النواحي العامة لمكة في عهد الخلفاء الراشدين
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 112- 115
8-10-2020
1193
القتال في مكة وحرق الكعبة :
وما انتهت واقعة الحرة في المدينة في أواخر عام ٦٣ حتى صدر أمر يزيد الى قائده مسلم بن عقبة (١) أن يتوجه في جيشه الى مكة لقتال ابن الزبير فسار اليها ولما كان في بعض الطريق أدركته الوفاة فأوصى بقيادة الجيش الى الحصين بن نمير (٢) فتولاه واستأنف سيره حتى انتهى الى مكة فى أواخر المحرم سنة أربع وستين ونزل في ظاهرها.
وخرج اليه ابن الزبير في جموعه من مكة وبعض القبائل من أطرافها وعدد ممن التحق به من أشراف المدينة وبدأت المناوشات والتقى المتبارزون من الفريقين وظل شأنهم كذلك حتى بدا لجند الشام نصب المجانيق فنصبوها في ربيع الأول سنة ٦٤ ورموا الكعبة بالنفط والحجارة حتى احترقت كسوتها وتصدعت حيطانها (٣).
ولست ممن يرى أن الكعبة كانت مقصودة لذاتها بالرمي لأنني أعلم أن جيش الشام كان يستقبلها في صلاته ولا يرمي الكعبة رجل يصلي اليها ولا يرضى أن يقذفها بالحجارة كما في رأي بعض المؤرخين أو بالنار كما في رأي البعض الآخر.
والذي أستطيع أن أستنتجه أن ابن الزبير كان يعوذ بها ويحتمي خلفها فبدا للجيش أن يصيبه من ورائها وقد فعل، فنالت الاحجار بعض أركانها ويذكر بعض المعتدلين من الرواة أن أصحاب ابن الزبير كانوا يوقدون النار وهم حول الكعبة فعلقت النار في بعض أستارها فسرت الى أخشابها وسقوفها فاحترقت (4) وهي رواية أقرب في اعتدالها الى الواقع مما عداها من روايات التهويل والتشنيع.
نجاح ابن الزبير :
وظل القتال على حاله حتى وافت الأخبار بنعي يزيد ففتر الحماس بين صفوف جند الشام ورأى الحصين بن نمير أنه يقاتل منذ اليوم إلى غير غاية فاجتمع بابن الزبير في ظاهر مكة وقال له: ان كان هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر فهلم وارحل معي الى الشام فو الله لا يختلف عليك اثنان.
ولكن ابن الزبير حسبها خدعة فرد عليه ردا أساءه فنفر منه ابن نمير ، وفي رواية أخرى أن ابن الزبير ندم على ما كان من غلظته فبعث اليه يقول : أما الشام فلا آتيه ولكن خذ لي البيعة من هناك ان شئت ، ويعلق صاحب تاريخ الاسلام السياسي على هذا فيقول ان ابن الزبير كان متأثرا بالفكرة القومية وهي اعادة النفوذ والسيطرة الى بلاد الحجاز كما كان في عهد النبي وأبي بكر وعمر وعثمان لهذا أبى أن يغادر الحجاز ، كما يعلق صاحب التاريخ السياسي للدولة العربية فيقول ان بقاء ابن الزبير في مكة كان من أسباب ضعفه لعدم جواز القتال فيها وقتاله فيها يسيء الى حرمة الكعبة.
واني لا أستبعد تأثر ابن الزبير بالفكرة القومية فقد كان من أشد معاصريه تحمسا لها ولكني أفهم أن ذلك لا يمنعه من الرحيل الى الشام لأخذ البيعة ثم العودة إليها بعد أن تستقيم له الأمور وتستقر شؤونها ، إذن فلا بد من عامل كان له أثره في امتناع ابن الزبير ، ولا أستبعد أن يكون ذلك هو خوفه من الخدعة التي أشارت إليها الرواية السالفة وليست الخدعة غريبة على مثل الحصين بن نمير فقد يكون أرادها ليحمل خصمه الى الشام غنيمة باردة لمن يتولى الأمر فيها ، وليس غريبا على مثل ابن الزبير وهو يضطلع بمهام خطيرة أن يكون يقظا حريصا. ومهما كان الأمر فقد اختلف الفريقان في هذا الاجتماع السلمي ورأى الحصين بن نمير أنه لا حاجة له في قتال لا يعرف غايته ففك الحصار ورجع الى الشام وبرجوعه كانت الخلافة قد وليها معاوية بن يزيد ثم تنازل عنها في ربيع الأول سنة ٦٤ في اجتماع عام قال فيه «أيها الناس اني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم» واختلف المؤرخون في مدة خلافته بين نصف شهر وثلاثة أشهر.
واستتب الأمر لابن الزبير في مكة وما والاها وبايعه الناس فيها وفي المدينة ثم بايعه أهل البصرة وأهل الكوفة وأرسل الى مصر ثم إلى أهل اليمن فبايعوا جميعا كما أرسل الى أهل خراسان فبايعوه واتفقت فرقة كبيرة من الخوارج على بيعته كما بايعه أهل حمص وفلسطين والعراق وسائر بلاد الشام إلا دمشق.
ورأى الناس في دمشق اتساع الأمر لابن الزبير فاجتمعوا الى نائب دمشق لبني أمية ـ الضحاك بن قيس الفهري ـ وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخطب فيهم خطابا جامعا دعا فيه الى مبايعة ابن الزبير (5).
ورأى مروان بن الحكم أن الأمر سينتظم لابن الزبير في الشام كما انتظم له في بقية الأمصار فعزم على الرحيل الى مكة لمبايعة ابن الزبير وليأخذ منه أمانا لبني أمية فسار في بعض الطريق فلقيه بعض بني أمية في خلق كثير وأثنوه عن أمره ، وقالوا أنت كبير قريش ، وخالد بن يزيد غلام وعبد الله بن الزبير كهل ، وانما يقرع الحديد بالحديد فلا تناوئه بهذا الغلام وارم بنحرك في نحوه ونحن نبايعك أبسط يدك فبسط يده فبايعوه بالجابية في ٣ ذي القعدة عام ٦٤.
ثم سار بمن معه نحو أنصار ابن الزبير من أهل الشام وعلى رأسهم الضحاك بن قيس فنشب القتال بينهم عنيفا قليل المثال فقتل الضحاك وتفرق أصحابه وذلك في أواخر ذي الحجة من عام ٦٤ وبذلك استقر الأمر لبني أمية في الشام وتمت البيعة فيه لمروان بن الحكم بينما استقر الأمر في بقية الأمصار لابن الزبير وبويع فيها خليفة على المسلمين (6).
_______________
(١) ابن رباح المري : من قواد العهد الأموي (الأعلام للزركلي) وقد لقب مسلم هذا الشنيع فعله (مسرف بن عقبة)
(٢) السكوني : من قواد العهد الأموي (المصدر السابق)
(٣) اخبار مكة للأزرقي ١ / ١٣٥
(4) أخبار مكة للأزرقي ١ / ١٣٩
(5) العقد الفريد ٢ ص ٣١٣ وما بعدها
(6) الآداب السلطانية للفخري ١٦٤.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة