Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
صورة زينب بين شاعرين: قراءة مقارنة

منذ سنتين
في 2024/01/19م
عدد المشاهدات :3300
صورة زينب بين شاعرين: سعد البهادلي ورضا العكراوي-
قراءة مقارنة
أ.د. صادق المخزومي
تعنى الانثروبولوجيا بمنظومة الثقافة (أشكال الحياة الثقافية) المتشكلة من: المعرفة، والمعتقدات، والفن، واللغة، والعادات، والتقاليد، التي يكتسبها الانسان بإزاء وصفه عضوا في مجتمع. والأدب بفنونه، والشعر بأنواعه أسهم في تجليات النشاط الإنساني بسياقات إبداعية، ويكان الشعر الشعبي الذي ملاكه المفردة التي استنطقها مجتمع البسطاء، النابعة من مكنونات خبرته والتي تحاكي مشاعره وحاجياته.
قصيدة "لا تبجين" من أروع قصائد الشعر الشعبي التي تمزج قضية الحسين التي ملأت وجدان التشيع وتراث الريف وقيمه وتقاليده التي شكلت مخيال الشاعر سعد محمد الحسن البهادلي (1957- 2015)، من قضاء الكحلاء جنوب مدينة العمارة، وهو شيخ عشيرة "البَهَادِل" في "ميسان". حيث تسود المجتمع الريفي العلاقات الأوليّة القرابيّة، ومبادئ الأحلاف؛ وفي توصيف "دوركهايم Durkheim " (-1917): يسوده التضامن الآليّ، ويتصف بالتماسك الاجتماعيّ بين أفراده؛ كما إنَّه مجتمع يتسم بالبساطة في الحياة، والغلظة في المعاملة، والقوة والعزوة في أغلب سلوكياته القائمة على أحادية التكوين.
"لا تبجين
"وانت بصبر لبوة و بخٌلُك شاهين"،
"تهز مريم النخلة و رطب منها يطيح"
"وتهزين الليالي يطيح منها سنين"
المقطع الأول "لا تبجين" اتخذ عنوان القصيدة، لفاعليته في الدلالة وبعده في القصدية، وظفه الشاعر بمفهوم "القفل" الخاتمة والنتيجة التي تعانق البداية لمقاطع القصيدة، تكمن معطياته الأسلوبية في صيغة النهي، ويتكاثف معنى النهي عندما يلتصق بالعاطفة التي تهتز لها قصبات النفس، فالبكاء من مخاضات الحزن الإنسانية في مساق الضعف والانكسار الناتج عن إجمالي الفقدان، والبكاء يصاحب جنس المرأة أو يقترن بها، إذ هي الخاسر الأكبر في التاريخ الاجتماعي، ولذا إن الرجل ينأى عنه، ولو على سبيل المكابرة، لأنه اذا بلغ مرحلة البكاء قد ينهار، بينما المرأة قد تقوى به، وتستعمله سلاحا.
ثمة غموض في مطلع القصيدة، ما يتداركه المتلقي- بحسب الصيغة- إنها من الذكر الى الأنثى، ولكن من هما، وما مقامهما لم يصرح به النص، بيد أنه سرعان ما يتجلاه الذهن بلحاظ المقام والكلمات الآتية، انها حوارية بين الامام الحسين في لحظاته الأخيرة مع العقيلة زينب.
البكاء في مجال الميثيولوجيا من تجسيدات المرأة عبر التاريخ، نُعي "إله سين" لأكثر من أربعة ألاف عام، أو هو أكثر شخص نعي في تاريخ "باب إيل" (بابل) القديم، على مرثية عشتار لأخيها؛ وكانت تحث النساء على النواح: " يا فتيات مزّقن جيوبكن والطمن صدوركن؛ لقد قتل الفتى سين". (السواح، لغز عشتار، ص279)، بينما تجسد العزاء الحسيني في "زينب" منذ حوالي 1400 سنة؛ يكاد العمق التاريخي لبكاء زينب على أخيها، تصوره كلمة "لا تبجين"، واستعملها مفتاحا وقفلا لقصيدته.
في معرض المقارنة بين "عشتار" و "زينب"، إن الأولى تشرعن البكاء " يا فتيات مزّقن جيوبكن والطمن صدوركن"، إذ هو من تمثلات المرأة في حالة الحزن والفقدان، ولأن القصيد جاء على لسان المرأة، متساوقا مع طبيعتها الانثروبولوجية؛ في حين في قصيدة "لا تبجين" فيه محاكاة داخلية لشخصية زينب في خضم التطورات الأخيرة للمعركة التي حسمت لصالح الكثرة او العدد، وما ينبغي عليها من تحمل مسؤوليات قيادية لا تتساوق مع البكاء، او فيه نهي يحمل دلالة الرفق بها، خشية من الجزع، لأنه صادر من مخيال رجل حمل عصا تقاليد القبيلة والريف على كاهله الشعري.
بيد أنه يسوغ تصديره النهي بمفردات يسبغها في وصفها، تعرب عن قوة الأنثى وتسلطها من كنه الفضاء المكاني "الصحراء": "لبوة" "شاهين"، ويمنحها صفات مطلقة متينة: "الصبر" "سعة الخُلُق"، وكلاهما يسجل معنى الخبرة والتمرس في اصطياد الفريسة: "وانتِ بصبر لبوة و بخٌلُك شاهين"، ولكن هنا ماهية فريسة زينب أين تكمن
يفسر الماهية استعماله أسلوب المقارنة- من خلال التوظيف القرآني- بين مريم سيدة نساء العالمين {َيا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ }(آل عمران 42) وآيتها {َهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} (مريم 25)، بقوله: "تهز مريم النخلة و رطب منها يطيح"؛ وبين زينب سيدة المقاومة على سني التاريخ، في قوله: "وتهزين الليالي يطيح منها سنين". هنا الشاعر لم يكن عادلا بين المرأتين، إذ مال بكلكله الى زينب في جنيها التاريخي على حساب مريم في شغف الديانات الإبراهيمية بها، فضلا عن توظيف عنصري المباشرة والصورة، فقد كانت آية مريم تعتمد على الحسِّي والمادي: "النخلة" و "الرطب"، فلا تحتمل غير التوصيل بالمباشرة، بينما استعمل الصورة الفنية مع زينب، في "هز الليالي"، وكم توحي انها حبلى بالحوادث والهموم ؛ لا شك ان رمزية الـ" سنين" كجني يمثل أجيال من الحزن والأسى المتراكمين؛ ثم أن صبر مريم على ضيقها مع قومها انتهى بالفرج وولادة نبي بشير، أما صبر زينب فإن سنابله ملأى بالفواجع من مقاتل أهل بيت النبي: أبيها الإمام علي، ثم أخيها الإمام الحسن، واختتمت بتراجيديا كربلاء ومقتل الامام الحسين، وهذا يكشف أن صبر زينب استمر ربع قرن ونيف، وهذا ما يعطيه زخما تاريخيا لمعاناتها، وبالمقابل صبر مريم كان لا يتجاوز أشهر الحمل او بعضها؛ ومهما يكن فالنخلة عراقية ورطبها، كما ان كربلاء عراقية ومأساتها، فانه يمنح المقارنة معنى التكامل والشمول.
يا بيرغ العفة المالفة (المثلج) حاشاه
يكفيني شرف لو كالوا أخت حسين
يا نـﮕطة حياء بكصة التاريخ
مدللة السما انت شلون تنذلين
في المقطع ثلاث قيم عالية في المجتمع الإنساني: العفة، الأخوة، الحياء؛ مزجها الشاعر بكنه التقاليد القبلية، فالـ "بيرغ" (بيرق) القبيلة، وحاشاه يلفي لمثلك، تعبير يقصد المدح والرفعة في الصياغة القبلية، وتتسامى التجليات القبلية بصراحها: " يكفيني شرف لو كالوا أخت حسين"، وكذلك "نكطة حياء" يتماهى الاعرابي بالحياء، فهي من خاصات المرأة، ولكن وصفها على سبيل القلة بـ"قطرة" او "نقطة" تعني ثمالة الحياء على مسار الإزاحة؛ هل هو مدح متشرب بذم هنا تجلوه كلمة " بكصة التاريخ" (بجبينه)، فهل التاريخ بحواديثه وأساطيره ظل يشح بالحياء لأن أوغل في تدوينه وعاظ السلاطين وحوزتهم، أو أن التاريخ لا يستحي في اغتيال أبطال الثورة ورواد المعارضة، بخاصة في تراجيديا كربلاء، فما كانت هذه النقطة او القطرة من الحياء التي سرعان ما جفت، هي من وقفة زينب عقيلة الهاشميين ومديرة البيت العلوي.
