جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
(كُنْ سَمْحًا ولا تَكُنْ مُبَذِّرًا، وكُنْ مُقدِّرًا ولا تَكُنْ مُقَتِّرًا)
الدّعوةُ إلى إعتمادِ موازنةٍ مُتعادلةِ الطّرَفينِ بالشَّكلِ الذي يضمنُ الإنسيابيةَ والاستقرارَ الإقتصاديَّ، ولا يضرُّ بالمُستوى المَعيشيّ بما يُهدِّدُ الوضعَ الاجتماعيَّ مِن جهاتٍ كثيرةٍ.
وذلكَ يعني أنْ يتعوّدَ الإنسانُ على الإنفاقِ في ضرورياتِهِ وما يحتاجُهُ ولو كانَ مِنَ الكمالياتِ الثّانويةِ، ولكنْ لا بِتعدِّي الحدودِ المعقولةِ لذلكَ، ولا بتجاوزٍ ولا بإفراطٍ بما يُشكِّلُ علامةً سَلبيّةً ضِدَّهُ فيُوصَفُ بعدمِ التّوازُنِ او السَّفَهِ او قلّةِ التّدبيرِ او سوءُ التّوزيعِ او عدمُ القُدرةِ على الانضباطِ وكُلُّ ذلكَ بَلْ بعضُ ذلكَ كفيلٌ بتقليلِ فُرَصِ الاعتمادِ عليهِ اجتماعياً او مهنياً.
لأنَّ النّاسَ اتَّفقوا بحسبِ الحالةِ الطّبيعيةِ المُودَعةِ لَدَيهِم على جَلبِ المصلحةِ ودفعِ المَفسدةِ بمختلفِ الصُّورِ والمظاهِرِ، ومِنَ الواضحِ أنَّ صرفَ المالِ مِن دونِ توازنٍ، وصرفَ ما يَفي باللّازمِ وإبقاءَ غيرِهِ يُعَدُّ مِنَ المصلحةِ، ومَنْ لمْ يوافِقْهُم على ذلكَ – ولوْ لحالةٍ طارئةٍ عليهِ – فلا يُعاملونَهُ ولا يستأمِنونَهُ، وفي ذلكَ مِنَ الضّررِ بشخصيّةِ الفردِ ما هُوَ أوضحُ مِن أنْ يَخفى على أحدٍ.
فلابُدَّ مِن أنْ نتصوّرَ فارقاً بينَ أنْ ينفقَ الإنسانُ على ما يريدُ ولكنَّهُ لا يُسرفُ بمعنى أنَّهُ لا يتجاوزُ الحدَّ المعقولَ، وبينَ أنْ ينفُقَ بالشكلِ الذي يَتعدّى معَهُ الحدَّ المعقولَ فيصبحُ مُبذّراً مُفرقاً للمالِ مِن دونِ ما حِكمةٍ ومنفعةٍ وعائدةٍ.
فمِنَ الواضحِ أنَّ البذلَ معَ التقديرِ والحسابِ ومراجعةِ الميزانيةِ لا يَتنافى معَ قواعدِ الجودِ والكرمِ او البذلِ الوجاهي بلْ أنَّ ذلكَ يعني الإنضباطَ والنّظامَ اللذينِ يُعززانِ الثّقةِ بالفردِ وقدرتِهِ على التّقديرِ مِن دونِ ما تقتيرٍ وتضييقٍ في النّفقةِ.
فالالتزامُ بهذهِ الموازنةِ يضمنُ عيشاً مستقراً، مناسباً، مسايراً للوضعِ الخاصِّ بكلِّ فردٍ او مجتمعٍ لأنَّ النّسبةَ يتحكّمُ بها نفسُ الشّخصِ بقيمومةِ العقلِ ورعايةِ الضّميرِ. فهو يتماشى معَ وضعِهِ الاقتصاديِّ بالشّكلِ الذي لا يُرهقُهُ مِن أمرِهِ عُسراً كي لا يحتاجُ إلى اقتراضٍ او استيهابٍ أو تحايُلٍ ونحوِ ذلكَ مِن وجوهِ تحصيلِ المالِ المُحلّلةِ او المُحرّمةِ، فإنّ الإنسانَ إنْ سيطرَ على رغباتِهِ ووازنَ بينَ واردِهِ وصادرِهِ تمكّنَ جيداً مِنَ الإنفاقِ مِن دونِ ما اجحافٍ ولا تقصيرٍ.