Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
المختصر في شرح الصحيفة السجادية (3)

منذ 3 سنوات
في 2023/03/06م
عدد المشاهدات :2186
بسم الله الرحمن الرحيم
وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِمَا السّلَامُ:
اللّهُمّ صَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِهِ كَمَا شَرّفْتَنَا بِهِ، وَصَلّ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِهِ، كَمَا أَوْجَبْتَ لَنَا الْحَقّ عَلَى الْخَلْقِ بِسَبَبِهِ.
اللّهُمّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَأَبَرّهُمَا بِرّ الْأُمّ الرّؤٌوفِ، ...
أيها العزيز عندما تستشعر الإحساس بالله عزوجل، وانه هو السبب الأعمق في الوجود، فإن الوالدين يمثلان السبب المباشر لوجودك، وإذا كان الله هو الذي أنعم عليك بكل النعم التي جعلت لحياتك قوّةً واستمراراً، فإن الوالدين قد عملا بكل ما لديهما من جهدٍ ومعاناةٍ وتضحيةٍ في سبيل تحريك عناصر الامتداد في عمق وجودك.
نعم أراد الله سبحانه للإنسان أن يعي هذه الحقيقة في علاقته بهما، ويوحي لنفسه بالسر العميق الكامن وراء ذلك، والمتجلِّي فيما أودعه الله في قلبيهما من الشعور بالعاطفة والرحمة اللتين تتميزان بالعطاء دون مقابل، فيتحملان الألم والتعب من أجل أن تتكامل حياة ولدهما وتلتذ وترتاح، بكل روحٍ طيّبةٍ معطاء.
وهكذا أراد الله لك أن تُحسن إليهما بالكلمة واللمسة واللفتة والحركة، وبالاحتضان الروحي الذي يحسان به عميقاً، كاحتضانهما لك في طفولتك وما ينطوي عليه من عاطفة وحب وحنان.
ولذا جاء الخطاب الإلهي موجهاً لك في قوله تعالى: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا1، وانما جعل الله الاحسان بالوالدين تالياً لعبادته كما في هذه الآية الكريمة، وشكرهما تالياً لشكره كما في قوله تعالى: أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ2، لانهما سبب وجودك كما انهما السبب في تربيك، وغير الوالدين قد يكونا سبباً في تربيتك فقط، فلا إنعام بعد إنعام الله سبحانه وتعالى أفضل من إنعام الوالدين.
مع الدعاء.
اللّهُمّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السّلْطَانِ الْعَسُوفِ [قال ابن فارس: الهيبة: الإجلال 3، وفي النهاية: يقال: هاب الشيء يهابه إذا خافه وإذا عظمه ووقره 4. والعسوف: الظلوم. قال ابن الأثير في النهاية: وفي الحديث: لا تبلغ شفاعتي إماما عسوفا، أي: جائرا ظلوما، والعسف في الأصل أن يأخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم، وقيل: هو ركوب الأمر من غير روية، فنقل إلى الظلم والجور 5، وقوله عليه السلام: (اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السّلْطَانِ الْعَسُوفِ)، استعمل أسلوب الاحتباك 6، وهو في علم البلاغة أن يحذف ما أثبت مقابله في الثاني، وفي الثاني ما أثبت مقابله في الأول، وبعبارة أخرى: هو أن يجتمع في الكلام متقابلان، فيحذف من كل واحد مقابله لدلالة الآخر عليه، كقوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}7، قال الفخر الرازي في تفسيره أن معناها: ( أنا ادعوكم إلى الإيمان الذي يوجب النجاة وتدعونني إلى الكفر الذي يوجب النار)، حيث ذكر النجاة الملازمة للإيمان أولا دليلاً على حذف الهلاك الملازم للكفر ثانياً، والنار ثانياً دليلاً على حذف الجنة أولاً.
ومقتضى الظاهر في كلامه عليه السلام أن يقال: واجعلني أهابهما هيبة كهيبة الرعية للسلطان العسوف، واجعل هيبتهما عندي هيبة السلطان العسوف، فحذف من الأول كهيبة الرعية لدلالة قوله: هيبة السلطان العسوف عليه، ومن الثاني واجعل هيبتهما عندي لدلالة أهابهما عليه.
وفي الحديث عن الصديقة الطاهرة (عليها السلام) وهي بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وروحه التي بين جنبيه: (ما استطعت أن أكلم أبي من هيبته)8.
قال عليه السلام: وَأَبَرّهُمَا بِرّ الْأُمّ الرؤوف [وبرّ الوالدين: إحسان الطاعة إليهما، والرفق بهما، وتحري محابهما، وتوقي مكارهما، والرؤوف: فعول من الرأفة وهي أشد الرحمة، ومخصوصة بدفع المكروه وإزالة الضرر، بينما الرحمة عامة، وفي دعاء الامام الحسين عليه السلام في يوم عرفة: الهي وصفت نفسك باللطف والرأفة لي قبل وجود ضعفي، افتمنعني منهما بعد وجود ضعفي9
قال عليه السلام: وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيّ [وإنما قال: لوالدي ولم يقل: لهما، فوضع الظاهر موضع المضمر، للإيذان بفخامة مضمون الجملة وإظهار مزيد البر بهما].
وَبِرّي بِهِمَا أَقَرّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ [النعسان: الاصل (وَسَنَ)، وتنتاب المرء السِّنَة أوّلاً، ثمّ تزداد عمقاً حتّى تورده في النوم العميق، قال تعالى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ10، وإنما خص رقدة الوسنان، لأن من ملكتهُ السَنة لا يكون أقر لعينه ولا أهم إليه من النوم].
وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظّمْآنِ حَتّى أُوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا، وَأُقَدّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا وَ أَسْتَكْثِرَ بِرّهُمَا بِي وَ إِنْ قَلّ، وَ أَسْتَقِلّ بِرّي بِهِمَا وَ إِنْ كَثُرَ، [والغرض من استكثار برهما به وإن قل، واستقلال بره بهما وإن كثر، استعظام برهما به، ليزداد رغبته في محبتهما وطاعتهما، ولا يقصر في شكرهما والقيام بحقوقهما، وليجهد نفسه في مزيد بره بهما إذا رآه قليلا، فلا يكتفي ويقتصر على ما كان من بره بهما وإن كان في نفسه كثيرا].
اللّهُمّ خَفّضْ لَهُمَا صَوْتِي [أي: وفقني لرعاية الأدب معهما حتى إذا خاطبتهما خفضت صوتي لهما، كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظم، وحفظا على مراعاة أبهة الأبوة وجلالة مقدارها، فإن رفع الصوت والجهر به عند الخطاب خارج عن قانون الأدب، منبئ عن عدم التوقير والإجلال، ولا سيما في حق الوالدين].
وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة}11، قال: (لا تملأ عينك من النظر إليهما إلا برحمة ورأفة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدم قدامهما)12، وَأَطِبْ لَهُمَا كَلَامِي [أي: وفقني لأن اطيب لهما كلامي، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: {وقل لهما قولا كريما}13، [أي خاطبهما بقول رفيق لطيف حسن جميل، بعيد عن اللغو والقبيح، يكون فيه كرامة لهما، ويدل على كرامة المقول له على القائل.
وقيل: أي جميلا مشتملا على حسن الأدب، ورعاية دقائق المروة والحياء والاحتشام.
وقيل: القول الكريم أن يقول لهما: يا أبتاه يا أماه دون أن يسميهما باسمهما.]، وَأَلِنْ لَهُمَا عَرِيكَتِي [قال الزمخشري في الأساس فلان لين العريكة: إذا كان سلسا، وأصله في البعير، والعريكة: السنام، وعلى هذا فهو استعارة، كخفض الجناح المستعار للتواضع، والأظهر والأبلغ أنهما استعارتان تمثيليتان على تشبيه الحالة بالحالة، من غير اعتبار استعارة في المفردات، فيكون لين العريكة تمثيلا لسلاسة الطبيعة وانقيادها بلين سنام البعير، وخفض الجناح تمثيلا للتواضع وإلانة الجانب بخفض جناح الطائر، فالعريكة والجناح مستعملان في معناهما، والمشبه إحدى الحالين بالأخرى.
ويجوز أن تكون لين العريكة للطبيعة، واللين استعارة لسلاستها وانقيادها، أو ترشيحا لاستعارة العريكة، وكذلك الجناح استعارة للجانب، والخفض استعارة لإلانته وإذلاله، أو ترشيحا لاستعارة الجناح بما يناسبه، فتكون الاستعارة في المفردات.
والأول هو مختار صاحب الكشاف حيث قال: الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه، فجعل خفض جناحه مثلا في التواضع ولين الجانب]14.
وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَصَيّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً [أي: اجعل قلبي عاطفا عليهما مشفقا متحننا].
اللّهُمّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي، وَأَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي، وَاحْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنّي فِي صِغَرِي [وفي هذه الفقرات إشارة إلى عجز الولد عن القيام بما يجب للوالدين، من الشكر والمكافأة لهما ومجازاته على إحسانهما إليه، فتوسل بالمولى عزوجل بأن يشكر لهما ويجازيهما على ذلك، وفي الحديث: (أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال له: يا رسول الله إن أبوي بلغا من الكبر، إني ألي منهما ما وليا مني في الصغر، فهل قضيتهما حقهما قال [صلى الله عليه واله]: لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما)15، وشكى إليه [صلى الله عليه واله] آخر سوء خلق أمه، فقال [صلى الله عليه واله]: لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر، قال: إنها سيئة الخلق، قال [صلى الله عليه واله]: لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين، قال: إنها سيئة الخلق، قال [صلى الله عليه واله]: لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت نهارها، قال: لقد جازيتها، قال [صلى الله عليه واله]: ما فعلت قال: حججت بها على عاتقي، قال [صلى الله عليه واله]: ما جازيتها ولا طلقة). 16
حرره الاحقر السيد عبدالله مرتضى محمد تقي الحسيني في 11من شعبان المعظم 1444ه
المصادر:
1- سورة الإسراء، الآية 23.
2- سورة لقمان، الآية 14.
3- معجم مقاييس اللغة: لابن فارس: ج ٦ ص ٢٢.
4- النهاية لابن الأثير: ج ٥ ص ٢٨٥ - ٢٨٦.
5- نفس المصدر السابق: ج ٣، ص ٢٣٧.
6- الاحتباك: هو أن يُحْذَفَ من الأوائل ما جاء نظيره أو مقابله في الأواخر، ويُحْذَفَ من الأواخر ما جاء نظيره أو مقابله في الأوائل، ومأخذ هذه التسمية من الْحَبْك، وهو الشدّ والإِحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب، فَحَبْكُ الثوب هو سَدُّ ما بين خيوطه من الْفُرَج وشَدُّهُ وإحكامه إحكاماً يمنع عنه الْخَلَل مع الْحُسْنِ والرونق.
7- سورة غافر، الآية41.
8- في ظلال الصحيفة السجادية، محمد جواد مغنية (رض): ص320، وفي بحار الأنوار - العلامة المجلسي: ج ٤٣، ص ٨٥ .
9- مفاتيح الجنان: الشيخ عباس القمي (رض): ص 356.
10- سورة البقرة، الآية 255.
11- سورة الإسراء - الآية 24.
12- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج ٤ ص ٤٠٨.
13- سورة الإسراء - الآية 23.
14- رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (عليه السلام)، السيد علي خان المدني: ج ٣ص 347.
15- شرح رسالة الحقوق - الإمام زين العابدين (عليه السلام)، السيد حسن القبانچي النجفي(ره): ص ٥٧٤.
16- نفس المصدر السابق: ص584، ورواه ابن وهب في الجامع في الحديث: ج1ص 181"وروى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي كانت سيئة الخلق فغضب وقال أكانت سيئة الخلق حين حملتك أكانت سيئة الخلق حين أرضعتك حولين.. الحديث إلى أن قال الرجل أرأيت لو حملتها على عاتقي وحججت بها أكنت قاضيا حقها فقال لا ولا طلقة".
حين يسقط القناع: قراءة نفسية في تغيّر الصديق الطيّب
بقلم الكاتب : حنين ضياء عبدالوهاب الربيعي
كان يبدو صديقًا حقيقيًا، قريبًا للروح، تتحدث إليه فيفهمك دون أن تشرح كثيرًا. عاش بينك زمنًا من المودّة والصدق الظاهري، حتى ظننت أن صداقتكما من النوع الذي لا يتبدّل. لكنك كنتَ مخدوعًا أو بالأحرى كنت ترى الوجه الذي أراد أن يُريك إياه. فجأة تغيّر. صار يتصرف بسوء، يتحدث عنك في غيابك، يذكرك بأقبح الكلام،... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ يومين
2025/11/16
احلفكم بالله ايها المحللون والاعلاميون اتركوا المنتخب العراقي وشأنه ولا تضعوا...
منذ يومين
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ يومين
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )