x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

تاريخ الامريكتين

الانتقادات الموجهة لطريقة البيعة والخلافة

المؤلف:  الدكتور أحمد عز الدين

المصدر:  الامَامَة والقَيادَةُ

الجزء والصفحة:  ص142-150

6-12-2019

1579

هذا النقد ليس تجنياً

هذا النقد المختصر لمذهب من كتبوا لنا في التاريخ والسياسة منذ القدم، ونسبوا مقالاتهم للاسلام ليس تجنياً عليهم، ولا من باب تحويل الحبة الى قبة، بل هو بالفعل منهج مدون مطبق، وفي سبيل إثباته أستعرض هنا شيئاً من آراء بعضهم فيما يخص موضوع الكتاب ـ أي القيادة أو ما أطلقوا عليه اصطلاح الإمامة والخلافة ـ وهو موضوع واحد فقط من موضوعات علم السياسة.

فالقيادة عندهم (تنعقد من وجهي أحدهما باختيار أهل الحل والعقد، والثاني بعهد الإمام من قبل.

فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى.

فقالت طائفة لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد والحل من كل بلد، ليكون الرضا به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أخرى: أقل ما تنعقد به الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالاً بأمرين:

أحدهما

أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم الناس فيها وهم: عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسالم مولى أبي حذيفة.

والثاني:

أن عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة.

وقال آخرون من علماء الكوفة تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين، ليكونوا حاكماً وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين.

قالت طائفة أخرى تنعقد بواحد.(1)

وأوضح امام الحرمين عبد الملك الجويني هذه النقطة فقال (لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع بل تنعقد الإمامة وإن لم نجمع الأمة على عقدها.

والدليل عليه أن الإمامة لما عقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين، ولم يتأن لانتشار الأخبار الى من نأى من الصحابة في الأقطار، ولم ينكر عليه منكر، ولم يحمله على التريث حامل، فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة، لم يثبت عدد معدود ولا حد محدود، فالوجه الحكم بأن الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحل والعقد)(2)

وقال القرطبي في معرض تفسيره لقوله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلك ثابت... ودليلنا أن عمر عقد البيعة لأبي بكر، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك... قال الإمام أبو المعالي: من انعقدت له الإمامة بعقد واحد فقد لزمت، ولا يجوز خلعه من غير حدث وتغير أمر، قال: وهذا مجمع عليه(3) (وكرر نفس الكلام القاضي عضد الدين الايجى)(4) .

(وأما انعقاد الامامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الاجماع على جوازه، ووقع الإتفاق على صحته لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما.

أحدهما: أن أبابكر عهد بها الى عمر، فأثبت المسلمون إمامته بعهده، والثاني: أن عمر عهد بها الى أهل الشورى، فقبلت الجماعة دخولهم فيها، وهم أعيان العصر اعتقاداً بصحة العهد بها... والصحيح: أن بيعته منعقدة، وأن الرضا بها غير معتبر، لأن بيعة عمر لم تتوقف على رضا الصحابة، ولأن الإمام أحق بها)(5).

 (وان كان ولي العهد ولداً أو والداً فقد اختلف في جواز انفراده بعقد البيعة)(6) وساق الماوردي ثلاثة آراء بعضها يجيز بلا شرط، وبعضها يجيز بشرط، والحاصل: أنه يجوز عقد الإمام البيعة لولده ووالده.

(فأما عقدها لأخيه ومن قاربه من عصبته ومناسبه، فكعقدها للبعداء الأجانب في جواز تفرده بها)(7) أي لا إشكال فيه.

(ولو عهد الخليفة الى اثنين أو أكثر، ورتب الخلافة فيهم فقال: الخليفة بعدي فلان، فإن مات فالخليفة بعد موته فلان فالخليفة بعده فلان، جاز، وكانت الخلافة منتقلة الى الثلاثة على ما رتبها... فقد عمل بذلك في الدولتين (يقصد بني أمية وبني العباس) من لم ينكر عليه أحد من علماء العصر، هذا سليمان بن عبدالملك عهد الى عمر بن عبدالعزيز، ثم من بعده الى يزيد بن عبد الملك... وقد رتبها الرشيد (كذا) في ثلاثة من بنيه في الأمين ثم المأمون ثم المؤتمن)(8) وزاد أبو يعلى على هاتين الطريقتين في تعيين القيادة ـ أقصد العهد أو البيعة ولو من واحد ـ طريقة ثالثة إذ نقل عن أحمد بن حنبل قوله (ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ولا يراه إماماً عليه، براً كان أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين) وقال أيضاً في رواية المروزي: فان كان أميراً يعرف بشرب المسكر والغلول، يغزو معه، إنما ذلك له في نفسه)( 9)

واذا ارتاح بعضنا لفكرة أهل الحل والعقد، وتخويلهم سلطة اختيار القيادة، فمن الذي يختار أهل الحل والعقد هؤلاء ؟ فهل يجوز للخليفة ذلك ؟ (يجوز لأنها من حقوق خلافته)(10) (ولا يجب على كافة الناس معرفة الإمام بعينه واسمه إلا من هو من أهل الاختيار)(11)

والاسترسال في سرد آراء علماءنا ومشايخنا في هذا الموضوع، وإن كان نوعاً من الفكاهة، وضرباً من التسلية، إلا أنه بلا ريب مضيعة للوقت، ولذلك أكتفي بهذا القدر.

هذه هي بضاعتنا التي ننسبها الى الاسلام وليست منه في شيء، إذ لم يؤت عليها بدليل من كتاب أو سنة، بل هي من نحت من كتبوها بعد أن نظروا في ظاهر الأحداث والتغييرات التي طرأت على الدولة الاسلامية في عصورها الأولى، فبرروها وألبسوها ثياباً شفافة، لم تستر ما بها من عورات عن عيون المبصرين.

فهذه الآراء السياسية التي عرضنا بعضها آنفاً تعني في بساطة أن أية مجموعة من المسلمين من خمسة أو ثلاثة بل واحد أيضاً يجوز له أن يحدد قيادة الأمة بمبايعته لهذا أو ذاك، وتصير بيعته هذه ملزمة لا يمكن نقضها، فمستقبل الأمة يجدده شخص واحد أو بضعة أشخاص.

وتجوز البيعة أيضاً بالعهد تبريراً لحكم بني أمية وبني العباس، لأنها إن كانت لا تجوز بهذا الطريق كانت نظم هذه الدول باطلة، والقاعدة تنسحب أيضاً على النظم المشابهة في الوقت الراهن من مشيخات ومملكات.

ويجوز لواحد أن يحدد مستقبل الأمة كلها لقرون طويلة اذا ولى من بعده بالعهد أكثر من واحد على التوالي، ولا حد ولا عد، لأن بني أمية وبني العباس فعلوا ذلك ولم يعترض عليهم أحد.

ولا يهم رضا الناس ولا عقل الأمة ووجدانها وإرادتها، لأن ذلك لم يلزم لإمضاء بيعة أبي بكر وعمر .

ويجوز التأمير بالسيف ـ أو بالدبابة والصاروخ والعسكر بعد تقدم التكنولوجيا الحربية ـ ومن ثم فالانقلابات العسكرية من صميم الإسلام أسوة بما فعل معاوية.

وطوبى للمسلمين لأن إسلام المشايخ يأمرهم بالسمع والطاعة للفاجر وشارب الخمر والفاسق والسارق والزاني، إذا تأمر عليهم بأي طريق فهو أمير المؤمنين، فمن إذن أمير الفاسقين والمجرمين ؟

أما الشعب والأمة والجمهور فلا دخل له في هذه الأمور، وحرام عليه أن يتكلم في السياسة، إذ لا يلزمه على شريعة مشايخنا أن يعرف قيادته ولا إمامه بعينه وشخصه واسمه، لأن هذا حق أهل الإختيار، أو الحل والعقد، وهو اصطلاح لم يؤت به من كتاب أو سنة، واختلفوا هم أنفسهم في تحديده حتىجعل ابن خلدون بني أمية أهل الحل والعقد.(12)

وأهل الحل والعقد يختارهم وينتقيهم الخليفة على عينه، ثم هم بدورهم يختارونه، لأن الخلافة أصلاً شيء غير مهم، وهي من المصالح العامة المفوضة الى نظر الخلق، ولم تكن مهمة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.(13)

ولست أدري لماذا لم يؤسس مشايخنا نظرية الاسلام السياسية على أساس يتفق وعقل الإنسان، وفي ضوء الأدلة والنصوص المتوفرة، وهي كثيرة، إن كنا نعتقد بأن نظرية الإسلام السياسية ـ والقيادة من موضوعاتها ـ مسألة اجتهادية متروكة لنظر الخلق ؟

خذ لذلك مثلا لعن الله ورسوله لمن قام بانقلاب عسكري وبالتالي تحريم هذا الأسلوب في تحديد قيادة الأمة، ما رواه العالم السني الجليل السيد محمدبن عقيل العلوي إذقال (جاء في الصحيح عن رسول الله أنه قال: ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت فيعزمن أذل الله ويذل من أعز الله، والمستحل لحرمة الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي.

أخرجه الترمذي عن عائشة وابن عساكر عن ابن عمر)(14)

ولماذا نستسيغ الكم الهائل من الأحاديث التي روتها الكتب الستة وغير الستة في تحريم الثورة على الحاكم وإن كان فاسقاً فاجراً، وتلقين الناس السمع والطاعة للنظم والحكومات وإن لم يستنوا بسنة الرسول ويلتزموا بأحكام الشرع، ونحض المسلم على أن لا يخوض في الفتن ـ أي الخلافات السياسية ـ ولو بأن يلجأ الى رؤوس الجبال أو يعض على جذع شجرة، وعليه الصبر كي لا يموت ميتة الجاهلية، الى غير ذلك مما هو مروي في أبواب الفتن، والإمارة، والأمر بلزوم الجماعة، وغيرها من الأبواب، في الصحاح والمسانيد... وهو ما جعل المسلمين أرانب مستأنسة.

لا والذي نفسي بيده أنا لا أنكر الحديث فهو الأساس الثاني للتشريع بعد كتاب الله، لكني أفرق بين حديث رسول الله وبين كتب ومجموعات الحديث، لأن هذه المجموعات لم تصنف وترتب إلا في أواخر القرن الثاني وأوائل الثالث الهجري بعد انقلاب الخلافة، وسيطرة من لم يكن له حق في السيطرة، وبعد تغير الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية.

ولا أرى ضرورة لتقديس الأشخاص، لأن التاريخ عندنا قد امتزج بالحديث، وكتَّاب التاريخ في أغلبهم محدثون، وهم ـ أي علماء الحديث ـ حين وضعوا كتبهم إنما وضعوها كل وفق رأيه الشخصي، ومعتقداته الذاتية التي لا يلزم المؤمن اتباعها.

فهم كأهل التاريخ لم يسمحوا لنا بقراءة ما خالف رأيهم.

ومن أجل معرفة رأيهم لا ينبغي إغفال العناصر المؤثرة في تشكيل المناخ الثقافي لكل عالم منهم على حدة، في ضوء دراسة طبيعة النظم التي عاشوا تحتها، وعلاقتهم بحكومات عصرهم، ووضعهم الإجتماعي والإقتصادي، وموقف الأنظمة التي عاشوا في ظلها من أهل الحق من المعارضين، ومن العلماء الصادقين... الى آخر ذلك من العوامل التي لا بد من أخذها في الإعتبار عند تقييم العمل العلمي والعلماء، لأن من حقنا أن نتساءل لماذا لم يرو هذا المؤلف أو ذاك شيئاً ضد الحكومة التي كانت عليه ؟ ولماذا روى من الأحاديث ما يدعم سلطانها، ويثبط الناس عن الثورة على مفاسدها ؟

إن الله عزوجل أنزل هذا الدين ليظهره على الدين كله كما هو منصوص في الكتاب، ولئن كان الجانب العقائدي والأخلاقي محفوظاً مؤهلاً لأن يظهر على كل الأديان إن شاء الله، إلا أن الجانب السياسي بالطريقة المدونة عندنا والتي رأينا بعضها ـ لا يبشر بظهور هذا الدين ولو حتى على أديان حي من أحياء مدينة من مدن المسلمين، وعلينا أن نعيد النظر في تراثنا السياسي ونزيح الغبار عن نظرية الإسلام السياسية الحقيقية، ونتخذ موقفاً محدداً من قضايا علم السياسة، ونقدمه للناس بطريقة مقنعة، تجعل هذا الجانب من ديننا غالباً ظاهراً كالشمس.

إن العالم لن يقبل حقيقة ديننا بمجرد قولنا أنه حق، بل سينظر ويعقل ـ وهو في القرن العشرين ـ ويقارن ثم يتخذ موقفاً ويصدر قراراً.

والذين كتبوا في موضوعنا من المحدثين غالباً ما اعتبروا الشورى قاعدة انطلقوا منها في تصوير نظام الحكم في الاسلام، لكنهم تغافلوا عن شكل الشورى كما طبقة الأوائل ومالوا الى الشكل الغربي الحديث المسمى بالديمقراطية، مع أن الشورى كما مارسها الأوائل ما كانت غير استشارة نخبة النخبة لا كل النخبة والصفوة، ولا كل المسلمين(15) .

وإن كان من فصلوا الدين عن السياسة أو جعلوا نظام الحكم في الاسلام مسألة اجتهادية متروكة لاستصواب الناس على اختلاف أمزجتهم وطبائعهم، مثل الأستاذ مصطفى عبدالرزاق في كتابه الاسلام وأصول الحكم، قد انتهوا الى تفضيل النظام الديمقراطي على اختلاف في الدرجات، فان الذين دافعوا عن أما النخبة والصفوة بمفهوم الإسلام فلها معني آخر (الناشر).

النظرية الإسلامية ولم يفرقوا بين الدين والسياسة، انتهوا أيضاً الى نفس النتيجة على اختلاف في الألوان.

والسبب في وحدة النتائج رغم اختلاف المشارب ـ كما يتهيأ لي ـ يرجع الى طبيعة المذهب نفسه، إذ يخلو كما ذكرت من شيء محدد نمسكه في يدنا.

يقول أحد أعضاء الفريق الثاني:

(فالحكومات التي تجمع في حصيلتها من دلائل الرضا أكثر من إمارات السخط، هي خير الحكومات وأرشدها وأصلحها)(16) (إن الحاكم أياً كان من العدل والإستقامة وسلامة القصد، لن يبلغ من المحكومين في ميزان حكمه، وأحسن من هذا أن ترجح كفة الرضا على كفة السخط، أما أن يحوز رضا الناس كلهم، فذلك ما لا ينال أبداً)(17) ولأن المسائل السياسية عندنا مبهمة غير واضحة تقوَّل الأقدمون فيها برأيهم، كما تقوَّل المحدثون.

ومن هذا نفهم أن المسلمين في حاجة الى إعادة صياغة فكرهم السياسي أو على الأقل تحديد الأمور الأساسية في.

يقول الدكتور طه حسين وهو يناقش الأزمة الدستورية التي واجهتها الدولة الاسلامية الوليدة فسبب لها ما وقع من انقلاب:

(كان المسلمون في حاجة الى أن ينشئوا لأنفسهم في حدود القرآن والسنة دستوراً مكتوباً يبين الحدود والإعلام، يعصمهم من الفرقة والإختلاف... فلم يتح للشيخين وأصحابهما من الوقت ولامن الفراغ والدعة ولا من التطور والإتصال بأسباب الحضارة ما كان من شأنه أن يمكنهم من وضع هذا النظام، إنما السبيل على الذين جاؤوا بعدهم فأتيحت لهم السعة والدعة والفراغ، ولم يفكروا مع ذلك في أن يضعوا نظاماً لتداول الحكم ولا في أن يضعوا نظاماً يكفل رعاية العدل السياسي والإجتماعي، وإنما أهملوا ذلك إهمالاً وآثروا أنفسهم بالحكم والغلب والاستعلاء)(18).

لكن أجيالنا تنكرت لهذه النداءات التي أطلقها كثير من الباحثين، وبدلاً من أن نعكف على دراسة ما نحن به حقاً، وما تحتاجه مجتمعاتنا، فإذا بنا نضع أصابعنا في آذاننا، ونستغشي أثوابنا، ونسير في الاتجاه المعاكس، تماماً لنقدس أوثاناً وأصناماً نحتها لنا قدماء المشايخ على هيئة اصطلاحات ألزموا أعناقنا بالخضوع لها، فصرنا نسجد لها ونطالب المسلمين غيرنا بالسجود لها، وإلا فهم رَفَضة مارقون عن الدين.

ومن الأصنام في عصرنا ما نحت بتوجيه أجنبي خفي أو جلي في شكل كتب أو أشخاص أضفينا عليهم القداسة واعتبرنا ما يقولونه وحياً منزلاً.

ولا أرى ـ إن كان لي حق في الرؤية ـ علاجاً لما نحن فيه إلا إتاحة جو عام من التفكير بحرية، والنقاش العلمي بحرية، وطرح المعطيات والمقدمات باستقلالية، ثم بعد ذلك استخلاص النتائج دون قيود، معنا كانت هذه النتائج أم علينا.

نحن في حاجة إذن الى ثورة في أسلوب التفكير قبل ثورة الفكر وثورة التنفيذ، لأننا لا نعرف حتى الآن كيف نتعامل مع الفكر وكيف نفكر، وما ينبغي أن نكون عليه من فكر، وفي غياب كل هذا نريد أن نتصرف فإذا بنا نتصرف كرهبان الكنيسة في عصورها الوسطى، ولنا ألف جاليليو، ونتغطرس كقابيل ونقتل كل يوم ألف هابيل، فيلصق الجهلاء والبسطاء أفعالنا بالاسلام نفسه، ونشاركهم في تشويه هذا الدين الأبيض الجميل.

إن الإنقسام الذي نراه بيننا، والإنفصام الذي نعايشه بين السلطة والشعب وبين القيادة والقاعدة، وإن كان واقعنا الناطق وحاضرنا التعيس، إلا أنه عتيق له جذور تصل الى ذلك العهد البعيد قبل أربعة عشر قرناً، حين اختلف سلفنا الصالح واقتتلوا على القيادة، فنخر السوس في الجذور، وتركناه ينخر، وقتلنا الأطباء، وقاطعنا كل دواء !

____________

(1) الأحكام السلطانية للماوردي: ص504.

(2) الإرشاد للجويني: ص424، مصر 1369هـ.

(3) تفسير القرطبي: 1/ 268 ـ 272، مصر 1387هـ.

(4) المواقف: 8/351 ـ 353، مصر 1325.

(5) الماوردي: ص8.

(6) نفس المصدر، نفس الصفحة.

(7) نفس المصدر، ص9.

(8) الماوردي: ص11.

(9) ابو يعلى: ص4.

(10) نفس المصدر ص10.

(11) الماوردي: ص13، أبو يعلى: ص11.

(12) المقدمة: ص206.

(13) نفس المصدر: ص212 ـ 213.

(14) النصائح الكافية، ص29 الطبعة الرابعة، 1966 بدون مكان.

(15) لابد أن يكون المقصود بالنخبة والصفوة عند المؤلف مجموعة الذين أجادوا التخطيط واستغلال ظرف وفاة النبي صلى الله عليه وآله.

(16) الامامة والسياسة، عبد الكريم الخطيب، ص194، الطبعة الثانية، لبنان 1975 وانظر الخلافة والملك للمودودي.

(17) نفس المصدر: ص197.

(18) الفتنة الكبرى: ص41 ـ 42