أولاد عجلان
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 316-328
10-11-2020
1554
أولاد عجلان :
اشتهر من أولاد عجلان خمسة هم : أحمد ـ وعلي ـ ومحمد ـ وكبيش ـ وحسن ـ وقد رأينا أحمد يشارك أباه فى الحكم ثم يستقل به قبل وفاة أبيه عجلان فى سنة ٧٧٧ وقد كتب الى سلطان المماليك بذلك فأيدوه ، وقد قرىء التأييد في المسجد وأقسم أحمد يمينا بالعدل وطاعة السلطان.
وجرى أحمد على سنة أبيه في اثبات مراسم العدل واحياء معالمه حتى شاع ذلك عنه في الآفاق على ألسنة الحجاج والمجاورين، وقد ذكره الدحلان (1) فقال انه كان شجاعا وانه جمع من الاموال والخيل ما لم يجمعه احد من اسلافه.
ويذكر الفاسي (2) ان احمد استعان بابن صغير له اسمه محمد سنة ٧٨٠ ولكن هذا الابن لم يظهر له أثر في الحكم لصغر سنه.
وظل احمد بن عجلان على علاقته الطيبة بحكومة المماليك الأتراك في مصر يدعو لهم على منبر مكة ويتقبل هداياهم، ثم ما لبث أن بلغه خبر سقوط حكومة مماليك الأتراك في عام ٧٨٥ وقيام حكومة المماليك الشراكسة على أنقاضهم بقيادة ابي سعيد برقوق الذي نادى بنفسه ملكا على مصر على أثر إستيلائه عليها ولقب نفسه بالملك الظاهر برقوق (3)
عندئذ أرسل من يمثله لدى البلاط الجديد ويقدم تهانيه ويعرض صداقته فسر الملك الجديد بهذه الرسالة الطيبة وأيد علاقته بأصحابها وعاد المندوبون الى مكة يحملون الهدايا والخلع ورسائل الود (4).
وأعتقد أن المخصصات السنوية التي رسمها مماليك الأتراك ظلت على حالها ترسل الى مكة، كما ظل الغاء المكوس معمولا به لأن أحدا من المؤرخين لم يحدثنا بعودة المكوس الى ما كانت عليه قبل الالغاء.
ووصل الى مكة في هذا العهد محمل من اليمن صحبة الحجاج اليمنيين عام ٧٨١ (5) ولعل صاحب اليمن بلغته بعض القلاقل في مصر فأراد ان يغتنم الفرصة للدعاية لنفسه في مكة.
وظل احمد بن عجلان على أمره في الحكم ثم عاد فأشرك معه ابنه محمدا في عام ٧٨٧ واستمر بعدها الى ان وافته منيته عام ٧٨٨ (6)
ويذكر الدحلان أنه مات في جوف الكعبة في عهد احمد هذا اربعة وثلاثون رجلا من شدة الزحام وذلك في سنة ٧٨١ (7).
ومن الحوادث الهامة التي وقعت في عهد احمد أنه قبض على جماعة من بيته واقار به فيهم عنان بن عمه مغامس وسجنهم مقيدين في الحديد في سجن اجياد ثم ما لبث ان نقلهم الى سجن العلقمية بالمروة ، وذلك أن الظاهر برقوق رسم لهؤلاء مبالغ يستوفونها من أحمد فلم يوافق فثار النزاع وانتهى بالقبض عليهم ، وكتب اليه صاحب مصر أن يطلقهم فامتنع وقد حاول هذا النفر الفرار من سجنهم بعد ان ربطوا بعض ثيابهم بأحد الشبابيك ثم انتقلوا الى منزل مجاور فتنبه الحراس لهم وادركوهم الا عنانا الذي خلص الى خارج السجن ولم يشعر به احد وقد اتجه في فراره الى سوق الليل فصادفه كبيش بن عجلان جادا في البحث على ضوء المصابيح فاختفى منه ، ثم خلص الى بيت لاحد معارفه في شعب علي فخبأه في صهريج له وقد نمي ذلك الى كبيش فاسرع الى اللحاق به فاختبأ عنان في بيت امرأة يعرفها في المعابدة ، ولما جاء كبيش الى حيث اختبأ أكدت المرأة أنها لا تعرفه حتى اقتنع كبيش وعاد ، ومن ثم خرج عنان الى وادى خليص حيث كانت قد اعدت له ناقلة سريعة ركبها وولى هاربأ الى مصر فنزل ضيفا على اصحابها من مماليك الشراكسة يتحين الفرص للثأر ولم يمكث غير قليل حتى بلغ غايته من الثأر ، واستطاع أن يصل بمثابرته الى مركز الحكم في مكة بعد أن تركها شريدا (8).
وبموت أحمد بن عجلان في عام ٧٨٨ انفرد بالحكم بعده ابنه محمد وتولى الوصاية عليه عمه كبيش وكان يدير دفة الحكم ويشرف على جميع اعماله (9).
ولم يدم حكم محمد بعد ذلك أكثر من مائة يوم فقد أصابه مقذوف ناري في حفلة المحمل من موسم ذلك العام (٧٨٨) فقتله وذلك انه دعى الى حفلة استقبال المحمل، وكان من رأي عمه الوصي أن لا يجيب الدعوة ولعله شعر أن بعض عناصر الأشراف من بني عمومته غير راض عن حكومته لهذا خشي أن يغتالوه في غمرة الاحتفال فاوصاه بعدم الحضور، ولكن الصبي الأمير أبى الا ان يحضر وقد حضر فأصابه مقذوف ناري أثناء اللعب في الاحتفال وقد قيل ان الذي اغتاله في الحفل كان دسيسة بدافع من امير الحج المصري (10).
كما قيل أن القاتل كان من بعض الباطنية ولم يتضح أكان الباطني من اشراف مكة لنعرف علاقة ذلك بسياسة الاشراف أم كان أجنبيا دفع الى القتل بدافع ديني لا علاقة له بالأشراف الا أننا وقد مررنا بالحادثة التي ذكرناها عن فرار عنان من سجن عمه احمد بالصورة التي مرت بنا نستطيع ان نربط بين الحادثين برباط وثيق.
ولا يكلفنا الدحلان (11) عناء هذا الربط لأنه لا يلبث ان يذكر لنا على اثر مقتل محمد أن الذي قتله أمير الحج المصري ثم يقول : وقيل قتل في سوق منى بسكين مسمومة ، وقيل انه مات في احتفال المحمل ثم يسرد عبارته بالشكل الذي يتراىء فيه ارتباط الحوادث فيقول «وذلك أنه كان في جيش ابيه جماعة من اقاربه الأشراف ـ وهم الذين ذكرناهم ـ فلما توفي ابوه سأله سلطان مصر أن يطلقهم فأبى ثم كحلهم وهو يريد أنه سمل عيونهم بمسامير محماة فأضمر السلطان ولاية عنان بن مغامس «غريم ابيه» الذي فر من سجنه وهكذا سيره مع أمير الحج المصري وأمره بألا يظهر أمره الى بعد أن تجري مراسيم استقبال المحمل في مكة بحضور أميرها محمد فلما حضر محمد الاحتفال انطلق مقذوف ناري اصاب الامير فارداه قتيلا ـ وهكذا ثأر لنفسه من ابن عمه وبه ارتبطت حوادث اليوم بحوادث الامس ونادى على الاثر عنان بن مغامس بنفسه اميرا.
وقد دافع اخوان المقتول من أولاد عجلان وأصحاب حزبهم فلم يجدهم ذلك وهجم الترك بسلاحهم حتى انتهوا الى أجياد فأوقعوا في من ثبت من أصحاب محمد وكان ذلك في ذي الحجة من العام المذكور ٧٨٨.
_______________
(1) خلاصة الكلام ٣٣
(2) شفاء الغرام ٢ / ٢٠٧
(3) كان مماليك الأتراك يستخدمون في أعمالهم مماليك الشراكسة ويولونهم كثيرا من الثقة فلما تقادم العهد وبدأ الضعف ينساب الى كرسي الحكم كانت شوكة الشراكسة المماليك اشتدت وقوى نفوذها فثاروا ضد اصحاب الملك أسيادهم من الاتراك كما ثار الاتراك من قبل ضد اسيادهم الأيوبيين وقد نجحت الثورة بقيادة رئيسها ابي سعيد برقوق الشركسى الذي اعلن نفسه ملكا على أثر انتصاراته فى عام ٧٨٥ ولقب نفسه بالظاهر برقوق وبهذا دخلت مكة فى علاقة جديدة مع مماليك الشراكسة فى مصر بعد مماليك الاتراك.
(4) اتحاف الورى لابن فهد القرشي «مخطوط»
(5) شفاء الغرام للفاسى ٢ / ٢٥٠
(6) خلاصة الكلام ٣٠٤
(7) المصدر نفسه
(8) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط»
(9) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٢٠٦
(10) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط» وقال عبد القادر الجزيرى فى درر الفوائد المنظمة ص ٣١٤: وكان امير الحاج المصري آق بفا المارديني ، ولما وصل مكة خرج اميرها محمد بن احمد بن عجلان بعسكره الى ان حضر عند المحمل فاحاط به الترك الذين حوله فلما اخذ يقبل خف جمل المحمل على العادة وثب عليه باطنيان فجر حاه جراحات مات بها من فوره ، وحمل الى المعلاة.
(11) خلاصة الكلام ٣٤
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة