1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الحديث :

بعد الثورة العرابية

المؤلف:  عمر الدسوقي

المصدر:  في الأدب الحديث

الجزء والصفحة:  ص :293ج1

1-10-2019

1276


وفي بيروت التف العلماء والأدباء حول الشيخ محمد عبده , ودرَّسَ بالمدرسة السلطانية, وكانت أشبه بمدرسة أولية، فارتفع بها حتى صارت مدرسة عالية, ولكن مقامه بها لم يطل؛ إذ طلب إليه أستاذه جمال الدين أن يلحق به في باريس فلبى دعوته(1) وأصدرا معًا مجلة "العروة الوثقى" وقد مر بك شيء كثير عنها ونبذ من مقالاته بها. وهنا تعجب كيف تغيرت لهجة الشيخ محمد عبده في "العروة الوثقى" ولم يعد ذلك المصلح المتأني الذي يأخذ الأمور بالرفق، ويسعى للإصلاح في هوادةٍ, بل نراه ثورة متأججة وذا قلم عنيف، كما اتسع غرضه، ولم ينظر لمصر وحدها, بل شمل العالم الإسلامي كله، والحق أن الشيخ محمد عبده في "العروة والوثقى" لم يستطع أن يقاوم تأثير جمال الدين عليه، وناهيك بجمال الدين قوةً وحماسةً ونارًا مشبوبة.
وعُطِّلَت "العروة الوثقى" بعد ثمانية عشر عددًا، وسافر جمال الدين إلى إيران.. وعاد الشيخ محمد عبده إلى بيروت، وقد أخفق مرتين: أخفق في الثورة العرابية، وأخفق في استمرار العروة الوثقى, فالتف حوله مريدوه، وشرح لهم نهج البلاغة، ومقامات بديع الزمان، وأخذ يفسر لهم القرآن الكريم على النحو الذي اتبعه بمصر, من غير أن يتقيد بكتاب أو تفسير خاص، بل اتخذ آيات القرآن مجالًا لوصف أدواء المسلمين وعلاجها، ودرس الفقه على المذهب الحنفي بالمدرسة السلطانية، وهناك ألَّف رسالة التوحيد، وصار يكتب بعض المقالات في جريدة "ثمرة الفنون" مشابهةً لمقالاته في "الوقائع المصرية"(2).

 

(1/293)

كان محكومًا عليه بالنفي ثلاث سنوات، ولكنه مكث ببيروت ست سنوات, وذلك لأن توفيقًا كان غاضبًا عليه(3)، وكان يجهر بخطيئة توفيق في حق الوطن ويقول(4): "إن توفيق أساء إلينا أكبر إساءة، لأنه مهَّدَ لدخولكم -أي: الإنجليز- بلادنا، ورجل مثله انضم إلى أعدائنا أيام الحرب لا يمكن أن نشعر نحوه بأدنى احترام، ومع هذا, إذا ندم على ما فرط منه, وعمل على الخلاص منكم, ربما غفرنا له ذنبه, إننا لا نريد خونة وجوههم مصرية وقلوبهم إنجليزية".
فكان من العسير أن يعود في عهد توفيق، بيد أن رياض باشا عاد إلى الوزارة، وكان من الذين يجلون الأستاذ الإمام, ويتعقدون فيه النفع والخير لمصر، فما لبث أن سعى لدى توفيق هو وبعض ذوي النفوذ(5) حتى عفا عنه، وكان عفوًا قريبًا من الاعتذار.

 

__________
)
1) لم يتجاوز سنه حينذاك أربعة وثلاثين سنة، المنار جـ8 ص455.
(2) ووضع في هذه الأثناء لائحتين: واحدة في إصلاح التعليم الديني بمدراس المملكة العثمانية, ورفعها إلى شيح الإسلام بتركيا، وفيها يقر أن ضعف المسلمين سببه سوء العقيدة والجهل بأصل الدين, وأن ذلك أضاع أخلاقهم وأفسدها، ووضع لائحةً أخرى رفعها إلى والي بيروت, تتضمن إصلاح سوريا, ووصف سوء حالها بانتشار المدارس الأجنبية بها، واقترح تعميم المدارس الوطنية وإصلاح التعليم الديني والعناية به، وهكذا برهن على أنه مصلح في كل مكان يحل به "تاريخ الإمام ج3 ص339 وما بعدها".

(3) لأن محمد عبده جاهر بخلع توفيق أثناء الثورة "مشاهير الشرق ج2 ص282".
(4) من حديث له مع مكاتب "البول ميل جازيت" وهو بإنجلترا.
(5) المعروف أن من الذين توسطوا في طلب العفو عنه الأميرة نازلي, وكانت ذات مكانة، والغازي مختار باشا، ثم اللورد كورمر, وقد كان له الفضل الأكبر في عودته والعفو عنه، وفي الواقع لم يعف عنه توفيق إلّا بضغط الإنجليز, فأي صلة كانت بين محمد عبده تلميذ جمال الدين والإنجليز؟ - يظهر أن أصحاب محمد عبده حين طلبوا عودته إلى مصر تعهدوا بألّا يشتغل بالسياسية، ثم إن كورمر وهو الداهية السياسيّ رأى أن يجذب نحوه هذا العالم الجليل ويأمن شره ما دام لن يشتغل بالسياسة، وهذا ما جعل جمال الدين يحنق عليه ويلومه أشد اللوم، حتى قطعت العلاقة بين الأستاذ وتلميذه؛ لأنهما اختلفا في الوسيلة "راجع المنار ج8 ص467".

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي