عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ

جاءَ في كتابِ (عقائدِ الإماميةِ) للعلامّةِ الشيخ مُحمّد رضا المُظفَّر

المَعَادُ الجِسمانيُّ بالخُصوصِ ضرورَةٌ مِن ضروريّاتِ الدينِ الإسلاميِّ، دَلَّ صريحُ القُرآنِ الكريمِ عَليها: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ}، {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، {أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}.

وما المَعادُ الجِسمانيُّ على إجمالِهِ إلّا إعادةُ الإنسانِ في يومِ البَعثِ والنُّشورِ ببدنِهِ بعدَ الخَرابِ، وإرجاعِهِ إلى هَيأتهِ الأولى بعدَ أنْ يُصبِحَ رَميماً. ولا يجِبُ الاعتقادُ في تفصيلاتِ المَعادِ الجِسمانيِّ أكثرُ مِن هذهِ العَقيدةِ على بَساطَتِها التي نادى بِها القُرآنُ، وأكثَرُ مما يتبَعُها مِنَ الحِسابِ والصِّراطِ والميزانِ والجَنّةِ والنّارِ والثَّوابِ والعِقابِ بمقدارِ ما جاءَتْ بهِ التفصيلاتُ القُرآنيّةُ.

«ولا تجِبُ المعرِفَةُ على التحقيقِ التي لا يَصِلُها إلّا صاحِبُ النَّظَرِ الدقيقِ، كالعِلمِ بأنَّ الأبدانَ هَل تعودُ بذواتِها أو إنَّما يعودُ ما يُماثِلُها بهيئاتِها؟، وأنَّ الأرواحَ هَل تُعدَمُ كالأجسادِ أو تبقى مُستَمِرَّةً حتّى تتَّصِلَ بالأبدانِ عندَ المَعادِ؟، وأنَّ المَعادَ هَل يختَصُّ بالإنسانِ أو يجري على كافَّةِ ضُروبِ الحَيوانِ؟، وأنَّ عَودَها بِحُكمِ اللهِ دَفعيٌّ أو تدريجيٌّ؟، وإذا لَزِمَ الاعتقادُ بالجَنَّةِ والنّارِ لا تَلزِمُ معرِفَةُ وجودِهِما الآنَ ، ولا العِلمُ بأنَّهُما في السّماءِ أوِ الأرضِ أو يختلِفانِ، وكذا إذا وَجَبتْ معرِفَةُ الميزانِ لا تَجِبُ معرِفَةُ أنَّها ميزانٌ معنَويّةٌ ، أو لَها كَفَّتانِ ، ولا تَلزِمُ معرِفَةُ أنَّ الصِّراطَ جِسمٌ دقيقٌ أو هُوَ الاستقامَةُ المَعنويَّةُ ، والغَرَضُ أنَّهُ لا يُشتَرَطُ في تَحَقُّقِ الإسلامِ معرفةُ أنَّها مِنَ الأجسامِ ...».

نَعَمْ، إنَّ تلكَ العقيدةَ في البَعثِ والمَعادِ على بَساطَتِها هيَ التي جاءَ بِها الدينُ الإسلاميُّ، فإذا أرادَ الإنسانُ أنْ يتجاوَزَها إلى تفصيلِها بأكثرِ مِمّا جاءَ في القُرآنِ ليُقنِعَ نفسَهُ دفعاً للشُّبَهِ التي يُثيرُها الباحِثونَ والمُشكِّكونَ بالتِماسِ البُرهانِ العَقليِّ، أوِ التَّجرُبَةِ الحِسِّيّةِ، فإنَّهُ إنَّما يَجني على نفسِهِ، ويقطَعُ في مُشكِلاتٍ ومُنازَعاتٍ، لا نِهايَةَ لَها. وليسَ في الدّينِ ما يَدعو إلى مِثلِ هذهِ التفصيلاتِ التي حُشِدَتْ بِها كُتُبُ المُتكلمينَ والمُتفَلسِفينَ، ولا ضَرورةً دينيّةً ولا اجتماعيةً ولا سياسيّةً تدعو إلى أَمثالِ هذهِ المُشاحناتِ والمقالاتِ المشحونَةِ بِها الكُتبُ عبثاً والتي استنفَدتْ كثيراً مِن جهودِ المُجادِلينَ وأوقاتِهِم وتفكيرِهِم بلا فائدةَ.

والشُّبَهُ والشُّكُوكُ التي تُثارُ حولَ التفصيلاتِ يكفي في رَدِّها قناعَتُنا بقُصورِ الإنسانِ عَن إدراكِ هذهِ الأمورِ الغائبَةِ عَنّا، والخارِجَةِ عَن أُفقِنا، ومُحيطِ وجودِنا، والمُرتَفِعَةِ فوقَ مُستوانا الأرضيِّ، مَع عِلمِنا بأنَّ اللهَ تعالى العالِمُ القادِرُ أخبرَنا عَن تحقيقِ المَعادِ ووقوعِ البَعثِ. وعُلومِ الإنسانِ وتجريباتِهِ وأبحاثِهِ يستحيلُ أنْ تتناوَلَ شيئاً لا يَعرِفُهُ ولا يَقَعُ تحتَ تجربتِهِ واختبارِهِ إلّا بعدَ موتِهِ وانتقالِهِ مِن هذا العالَم ـ عالَمُ الحِسِّ والتَّجرُبَةِ والبَحثِ ـ فكيفَ يُنتَظَرُ منهُ أن يحكُمَ باستقلالِ تفكيرِهِ وتجربَتِهِ بنفيِّ هذا الشيءِ أو إثباتِهِ، فضلًا عَن أنَّ يتناوَلَ تفاصيلَهُ وخُصوصيّاتِهِ إلّا إذا اعتمدَ على التّكَهُّنِ والتخمينِ أو على الاستبعادِ والاستغرابِ ، كما هُوَ مِن طبيعَةِ خيالِ الإنسانِ أنْ يستغرِبَ كُلَّ ما لَم يألفْهُ ولَم يتناوَلْهُ عِلمُهُ وحِسُّهُ كالقائلِ المُندَفِعِ بجهلِهِ لاستغرابِ البَعثِ والمَعادِ (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ). ولا سنَدَ لهذا الاستغرابِ إلّا أنّهُ لَمْ يَرَ مَيِّتاً رَميمًا قد أُعيدَتْ لَهُ الحياةُ مِن جَديدٍ، ولكِنَّ هذا المُستغرِبَ ينسى كيفَ خُلِقَتْ ذاتُهُ لأوَّلِ مَرَّةٍ، ولَقد كانَ عَدَماً، وأجزاءُ بدَنِهِ رَميماً تألَّفَتْ مِنَ الأرضِ وما حمَلَتْ ومِنَ الفَضاءِ وما حَوى مِن هُنا وهُنا حتّى صارَ بَشراً سَوِيّاً ذا عقلٍ وبَيانٍ {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ}.