يختم المقطع بنهاية تعجبية بعد تلكم المكانة الاجتماعية والدينية العاليتين، يردفها بمكانة قدسية، "مدللة السما انت"، فهي من أهل بيت الرسول الذين اصطفاهم الله كما اصطفى آل ابراهيم، بل عمدهم بالتطهير، أوصى بمودتهم في كتابه (الأحزاب 33، الشورى 23) فهي سليلة الخمسة أصحاب الكساء: جدها وأمها وأبوها وأخويها، وعليه ينبغي أن تحظى بالتكريم والتقديس في مجتمع الإسلام، غير أنها واجهت الأمرين، ونكبت بمصاب أخيها سيد شباب أهل الجنة، وأسرتها لاقت الأسر والتعذيب، ولذا ظلت علامات الاستفهام شارعة في مخيال الشاعر تصدح " شلون تنذلين"
على أن هذا التلاؤم بين القيم والتقاليد في مجتمع القبيلة، في المساق الفني، أزهر صورا خلابة: "بيرغ العفة" "كصة التاريخ" "مدللة السما" منحت المعنى ثباتا وتنوعا في الدلالة والقصد.
استعمل الشاعر أسلوب النداء مرتين، بالأداة "يا" النابعة من أعماق الحلق كأنها صرخة وجدان، واستعمل أسلوب الشرط الامتناعي، وتقديم النتيجة جملة الجواب، كما وظف صيغة الاستفهام الاستنكاري " شلون تنذلين "جاءت جميعها دلالات توكيدية ترصف المعنى.
لا تبجين
وأبوج البجَّه عين الباطل بصفين
فكس عين الجمل والنهروان شهود
ومن أسمه يتلعثم خوف سُوَر الصين
لا تبجين
لا تخليني أكومن أعمي عين الكون
وعلى كل الارض يا زينب تعمين
أشك حلك النهر من احط عكلي وياه
ويظل جرف بجرف تترادم الجرفين
من كل عكلة هو ويكظ عنا الماي
لو ردنا نفرزه الماي عن الطين
في المقطع الثالث يتصاعد في عنان القصيدة الاصطباغ القبلي بالتاريخ، يعلو الفخر الذي هو مرتكزات الحرب والمبارزة، في ماضي يشكل عصر التأسيس للصراع، منذ بيعة الجماهير والخاصة لأبيها بالخلافة، فتنافروا ثلاثا: الناكثون والقاسطون والمارقون، فنازلهم بالسيف وألحق بهم الخسائر؛ هنا الشاعر أراد ان يعلل ابنته المنكوبة ببيض الاماني والانتصارات، ولكن بصيغة المكابرة القبلية، فقال: "لا تبجين؛ وأبوج البجَّه عين الباطل بصفين، فكَّس عين الجمل والنهروان شهود".
تعلو في الشطر الرابع صيغة التفاخر الى عنان القصيدة بنزعتها القبلية، خارج فضاء الواقع، وكأنه أراد أن يربت على كتفها بعنصر الخيال، "ومن أسمه يتلعثم خوف سُوَر الصين"، من هنا أخذت القصيدة في التدني بدلالاتها تساوقا مع توغله في الحياة القبلية لاسيما التفاخر بالعزوة والقوة والسلطة التكوينية، بصيغة مفعمة بالعصبية: " لا تبجين .. لا تخليني أكومن أعمي عين الكون.. وعلى كل الارض يا زينب تعمين"؛ ثم تردى بالقصيدة عندما وظف الأنا العصبية الممعنة في التفاخر والغلبة، تصاحبها مفردات متهافتة جدا في مقال المقام، وكأنها نزاع بين عشيرتين على جرف النهر، " أشك حلك النهر من احط عكلي وياه.. ويظل جرف بجرف تترادم الجرفين.. من كل عكلة هو ويكظ عنا الماي.. لو ردنا نفرزه الماي عن الطين"؛ هنا اضمحلت القيم التي خرج من أجلها الحسين، في ظل تسامي تقاليد القبيلة وعصبيتها.
لم تترمم القصيدة في بنيتها اللفظية والفنية، إذ مرت بسرديات تاريخية عما بعد المعركة من: حرق الخيم وحيرة النساوين وتيه الأيتام، ثم رجوع خاطف للمعركة حيث نزف الشهداء، لعله أفقد وعي القصيدة وأخرجها عن وحدتها وعلى الرغم من وجود صور فنية نادرة، هيأت لمقطع ارتقت به المفردات الوصفية:
" ادموعج من تطيح يخضرن آيات
وَبكتاب المصايب وحدج ترتلين
اليتامى حدر كترج ناموا مأمنين
يالحضنج حضارة ومدرسة وتاريخ
يالحضنج شمس بس الضوة تخرجين
يكتر الجامعة وخرجت معصومين ..
خرجت الكمر وظل ما طفا للدوم..."
ظلت القصيدة ترتقي كلما أحاطت بالموضوع وبقيمه العوالي، وكلما بعدت عن التوغل في التقاليد القبلية وعصبيتها، حيث يحين الضمور والخمول في المفردات والمعاني.
بيد أنه أخيرا يتألق عاليا في وصف شخصية زينب في مسير الركب الى الشام، يرسم ادارتها، ومنهجها في فلسفة الحياة والدين: "انت أول جدم يرسم طريق أديان.. وانت آخر جدم حز دمع مظلومين.. وانت أول نهر فايض لجن عطشان.. وانت آخر عطش بلل لهاة الدين.. وانت أول سفيرة بلا حصانة تفوت.. وانت آخر وزيرة بلا سند تعيين.. انت أول علم ساريته ما تنشاف..." في صور فنية خلابة ومركبة " جدم حز دمع مظلومين" و" عطش بلل لهاة الدين".
يجدر بالعلم ان الشاعر كان متمكنا في الموضوع وتصوير القيم وبخاصة في الوصف ورسم الصور يتألق عاليا، لكنه ينزلق أحيانا الى بؤرة الأنا العصبية والتقاليد القبلية، فيرافقه الحشو في المعاني والضحل في المفردة، يبدو أن جسامة القضية وجياشة العاطفة لدى الشاعر تودي به الى محطات تخرج الموصوف عن طبيعته ومهمته الموكول إليها، فالحسين إمام معصوم في الترسيمات العقدية عند الشيعة، ومهمته التي اضطلع بها هي إصلاح الامة، فكيف يصور كزعيم قبلي نُزي على جرف مائه، فيهدد بالدمار الكوني، "لا تخليني أكومن أعمي عين الكون.. وعلى كل الارض يا زينب تعمين .. أشك حلك النهر من أحط عكلي وياه..." هنا العرض لا يجانس المضمون إطلاقا، وخلاله تتلمس الركود المعنوي واللفظي للقصيدة، فهو خروج عن قصيدة بدأت متينة في صياغتها رصينة في معانيها وانتهت قوية فاعلة في تجييش العواطف.
في معرض المقارنة في الموضوع ذاته مع شاعر يجايله من شعراء مدينة النجف، هو محمد رضا العكراوي (1952م-...)، يسجل قراءة مختلفة لزينب وموقفها أثناء المعركة وبعدها، وفي الخيمة مع العيال وفي الميدان مع أخوانها، تبدأ الموازنة من القفل الذي يعد إشكالية القصيدة وبيت القصيد، فعند البهادلي مشحون بالحزن والألم والبكاء الشديد حتى الانهيار لعقيلة الطالبيين بإزاء مواجهتها للمعركة، والشاعر يصور الحسين يترك معالجاته ضروس المعركة ، ويتوجه الى زينب يخفف عنها بأساليب ذكرناها، وقفل القصيد بيان لها وهو "لا تبجين". في حين ان الشاعر العكراوي يجعلها مثلا أعلا للصبر والحنكة والإدارة الواعية في قفل قصيده الاستفهامي "موقف مَدمع يو لا ثائـر" .
في المقطع [2] يصور موقفها أشد من موقف الرجال في أناتها وتصبر العيال وتشد أزرهم، الشاعر يدخل في مرحلة التأوين للحدث، ويقرأه من الداخل وينشد التحليل المنطقي " خَل نِجي انْـحَـلّل الـحاله " وعلى الرغم من أن "الكل يتنَطّـر ساعة موته" وهم في معمعة الوطيس وصليل السيوف ورشق النبال على مسمع ومرأى منهم، لكن الشاعر يوجه استفهام استنكاري "هَم صاب لِعياله الرعب" لينبئ عن الشجاعة وقوة الشكيمة التي تصطحب عيالات الحسين، ثم يردفها بشطر القفل بصيغة الاستفهام التعجبي " موقف مَدمع يو لا ثائـر"
احْســـين وَيّه اِرْجاله يدري الـچَـتِل إلهُم لا مَحاله
بَس بقَه ثابت ابعزمه اوْ خايف الـجـــيـش الگْباله
هذا مَوقفها الرجال اوْ خَل نِـجـي الموقـف اعْياله
وليانْـها ابْنُص الـحرب ما بـين طَعنات اوْ ضرب
هَم صاب لِعياله الرعب خَل نِجي انْـحَـلّل الـحاله
الكل يتنَطّـر ساعة موته اوْ ما تسمع للذلّه ابصوته
o واتْشــوف الأطفال موقفـهـا ابْـهالـحـال
موقف مَــدمــع يــو لا ثـائــر
في المقطع رقم [3] يعدد الشاعر وظائف عقيلة الطالبيين مع العيال وتلبي حاجياتهم الواقعية: النفسية والتربوية بالتصبر والتهدئة "واتْـقَـوّي الآمال"، لا شك أن مسرد هذه المحاولات في بودقة دعمها أهداف أخيها في نهضته، ليتحصل من هذا الموقف الإداري الحازم أن لها يد المشاركة الوجدانية والسلوكية في الثورة، فهي ليست ضحية الدمعة الساكبة.
اوْ زينب اُم گَـلْب الـچـبـيـر اتْقود هاي العيله كلها
الظامِيه اتْصَبّر اعْليهـا ابْجود اَخُوها اِتْـقَـوّي اَمَـلْهـا
واللّي دَمعاته يِهلْهـا تـمسَح الدمـعـه اليِـهـــلْــــهـا
اتْصَبّر عَلى اليشكي الظمه اِتْشِد عزمه مِن اتْكلّـمه
ابْغاية احْسين اتْـفَهّـــمـه اوْ يا كرامه اللّـي يِصلها
اِبْحِنيّه اتْـهَدِّئ مِن روعه اوْ چلمة بت حيدر مسموعه
o واتْـــــقَـوّي الآمال موقفـهـا ابْــهالـحـال
موقف مَــدمــع يــو لا ثـائــر
في المقطع رقم [4] يضيف الشاعر الى مهمات زينب في صيانة العيال، مهمة ميدانية تتمثل في شد عزم الرجال وردف الشباب وبخاصة أبناءها ليمتطوا صهوة الحرب، وتستقبل الجرحى والشهداء بنظرة واجمة وصدر صامد في حزنه، " ما رجَف گـلْب العقيله ابساعة الذبحَو ولِدها" فهي لم تكن ألا شامخة في وقفتها " طود ابْأرْض الطف تلگاها"، لتناصر هدفا يستحق الشهادة وهو "حفْظ العَقيده امْن التلَف اوْ رَفُع رايَـتْها اوْ مَجدها"، ولذا هي مع علو التقوى ورفعة المبادئ في مرسم الشاعر " ما أظَن دَمْع اِلْـها ذَرف" لأن موقفها موقف ثائر لا موقف دامع.
ابْوسط هالملـحَمه الكُبرى اوْ كل مُصايـبْها اوْ شِدَدْها
للرجال اتْشـــد عزمها اوْ تِرعه العْيال ابجـــهــــدهـا
ما رجَف گـلْـب العقيـلـه ابســــاعة الذبحَو ولِـــدهـا
ما أظَن دَمْع اِلْـهـا ذَرف ضَـحّتْهُم الأشرف هدف
حفْظ العَقيده امْن التلَف اوْ رَفُع رايَـتْهـا اوْ مَجدها
طود ابْأرْض الطف تلگاها
اتْشِد عَزْم اخوَتـها اعْــلـى اعْداها
o والضَـحّـــت أبطال موقفـهـا ابْــهالـحـال
موقف مَــدمــع يــو لا ثـائــر
في المقطع رقم [5] يتصاعد السرد في التراجيديا، لتتجلى عنوانات البطولة ورباطة الجأش وقوة المرأة الحديدية مع تسامي الحدث، إذ أخذت تخسر ذويها الأعز فالأعز حتى بلغ القتل الزبى في أخيها العباس، وهو في الموروث الشعبي: "حامي الظعن" "كفيل العقيلة" " اگبالها ذبحَو اخْوَتـها اوْ بقَه بس احْسين عِدها" لكنها لم تهن ولم تنهر بل "اتْـحَزّمَـت بـحْزام الصَبُـر اوْقَدّمَـت لِـحْسين المُهر" بقلب دام وكبد لاهب، ومن هنا يستدل الشاعر ان موقفها كان ثائرا:
اگبالها ذبحَو اخْوَتــــهـا اوْ بقَه بس احْســــيـن عِدها
صَـح چَـتِـل عباس اَخوها الزيـنـب اهْوايه ضِـــهَـدهـا
چان بَـعْـد احْسين هوّه للشِـــــدايــد مُعْـــتَـــمَـــدهـا
من راح عباس البدر اتْـحَـزّمَـت بـحْـزام الصَبُـر
اوْقَدّمَـت لِـحْسين المُهر اوْ نار يـتْلاهَـب چـبِدهـا
مُهْر الـموت اتْسَلْمه ابْإيده اوْ ينـزل للميدان اتْريـــده
وابْصَـــــــبْـر الدلّال موقفـهـا ابْــهالـحـال
موقف مَــدمــع يــو لا ثـائــر
وفي المقاطع [6 - 8] كلما اشتدت الأزمة وعظمت تتعاظم ادارتها، ولا سيما بعد مقتل أخيها الحسين رأس الثورة، تتلفع زينب بجلباب الإدارة تماما، وغايتها حفظ العيال من أي مكروه، والاسمى من غايتها حفظ الامامة واستمرارها بحياة الامام الرابع علي بن الحسين، فتراها اعتلت منابر الكلمة الناصعة وألقت براكين حججها على أهل الكوفة ومجلس ابن زياد، وأفحمت يزيد في مجلسه في الشام.
عــيـن يَم احْســــيـن اَخُوها اوْ عــيـن للأطفال ترعه
ايْقاتل الگوم ابْشَـــراســـــه اوْ للقتال الـحـق يدِفْعه
يرتجز آنه بِنْ حيدر بـيـنْـهُـم گامت تِســـــمْــعــــــه
اوْدارَت اعْليهْ مِن كل كتر ابْضَرْب السيوف اوْ بالسمُر
واسْهام تِرميهْ اشْــــكثُـر اوْ فِزعو اعْـليهْ فَرِد فَزعه
اوْ مِن طاح السَهْم ابْدَلّالـه اوْ طاح اوْ أگبل ليْهْ چَتّاله
o ما هَـمْــهـا الـچَــتّـال موقفـهـا ابْــهالـحـال
موقف مَــدمــع يــو لا ثـائــر
[7]
احْســين لَـمّن طاح اِجَـتْها الـخيل فَزعه جـاهليه
حرگت الكل الـخْـيام اوْ فَرّت العيله ســــــويّـه
زينب ابْـهالـحاله يِـبْدي دورها ابْـدَعْـم القضـيـــه
بَعْد الـحَـرِگْ بعْد السَـلِب بعْد الضرب بعْد النَهب
لَـمّت العيله التِـنْـتِـحِب ابْكل صَـبُـر بِـنْـت الزچيه
اتْـعَـزّي الثكّل بمْصـيـبَـتْها والتِنحَب تمسَح دمعـتْها
عَـنْـها الـخـوف انْزال موقفـهـا ابْــهالـحـال
o موقف مَــدمــع يــو لا ثـائــر
[8]
بعَد ما لَـمّت العيله اوْ صبّرَتْـها اعْـــلـى بَـلواهـا
ابْليل گصدت للمَعاره الـجـثَـث اخْـوَتْـها تَراهـا
جـثَـث وابْلا روس كلها امْعَفّره ابْرَمْلَـة ثَـراهـا
راحَت اوْ عدها مُهــمّه الـجِثّـةْ الغـالـي أخاهـا
شافت امْـگطّعه اَوْصاله اوْ تنزف اجْروحه دِماها
شالِته اوْ نادت ابْصوت الصــــابر الباري سمـاها
يا ربّي نادَت يا صَـمَد قُربان اِلَك هـذا الـجَسَــد
نصْبِر عَلـى هاي الشِدد مِن يِظَل حَــي المُعـتَـقَد
اتْـقَـبّــــل القُربـان هذا مِـنّـه يـا رب البـريـه
هذه المرأة تجربة فريدة لا تتكرر في التاريخ، وأن توجهت الأنظار حينا الى الخنساء البطلة بعد مقتل أخيها صخر، لكنها قضت جل حياتها باكية متأسية، وهي القائلة:
وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَــولي عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي
وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي
في معرض الموازنة بين الشاعرين أسلوبيا فإن البهادلي قد أمعن مخيله العاطفي في سرد رومانسي تتلبس فيه أحيانا نرجسية الشاعر وبيئته، بيد أنه أتاح لمخياله أنتاج صور رائعة فنيا؛ بينما الشاعر العكراوي تلمس منهج الواقعية في السرد، بمفردات الدارس المحلل؛ لكي يتحصل الغاية التي رسمها للعقيلة زينب، في حزمة من حجج منطقية، من المؤكد انها تجانف عالم التخيل ورسم الصور.
آخرا يجدر العلم ان كلا الشاعرين أجاد في منحاه وأبدع في رسمه، وإن اختلفت طرائقهما، أحدهما رسم صورة زينب في كربلاء على منهج الرومانسية، والآخر رسم لوحة لها في مجتمع الطفوف على منهج الواقعية. ويبدو أن ثمة روايات قديمة عن زينب في كربلاء للرواة الأوائل مثل أبي مخنف قد عصفت بالعاطفة في المؤلفات وتراكمت عبر الأجيال عن حادثة الطف، وهي ما اقتبس الشاعر البهادلي حبكة قصيدته، بينما ثمة أخبار للمتأخرين ودراسات تؤكد على موقف زينب البطولي في كربلاء، ومن هذه أفاد الشاعر العكراوي في سرده التحليلي لشخصية زينب الثائرة.
ا
حين يسقط القناع: قراءة نفسية في تغيّر الصديق الطيّب
بقلم الكاتب : حنين ضياء عبدالوهاب الربيعي
كان يبدو صديقًا حقيقيًا، قريبًا للروح، تتحدث إليه فيفهمك دون أن تشرح كثيرًا. عاش بينك زمنًا من المودّة والصدق الظاهري، حتى ظننت أن صداقتكما من النوع الذي لا يتبدّل. لكنك كنتَ مخدوعًا أو بالأحرى كنت ترى الوجه الذي أراد أن يُريك إياه. فجأة تغيّر. صار يتصرف بسوء، يتحدث عنك في غيابك، يذكرك بأقبح الكلام،... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ 4 ايام
2025/11/16
احلفكم بالله ايها المحللون والاعلاميون اتركوا المنتخب العراقي وشأنه ولا تضعوا...
منذ 4 ايام
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ 4 ايام
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )