطباطبائي لمعرفة الناسخ والمنسوخ هو القرآن الكريم ، لكونه الكتاب الكامل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو تبيان لكل شيء ، ومن شأن التدبر فيه التحقق من طرفي الناسخ والمنسوخ اللذين يتحقق بهما النسخ ، كما مر معنا في البند الثاني مما عرضه الطباطبائي . فهو يرى في تفسيره ، ووفاقاً لمبتنياته الأصولية ، أن الرافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ بعد استقراره بينهما بحسب الظهور اللفظي ، هو الحكمة والمصلحة الموجودة بينهما . وقد ميز الطباطبائي بين الرافع للتنافي الحاصل بين الناسخ والمنسوخ من جهة وبين الرافع للتنافي الحاصل بين العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والمجمل والمبين من جهة أخرى باعتبار الثاني هو قوة الظهور الموجودة في الخاص والمقيد والمبين بالنسبة لما يقابلها من العام والمطلق والمجمل (14) . . . ولا شك في أن تركيز المفسّر على تمييز الناسخ والمنسوخ عن سائر العلوم الأخرى ، إنما يأتي في سياق اعتباره أن القرآن لا ينسخ بالسنة بنوعيها المتواتر والآحاد ، وأن الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بآية أخرى ، فمرة تكون هذه الآية الناسخة ناظرة إلى الحكم المنسوخ ومبينة لرفعه ، ومرة أخرى تكون هذه الآية الناسخة غير ناظرة إلى الحكم المنسوخ ، وإنما يلتزم بالنسخ لمجرد التنافي بينهما فيلتزم بأن الآية المتأخرة ناسخة لحكم الآية المتقدمة (15) . ولهذا ، نجد المفسّر يعقد فصلاً كاملاً من بحوثه الروائية لتبيان تهافت ما ذهب إليه المفسرون وعلماء الأصول بشأن نسخ قوله تعالى : ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ (16) ، فهو يرى أن ما ذهبوا إليه من قول بأن هذه الآية نسخت بآية المؤمنون : ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ ، لا يصلح للنسخ باعتبارها مكية ، وآية المتعة مدنية ، يقول الطباطبائي : «ولا تصلح المكية لنسخ المدنية . . . وأما النسخ بسائر الآيات كآية الميراث وآية الطلاق . . . ففيه أن النسبة بينها وبين آية المتعة ليست نسبة الناسخ والمنسوخ ، بل نسبة العام والمخصص ، أو المطلق والمقَيّد . . . نعم ذهب بعض الأصوليين فيما إذا ورد خاص ثم عقبه عام يخالفه في الإثبات والنفي إلى أن العام ناسخ للخاص ، لكن هذا مع ضعفه غير منطبق على مورد الكلام ، وذلك لورود آيات الطلاق ، وهي العام في سورة البقرة ، وهي أول سورة مدنية نزلت قبل سورة النساء المشتملة على آية المتعة . . . فالخاص أعني آية المتعة متأخر عن العام على أي حال . . .» (17) .

وفي هذا النص ، كما أسلفنا سابقاً ، يظهر المفسّر ، مناقشة مع الأصوليين فيما ذهبوا إليه في معنى النسخ والتخصيص (18) ، ويحصر مراده في الآيات القرآنية ، انسجاماً مع منهجه في التفسير ، ثم يعقّب ذلك بالبحث الروائي ليبين أن النسخ بالسنة مما لا يستقيم لكونه مخالفاً للأخبار المتواترة ، الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب وطرح ما خالفه ، والرجوع إلى الكتاب ، فالسنة ، على ما يبدو ، من كلام المفسر ، مفسرة للكتاب وليست ناسخة له ، وقد ذهب السيد الخوئي ، وغيره من الفقهاء إلى خلاف ذلك ، على اعتبار أن الإجماع القطعي الذي يعني عند الإمامية ، الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم ، الذي هو سنة في أصله (19) .

أما فيما يتعلق بكلام الطباطبائي أن الناسخ يشتمل على ما في المنسوخ من كمال ومصلحة ، فهذا مما عرض له المفسّر في سياق الحديث عما يكون من تنافٍ بين الناسخ والمنسوخ بحسب الظهور اللفظي ، فتكون الآية المتأخرة ناسخة لحكم الآية المتقدمة ، ولتوضيح موقفه من النسخ نراه يميز ويفرق بين النسخ وبين سائر العناوين الأخرى في عموم وخصوص ومجمل ومبين ، على اعتبار أن الرافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ هو الحكمة والمصلحة التي يشتمل عليها (20) ، فلا يرى ثمة تعارض أو تناقض فإن قلت : فما تقول : في النسخ الواقع في القرآن وقد نص عليه القرآن نفسه ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ ، وهل النسخ إلا اختلاف النظر لو سلمنا أنه ليس من قبيل المعارضة في القول ؟ يجيب الطباطبائي : «النسخ كما أنه ليس من المناقضة في القول وهو ظاهر ، كذلك ليس من قبيل الاختلاف في النظر والحكم ، وإنما هو ناشئ من الإختلاف في المصداق من حيث قبول انطباق الحكم يوماً لوجود مصلحته فيه وعدم قبوله الانطباق يوماً آخر لتبدل المصلحة من مصلحة أخرى توجب حكماً آخر ، ومن أوضح الشهود على هذا أن الآيات المنسوخة الأحكام في القرآن مقترنة بقرائن لفظية تومئ إلى أن الحكم المذكور في الآية سينسخ كقوله تعالى : ﴿ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ [النساء : 15] يقول الطباطبائي : انظر إلى التلويح الذي تعطيه الجملة الأخيرة (21) ، والآيات المنسوخة ، كما يرى الطباطبائي لا تخلو من إيماء إلى النسخ ، كما في قوله تعالى : ﴿ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [البقرة : 109] ، المنسوخ بآية القتال ، وقوله تعالى : ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ [البقرة : 14] ، المنسوخ بآية الجلد ، فقوله تعالى : ﴿ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ ، وقوله : ﴿ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ ، لا يخلو من إشعار بأن الحكم مؤقت مؤجل سيلحقه نسخ ، ولا يعني هذا أن ما يفيد الغاية في الآيات المنسوخة هو مبنى النسخ لدى المفسر ، وإنما هو مشعر به وملوح إليه ، إذ إن الغاية تعد من المخصصات الكلامية ، وهذا ما يراه المالكية والشافعية والحنابلة ، أما الحنفية ، فهم لا يعتبرونها مخصصات ، وإنما هي جزء من الكلام متصلة به لا غنى لها عنه ، ولا استقلال لها من دونه (22) .

بهذا أجاب الطباطبائي على ما يعنيه التنافي بين النصوص ، أو على ما إذا اقتضى أحد الدليلين المتساويين في القوة نقيض ما يقتضيه الآخر ، إذ هو يرى أن التعارض هو في الظاهر ، وليس تعارضاً حقيقياً ، لأن كلام الله تعالى منزه عن الإختلاف ، كما قال الله تعالى : ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ [النساء : 82] . فالتعارض عند المفسر ، هو مبنى النسخ ، ويمكن من خلال التدبر في كتاب الله تعالى ، أن يرفع التعارض ، وكما يقول الأوسي في بيان هذا المعنى عند الطباطبائي : إنه في الواقع لا يوجد تعارض حقيقي بين آيات الكتاب ، إذ إن ترتب النسخ على وقوعه دليل على أنه لم يبق بين النصين تعارض حقيقي من حيث أن الحكمين أحدهما منسوخ بالآخر يجب أن يختلف زمن العمل بهما ، فاتحاد الزمان بين الحكمين ، وهو شرط لتحقق التعارض ، مانع من النسخ ، واختلاف الزمن فيهما ، وهو شرط لوقوع النسخ ، مانع من التعارض (23) .

وهكذا ، فإن معنى تحقق المصلحة هو أن ينظر دائماً إلى اختلاف المصاديق من حيث قبول انطباق الحكم أو عدمه ، لأن المصلحة كامنة سواء في النسخ ، أم في المنسوخ ، ولهذا ، نجد أن الطباطبائي يعرض لكيفية التنافي بينهما ، أي بين الناسخ والمنسوخ ، فيرى أنه بحسب الصورة هو منافٍ له ، ويرتفع التناقض بينهما لجهة اشتمال كليهما على المصلحة المشتركة ، فإذا توفي نبي وبعث نبي آخر ، وهما آيتان من آيات الله تعالى أحدهما ناسخ للآخر ، كان ذلك جرياناً على ما يقتضيه ناموس الطبيعة في الحياة والموت والرزق والأجل وما يقتضيه اختلاف مصالح العباد بحسب اختلاف الأعصار وتكامل أفراد الإنسان . وهكذا الحال فيما إذا نسخ حكم ديني بحكم آخر ، فإن هذا النسخ مشتمل على مصلحة الدين ، وكل من الحكمين أطبق على مصلحة الوقت . . . (24) .

وانطلاقاً مما تقدم ، نرى أن المفسر يرد الكثير من دعاوى الناسخ والمنسوخ من خلال القرآن وليس من خلال أي شيء آخر ، لكونه يرى كفاية بالقرآن لقبول أو رد الأخبار ، ومن جملة ما رده كما بين في تفسيره ، دعوى ابن عباس أن قوله تعالى : ﴿ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ ﴾ ، ﴿ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ، منسوخة بقوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً ﴾ ، وقد رد الطباطبائي دعوى النسخ لكون النسبة بين الاثنتين ليست نسبة الناسخة إلى المنسوخة ، مبيناً أن الآية الثانية لا تنافي في مضمونها مضمون الآية الأولى ، فإن الأكل في الآية الأولى المجوزة مقيد بالمعروف ، في حين أن الثانية محرمة بالظلم ، ولا تنافي بين تجويز الأكل بالمعروف ، وتحريم الأكل ظالماً . وعليه ، فإن الآية غير منسوخة (25) .

وهنا تبدو لنا ملاحظة عجيبة ، وهي كيف يمكن أن يطمئن الباحث إلى ما يختزنه التاريخ الإسلامي من روايات بشأن الناسخ والمنسوخ ، طالما أن ابن عباس لم يتمكن من تمييز الناسخ من المنسوخ ، أو أنه لم يعرف كيف يميز بين ما هو معروف ، وما هو ظلم؟ وهذا ما يتهمه به الطباطبائي (26) ، ولعل هذا هو منشأ أن يأخذ الطباطبائي بعلوم القرآن إلى القرآن ، ليكون سبيله الوحيد إلى معرفة الناسخ والمنسوخ ، وغيره مما اختلف فيه بين المسلمين ، والذي لا يزال موضع خلاف بينهم حتى عصرنا الحاضر ، وهو سيبقى إلى أن يرث الله الأرض وما عليها . هذا ملخص عام لما أثبته الطباطبائي فيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ ، سواء في عالم التكوين ، أم في عالم التشريع . أما فيما يتعلق بصنوف النسخ الأخرى في القرآن ، من قبيل نسخ الحكم والتلاوة معاً ، أو نسخ التلاوة دون الحكم ، وغير ذلك ، فهذا مما لا سبيل إليه عند الطباطبائي ، لكونه يؤسس علومه القرآنية على أساس متين ، وهو قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ [النساء : 82] .

فالطباطبائي لا يكترث في تفسيره للقرآن ولا في موقفه الأصولي لما حاول بعض القدامى من أهل الحديث أن يثبتوه في مصنفاتهم بأن هذا النوع من النسخ ، ونعني به نسخ الحكم والتلاوة معاً ، قد وقع في القرآن بأن تسقط منه آية ذات حكم تشريعي ، ولكن الطباطبائي لا يرى ذلك صحيحاً ، وهو مرفوض عنده على اعتبار أن القرآن قد أسقط هذه الدعاوى ، بقوله تعالى : ﴿ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت : 42] . وقد فصل الكلام السيد الخوئي في الرد على هذه المزاعم ، مبيناً أن هذا الأمر شيء غريب ، ولا يمكن الالتزام به ، لأن من شأن الالتزام به القول بتحريف القرآن ، بأن آية ذات حكم تشريعي ، كانت تتلى حتى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم نسيت أو سقطت ، وهذا ما تنكره جماعة المسلمين قاطبة ، فضلاً عن الطباطبائي الذي جعل مرجعه في الحكم على هذا كله القرآن الكريم ، فإذا ما قلنا بوقوع ذلك ، فكيف السبيل إلى علوم قرأت لا يداخلها ريب ، أو إلى أحكام شرعية مطمئن إليها . ثم أين هذا كله من قوله تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر : 9] .

هناك صنف آخر من صنوف النسخ ، وهو القول بنسخ التلاوة دون الحكم ، وهذا أيضاً مرفوض عند الطباطبائي ، لكونه على غرار الصنف الأول بلا فرق ، لأن القائل به إنما يتمسك بأخبار آحاد زعمها صحيحة الاسناد ، ساهياً عن أن نسخ آية محكمة لا يمكن إثباته بأخبار آحاد لا تفيد سوى الظن ، وإن الظن لا يُغني عن الحق شيئاً . وكما نعلم أن مفاد هذا النسخ هو سقوط آية من القرآن كانت تقرأ ، وكانت ذات حكم تشريعي ، ثم نسخت ومحيت ، لكن حكمها بقي مستراً غير منسوخ ، وهذا يعني فيما يعنيه ، إذا ما التزم به أن تكون هناك آيات منسية ، ويعمل بها ، وهذا قول صريح أيضاً بتحريف القرآن ، وهذا ما عبر عنه السيد الخوئي القول : «أجمع المسلمون على أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد ، كما أن القرآن لا يثبت به ، وذلك لأن الأمور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس وانتشار الخبر عنها ، لا تثبت بخبر الواحد ، فإن اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطئه ، وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أن آية الرجم في القرآن ، وأنها نسخت؟ نعم جاء شخص بآية الرجم وادّعى أنها من القرآن ، لكن المسلمين لم يقبلوا منه ، لأن نقلها كان منحصراً به ، فلم يثبتوها في المصاحف ، لكن المتأخرين التزموا بأنها كانت منسوخة التلاوة باقية الحكم» (27) .

لا شك في أن هذا النوع من النسخ يرفضه الطباطبائي ، ويرى فيه تحريفاً للقرآن ، وقد تحدى الله بعدم وجود الاختلاف فيه ، فالآية تفسّر الآية ، والبعض يبين البعض ، والجملة تصدق الجملة ، ولو كان من عند غير الله لاختلف النظم في الحسن والبهاء والقول في الشداقة والبلاغة والمعنى من حيث الفساد والصحة ومن حيث الاتقان والمتانة ، فكيف يمكن إثبات هذا النسخ بخبر جاء من هنا وهناك؟ وعموماً ، فإن السنة بنوعيها المتواتر والآحاد لا تنسخ القرآن (28) ، وفي مطلق الأحوال ، فقد أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ، باعتبار أن الظني لا يقاوم القطعي فيبطله ، على ما أفاد الشاطبي (29) .

____________________________________

  1. انظر الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، م .س ، ج27 ، ص48 .
  2. انظر الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، م .س ، ج27 ، ص47 .
  3. الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج1 ، ص249 .
  4. الخوئي ، أبو القاسم ، البيان في تفسير القرآن ، م .س ، ص278 .
  5. يقول الخوئي : إن الحكم في هذه المرحلة يكون مجعولاً على نحو القضية الحقيقية ، ولا فرق في ثبوتها بين وجود الموضوع في الخارج وعدمه وإنما يكون قوام الحكم بفرض وجود الموضوع . فإذا قال الشارع : شرب الخمر حرام ـ مثلاً ـ فليس معناه أن هنا خمراً في الخارج ، وأن هذا الخمر محكوم بالحرمة ، بل معناه أن الخمر متى ما فرض وجوده في الخارج ، فهو حرام في الشريعة ، سواء أكان في الخارج خمر بالفعل أم لم يكن ، ورفع هذا الحكم في هذه المرحلة لا يكون إلاّ بالنسخ . را : السيد الخوئي ، البيان في تفسير القرآن ، م .س ، ص278 .
  6. إن ثبوت هذا الحكم في الخارج ، كما يرى الفقهاء بمعنى أن الحكم يعود فعلياً بسبب فعلية موضوعه خارجاً ، كما إذا تحقق وجود الخمر في الخارج فإن الحرمة المجعولة في الشريعة للخمر تكون ثابتة له بالفعل ، وهذه الحرمة تستمر باستمرار موضوعها ، فإذا انقلب خلاً فلا ريب في ارتفاع تلك الحرمة الفعلية التي ثبتت له في حال خمريته ، ولكن ارتفاع هذا الحكم ليس من النسخ في شيء : وإنما الكلام في القسم الأول : رفع الحكم عن موضوعه . . .
  7. معرفة ، محمد هادي ، تلخيص التمهيد ، م .س ، ص417 .
  8. إن تشريع الإسلام للإنفاق في سبيل الله ثابت مستمر ، مندوب إليه في الإسلام ، والزكاة واجبة ، ولا تنافي بين استحباب الأول ووجوب الأخيرة أبدياً .
  9. معلوم عند الفقهاء أن المطلق ليس ناسخاً للمقيد وإن جاء متأخراً عنه . والعام ناسخ للخاص ، ومما يمكن الإشارة إليه هنا هو أن آية القواعد من النساء لا تصلح ناسخة لآية الغض (سورة النور ، الآية : 31) بعد أن كانت الأولى أخص من الثانية والخاص لا ينسخ العام ، بل يخصِّصه بما عداه من أفراد الموضوع ، وهكذا تحليل السمك والجراد لا يكون نسخاً لآية تحريم الميتة ، حتى ولو فرضنا صدق الميتة على السمك ، الذي أخرج من الماء حياً فمات . . .
  10.  الطباطبائي ، القرآن في الإسلام ، م .س ، ص50 .
  11.  م .ع ، الميزان ، م .س ، ج4 ، ص282 .
  12.  انظر : الشيخ المفيد ، أوائل المقالات ، م .س ، ص144 .
  13.  انظر الأوسي ، علي ، الطباطبائي ومنهجه في التفسير ، م .س ، ص224 ، نقلاً عن الرسالة ، للشافعي ، تحقيق وشرح أحمد محمود شاكر ، مصر ، 1358هـ ، ط1 ، ص106 .
  14.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج1 ، ص250 .
  15.  سنتحدث لاحقاً عما يعنيه التنافي بين الناسخ والمنسوخ بحسب الظهور اللفظي ، والذي لا يكون تعارضاً حقيقياً . . .
  16.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج4 ، ص280 ـ 281 .
  17.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج4 ، ص280 ـ 281 .
  18.  يفترق النسخ عن التخصيص ، أن الأول قطع لاستمرار التشريع السابق بالمرة . أما التخصيص فهو قصر الحكم العام على بعض أفراد الموضوع وإخراج البقية عن الشمول ، قبل أن يعمل المكلفون بعموم التكليف . فالنسخ اختصاص للحكم ببعض الأزمان ، والتخصيص اختصاصه ببعض الأفراد . ذاك تخصيص أزماني ، وهذا تخصيص أفرادي ولا يشتبه أحدهما بالآخر . فكل من النسخ والتخصيص أداة كشف عن المراد الحقيقي للمشرّع الأول الحكيم .
  19.  انظر : السيد الخوئي ، التبيان في تفسير القرآن ، م .س ، ص286 .
  20.  يرى الأوسي في دراسته عن الطباطبائي ، أن المفسر في موقفه من دعاوى النسخ يؤيد ما يتفق وفرض التنافي بين الناسخ والمنسوخ بحسب الظهور اللفظي ، ففي قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ﴾ ، ذكر المفسّر أنها منسوخة بقوله تعالى : ﴿ أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ﴾ ، وهذا في الواقع ينسجم مع فرض المفسر بأن الرافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ هو تحقق المصلحة الموجودة بينهما ، فإعراضهم عن المناجاة يُفوّت عليهم كثيراً من المنافع والمصالح العامة ، ومن أجل حفظ تلك المنافع رفع الله عنهم وجوب الصدقة بين يدي المناجاة تقديماً للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، وعلى النفع الخاص بالفقراء وأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله . را : الأوسي ، علي ، الطباطبائي ، ومنهجه في التفسير ، م .س ، ص227 .
  21.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج1 ، ص69 .
  22.  انظر مصطفى زيد ، النسخ في القرآن الكريم ، القاهرة دار الفكر العربي ، 1963 ، ج1 ، ص114 .
  23.  الأوسي ، علي ، الطباطبائي ومنهجه في التفسير ، م .س ، ص225 .
  24.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج1 ، ص249 .
  25.  م .ع ، ج4 ، ص178 .
  26.  مما يرده الطباطبائي من دعاوى النسخ هو ما ذهب إليه المفسرون في قوله تعالى : ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ . . . ﴾ أن الآية منسوخة بقوله تعالى : ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ﴾ وقد رد الطباطبائي هذه الدعوى ، بقوله : ولا وجه لهذا النسخ ، وإن الآية الأولى بيان كلي لحكم المواريث ، ولا تنافي بينها وبين سائر آيات الإرث المحكمة حتى يقال بانتساخها بها . را : الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج4 ، ص211 .
  27.  الخوئي ، أبو القاسم ، البيان في تفسير القرآن ، م .س ، ص285 .
  28.  الطباطبائي ، الميزان ، م .س ، ج4 ، ص275 .
  29.  انظر : الشاطبي ، أبو اسحاق ، الموافقات في أصول الشريعة ، شرح الشيخ عبد الله دراز ، مصر 1388هـ ، ج3 ، ص106 .