يُقالُ لمثلِ هذا القائلِ الذي نَسِيَ خَلقَهُ، {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} يُقالُ لَهُ: إنَّكَ بعدَ أنْ تعتَرِفَ بخالقِ الكائناتِ وقُدرَتِهِ، وتعتَرِفَ بالرَّسولِ وما أخبرَ بهِ، معَ قُصورِ عِلمِكَ حتّى عن إدراكِ سِرِّ خلقِ ذاتِكَ وسِرِّ تكوينِكَ، وكيفَ كانَ نُموُّكَ وانتقالُكَ مِن نُطفَةٍ لا شعورَ لها ولا إرادةَ ولا عقلَ إلى مراحلَ مُتصاعِدَةٍ مؤتَلِفاً مِن ذرّاتٍ مُتباعِدَةٍ، لتبلُغَ بشراً سَويًّا عاقِلاً مُدَبّراً ذا شعورٍ وإحساسٍ. يُقالُ لَهُ: بعدَ هذا كيفَ تستغرِبُ أنْ تعودَ لكَ الحياةُ مِن جديدٍ بعدَ أنْ تُصبِحَ رَميماً ، وأنتَ بذلكَ تحاوِلُ أنْ تتطاوَلَ إلى معرِفَةِ ما لا قِبَلَ لتجاربِكَ وعُلومِكَ بكشفِهِ؟ يُقالُ لَهُ: لا سبيلَ حينئذٍ إلّا أنْ تُذعِنَ صاغراً للاعترافِ بهذهِ الحقيقةِ التي أخبرَ عَنها مُدَبِّرُ الكائناتِ العالِمُ القديرُ، وخالِقُكَ مِنَ العَدَمِ والرَّمِيمِ. وكُلُّ مُحاوَلَةٍ لكشفِ ما لا يُمكِنُ كشفُهُ ، ولا يتناوَلُهُ عِلمُكَ ، فهيَ مُحاوَلَةٌ باطِلَةٌ ، وضَربٌ في التِّيهِ ، وفتحٌ للعُيونِ في الظَّلامِ الحالِكِ. إنَّ الإنسانَ معَ ما بَلَغَ مِن مَعرِفَةٍ في هذهِ السنينَ الأخيرَةِ، فاكتشفَ الكهرباءَ والرادارَ واستخدمَ الذرَّةَ ، إلى أمثالِ هذهِ الاكتشافاتِ التي لو حُدِّثَ عَنها في السنينَ الخَوالي ، لعَدَّها مِن أوَّلِ المُستحيلاتِ ومِن مواضِعِ التندُّرِ والسُّخريّةِ ، إنَّهُ معَ كُلِّ ذلكَ لَم يستطِعْ كشفَ حقيقةِ الكهرباءِ ولا سِرِّ الذَّرَّةِ ، بَل حتّى حقيقةِ إحدى خَواصِّها وأحَدِ أوصافِها ، فكيفَ يطمَعُ أنْ يَعرِفَ سِرَّ الخِلقَةِ والتَّكوينِ ، ثُمَّ يترقَّى فيُريدُ أنْ يعرِفَ سِرَّ المَعادِ والبَعثِ.

نَعم ينبغي للإنسانِ بعدَ الإيمانِ بالإسلامِ أنْ يجتَنِبَ عَن مُتابَعَةِ الهَوى، وأنْ يُشغَلَ فيما يُصلِحُ أمرَ آخرتِهِ ودُنياهُ وفيما يرفَعُ قدرَهُ عندَ اللهِ وأنْ يتَفَكَّرَ فيما يستعينُ بهِ على نفسِهِ، وفِيما يستَقبِلُهُ بعدَ الموتِ مِن شدائدِ القَبرِ والحِسابِ بعدَ الحضورِ بينَ يَدي المَلِكِ العَلّامِ، وأنْ يَتَّقي {يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ).

لا تَصحَبِ المائقَ فإنّهُ يُزيِّنُ . .
أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله أَلاَّ . .
القديس أنسلم (1033م ـ 1109م) ..قراء . .
عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ . .
أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّه . .
مظاهر التطرف الاجتماعي . .
جدلية تأثُرْ النحو العربي بالمنطق و . .
لا تَجعَلُوا عِلمَكُم جهلاً، ويَقين . .
صندوق المستقبل . .
عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ . .
عقيدَتُنا في حَقِّ المُسلِمِ على ال . .
عقيدَتُنا في البَعثِ والمَعاد . .
كَمْ مِن مُستدرَجٍ بالإحسانِ إليهِ، . .
عقيدَتُنا في الدَّعوةِ إلى الوَحدَة . .
الْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَ . .
المَبعَثُ النّبويُّ الشّريفُ . .
المزيد

ENGLISH

بحث في العناوين     بحث في المحتوى     بحث في اسماء الكتب     بحث في اسماء المؤلفين

القرأن الكريم وعلومه
العقائد الأسلامية
الفقه الأسلامي
علم الرجال
السيرة النبوية
الاخلاق والادعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الأدارة والاقتصاد
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الزراعة
الجغرافية
القانون
الإعلام