جرائم أبي مسلم
المؤلف:
جعفر السبحاني
المصدر:
سيرة الائمة-عليهم السلام
الجزء والصفحة:
ص342-344.
17-04-2015
3981
قتل أبو مسلم في سبيل تثبيت الحكم العباسي مالا عد ولا حصر له من الناس ويقول المؤرّخون بلغ عدد من قتلهم أبو مسلم في عهده ستمائة ألف ؛ وقد اعترف هو نفسه بهذه الجرائم عند ما شعر بالخوف من ناحية المنصور في رسالة كتبها إليه : أمّا بعد فقد كنت اتخذت أخاك السفّاح إماماً ؛ وأمرني أن آخذ بالظنة وأقتل على التهمة ولا أقبل المعذرة، فهتكت بأمره حرمات حتم اللّه صونها، وسفكت دماء فرض اللّه حقنها، وزويت الأمر عن أهله ووضعته في غير محله.
وقد اعترف المنصور بهذا الأمر أيضاً فقال عندما أراد أن يقتل أبا مسلم و لما عدّد جرائمه:
لماذا قتلت ستمائة ألف بتعذيبهم والتنكيل بهم؟
فأجاب أبو مسلم وبدون أن ينكر هذا الأمر الشنيع : كان كلّ ذلك لتوطيد سلطانكم.
وفي موضع ذكر انّ عدد ضحاياه في غير الحروب التي خاضها مائة ألف قتيل.
ولم يسلم من أبي مسلم حتى أصدقاؤه القدماء، كصديقه وزميله أبي سلمة الخلاّل الذي لقب بلقب وزير آل محمد ولعب دوراً كبيراً في نجاح الثورة العباسية وكان في الواقع الذراع المالي والاقتصادي للدعوة العباسية وعليه فليس عجيباً أن نقرأ في التاريخ : انّه حينما حج أبو مسلم كان أهل البادية يفرّون منه كلّما مر عليهم، لأنّهم سمعوا الكثير عن سفكه للدماء!
واما حول رفض الإمام الصادق (عليه السَّلام) لاقتراح قادة الثورة العباسية يتلخّص في أنّ أصحاب الاقتراح لم يكونوا متمتعين بالصلاحية والجدارة الكافية لثورة دينية وعقائدية أصيلة، ولم يكونوا من القوات والطاقات الأصيلة التي يمكن من خلالها قيادة ثورة إسلامية خالصة، ولو كانت هناك قوات وطاقات أصيلة وعقائدية بالقدر المطلوب لكان الإمام ينتخب الثورة لا محالة.
وبعبارة أُخرى: انّ الإمام الذي كان يفهم الأُمة من الناحية الفكرية والعملية، ويدرك الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بها، ويعرف محدودية قدرته وإمكاناته التي كان يمكن في ضوئها بدء نضال سياسي، لم يكن يرى القيام بالسيف والانتصار بالسلاح كافياً في إقامة حكومة إسلامية، لأنّ إعداد القوات للهجوم العسكري فقط لا يكفي لتشكيل حكم إسلامي خالص، بل كان لابدّ أن يسبق ذلك إعداد جيش عقائدي يؤمن بالإمام وعصمته ويعرفهما بشكل كامل، ويدرك أهدافه العالية، ويدافع عن مخططه لتكوين الحكومة، ويحرس الانجازات التي تحقّقها للأُمة .
الحوار الذي دار بين الإمام الصادق (عليه السَّلام) وأحد أصحابه يوضح لنا مفاد ما قلناه آنفاً; فقد روي عن سدير الصيرفي أنّه قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السَّلام) فقلت له : واللّه ما يسعك القعود؟
فقال: «ولِمَ يا سدير؟».
قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك...
فقال: «يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟».
قلت: مائة ألف .
قال: «مائة ألف؟!»
قلت: نعم ومائتي ألف .
قال: «مائتي ألف؟!» .
فقلت: نعم ونصف الدنيا.
ثمّ بعد هذا الحوار ذهب الإمام برفقة سدير إلى ينبع، فرأى هناك غلاماً يرعى جداء فقال (عليه السَّلام): واللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود .
ونستنتج من هذه الرواية انّ هذا كان رأي الإمام حقاً، وانّه لا يكفي اعتلاء سدة الحكم فقط، وطالما انّ الحكومة غير مدعومة من قبل القوات والعناصر الواعية من الأُمة، فانّ البرنامج الإسلامي للإصلاح والتغيير لن يكون داخلاً حيز التنفيذ . فالعناصر والقوات التي تعرف أهداف الحكومة وتؤمن بمبادئها تسعى لحمايتها ودعمها وتشرح مواقف الحكومة لعموم الناس وتصمد أمام الأحداث وأعاصيرها .
ونفهم من حوار الإمام الصادق أيضاً انّه لو كان يمكنه الاعتماد على أصحابه وقواته في أن يحقق أهداف الإسلام ومبادئه بعد الانتصار المسلح على العدو لكان مستعداً للقيام بالسيف دائماً، لكن الظروف وتقلّباتها لم تسمح بذلك، لأنّ ذلك لو لم يكن يمنى بالفشل والهزيمة يقيناً لكانت نتائجه غير مضمونة أيضاً وبتعبير آخر: انّ الثورة لو لم تفشل في تلك الظروف لكان نجاحها غير مؤكد أيضاً.
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة