امراء مكـه
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 73- 76
6-10-2020
1722
أول أمير في مكة :
ولبث النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة أسابيع ثم بلغه أن هوازن وثقيف يجمعان جموعهما لغزوه في مكة فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) في جيش من أصحابه وانضم إليه من مكة ألفان آخذا طريقه الى الطائف بعد ان استعمل على مكة عتاب بن أسيد وأوصاه بهم: أتدري على من وليتك يا عتاب؟.. على جيران بيت الله فاستوص بهم خيرا»!!
وعتاب أمويّ من قريش أسلم يوم الفتح .. كان معروفا بالورع حلف مرة فقال ما أصبت في الذي بعثني فيه رسول الله الأثوبين (1).
وظل النبي في الطائف يحاصر أهلها سبع عشرة ليلة ثم تركهم بعد أن دعا الله أن يأتي بهم وقد أتى الله بهم بعد ذلك فجاؤوه مستسلمين.
وأتى النبي الجعرانة (2) في منصرفه من الطائف فاعتمر ثم مضى إلى مكة فأدى نسكه فيها ثم استأنف رحلته الى المدينة بعد أن أيد امارة عتاب ابن أسيد.. وفرض له كل يوم درهما، وهو يساوي أقل من ريال واحد من نقد اليوم تقريبا، وكان عتاب لهذا أول امير ولى مكة بعد الاسلام.
أول أمير للحج:
وفي السنة التاسعة وفد إلى مكة حجاج المدينة من المهاجرين والأنصار والقبائل تحت امارة أبي بكر فكان أول أمير للحج في الإسلام وانتهى أبو بكر إلى مكة وفيها المشركون يؤدون مناسكهم على ما ورثوا من تقاليد آبائهم والمسلمون على ما أبان لهم أبو بكر وأنهم لكذلك إذ وافاهم علي بن أبي طالب مندوبا من المدينة ليعلن في الناس يوم النحر من منى (3) نزول الوحي بسورة براءة وفيما تضمنته : ألا يحج بعد عامهم هذا مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وألا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحدا كان له عند رسول الله عهد وعهده إلى مدته وأن الله أمر بجهاد الشرك ممن نقض من أهل العهد الخاص ومن كان لا عهد له فأجله أربعة أشهر يرجع فيها كل قوم إلى مأمنهم ثم لا عهد لمشرك بعدها.
وفي هذا الاعلان تضمين عام شامل لكل ما نزلت به سورة براءة وفيه تحديد لأمور شتى كانت متروكة لانتظار التحديد.
حجة الوداع:
وفي السنة العاشرة أعلن النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة عزمه على أداء الحج وشرع يتجهز له فابتدر الناس له في المدينة وأطرافها وبلغ الخبر مكة فاستعدت قريش للقائه والحفاوة بمقدمه وخرج (صلى الله عليه وآله) من المدينة في أواخر ذي القعدة بعد أن صلى الظهر بها واصطحب معه جميع زوجاته ووجهاء المهاجرين والأنصار ولحق به جمع غفير فمضى (صلى الله عليه وآله) في موكب عظيم كان يزيد احتشادا كلما مضى به الطريق الى مكة ، ولما انتهى (صلى الله عليه وآله) إلى مكة دخلها من أعلاها ثم سار في موكبه الى المسجد فابتدأ الطواف ثم خرج إلى الصفا والمروة حتى إذا انتهى من مكة رجع إلى قبته في ظاهر مكة وقد أقام فيها أربعة أيام إلى أن كان يوم التروية ثامن ذي الحجة ثم توجه ضحى بمن معه من المسلمين الى منى فصلى فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وبات ليلته ولما أشرقت شمس اليوم التاسع استأنف سيره الى عرفات وكانت قبته قد ضربت له في نمرة (4) فنزل بها ولما زالت الشمس أمر بناقته القصواء فركبها وركب المسلمون بركوبه فلما كان في بطن وادي عرنه على خطوات من قبته وقف يخطب الناس على راحلته خطبته العظيمة الشهيرة بخطبة الوداع وفي هذه الخطبة قرر قواعد الإسلام وهدم قواعد الشرك ووضع أمور الجاهلية تحت قدميه وأبطل الربا وحرم الحرمات من الدماء والأموال والأعراض وفصل كثيرا من شؤون الإسلام وأوصى أمته بالاعتصام بكتابهم فقال : وقد تركت فيكم ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ثم نادى : اللهم هل بلغت قالوا نعم. قال اللهم فاشهد ، اللهم فاشهد ، اللهم فاشهد (5).
ثم أمر بلالا فأذن ثم أقام الصلاة وصلى الظهر والعصر قصرا ثم مضى حتى أتى الموقف فوقف على بعيره متضرعا مبتهلا حتى غربت الشمس ثم أفاض عن عرفات حتى أتى المزدلفة فصلى فيها المغرب والعشاء وأمر ابن عباس فالتقط له حصى الجمار ثم عاد إلى منى ثم إلى مكة.
ومضى موكب النبي (صلى الله عليه وآله) بعد فراغه من الحج حتى أتى المحصب (6) حيث نصب قبته فبات ليلة واحدة خف في أثنائها الى طواف الوداع ثم نادى بالرحيل في صبيحتها ـ فارتحل القوم يتبعونه في الطريق إلى المدينة ومضى في ركابه أعيان قريش ووجهاء مكة محتفين بتوديعه.
ولم يمض على فراق النبي مكة شهران وبضعة أيام حتى وافاها نعيه (صلى الله عليه وآله) فكان لذلك وقعه من الأسى العميق والحزن العظيم.
ووصفته (صلى الله عليه وآله) بعض كتب السيرة فقالت (7) كان وسيما قسيما معتدل القامة بعيد الهامة اشم العرنين واضح الجبين براق الثنايا بعينيه دعج وبأسنانه فلج.
_______________
(1) الاستيعاب ٣ / ١٠٢٤
(2) تبعد الجعرانة عن مكة نحو ٢٩ كيلو مترا.
(3) تبعد منى عن مكة نحو ١٠ كيلو مترا.
(4) يقع مسجد نمرة قبيل جبل عرفات بنحو «٥» كيلومتر.
(5) ابن هشام ٢ / ٩٧٠ وما بعدها.
(6) المحصب والابطح موضعان يقعان بعيد المعابدة في ضواحي مكة في الطريق الى منى: هما الآن مغموران بالعمران، وفيهما أحياء ، المعابدة ، والروضة ، والششة.
(7) راجع كتاب فتوح مصر لابن اسحق ص ٩.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة