Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
الامام موسى بن جعفر عليه السلام شخصيته ومميزاته.

منذ 3 سنوات
في 2023/02/15م
عدد المشاهدات :1687
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين، واله الطاهرين.
الإمام أبو الحسن، موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين تجسدت في شخصياتهم جميع مقومات العظمة، فكانوا مثالها الرائع ومنهلها الأصيل.
وللإمام عليه السلام بصفة عامة شخصيته الفريدة، ومميزاته الخاصّة، من وجهة نظر الامامية، فلا يجوز له ما يجوز لغيره، كالوقوع في الخطأ والإشتباه بل العصمة أمر ملازم لهُ، بإعتباره المُبلغ عن النبي (صلى الله عليه واله)، ما خفي من أسرار الرسالة ودقائقها، وبنفس الملاك الذي يُثبت العصمة للنبي (صلى الله عليه واله)، نُثبت به العصمة للإمام عليه السلام أيضا، إلا أن النبي (صلى الله عليه واله) مُبلغ عن الله عزوجل، والامام مُبلغ عن النبي (صلى الله عليه واله)، واتفق أهل السنّة على ان العصمة ليست من شرائط الإمام1، ثمّ أن الامامية استدلوا على وجوب العصمة بوجوه، منها:
1- الإمام حافظ للشريعة كالنبي (صلى الله عليه واله).
أن الإمام يحب أن يكون معصوماً عن الخطـأ في العلم والعمل لأنه حافظ الشريعة، وهو الهادي الى مرضاة الى مرضاة الله سبحانه وتعالى، قال العلامة الحلي(رض):" ذهبت الامامية الى ان الائمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر حتى الموت عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع والقوّامون به، حالهم في ذلك كحال النبي (صلى الله عليه واله)".2
2- آية ابتلاء إبراهيم عليه السلام.
قال سبحانه وتعالى: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}3.
فالإمامة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على إبراهيم الخليل عليه السلام غير النبوة والرسالة، لأنه عليه السلام كان نبياً ورسولاً ولم يكن له ولدّ وذرية حتى بشرته الملائكة، فتعجب من بشارة الملائكة: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}4، ثم لما رزق الولد في أوان الكبر {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}5، فطلب الإمامة لذريته، وعلى ذلك يجب ان تكون الإمامة غير النبوة، والمراد منها القيادة الإلهية للمجتمع.
وفي قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، دلالة على ألا يُعهد بالإمامة لظالم، والظالم من أرتكب معصية مهما كان نوعها، حتى لو تاب بعدها، حيث يصدق عليه أنه ظالم ولو آناً ما، ومن صدق عليه العنوان فلن يكون إماماً.
وروى عَبْدِ اَلْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ اَلرِّضَا (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) بِمَرْوَ فَاجْتَمَعْنَا فِي اَلْجَامِعِ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ فِي بَدْءِ مَقْدَمِنَا، فَأَدَارَ اَلنَّاسُ أَمْرَ اَلْإِمَامَةِ، وَ ذَكَرُوا كَثْرَةَ اِخْتِلاَفِ اَلنَّاسِ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي وَ مَوْلاَيَ اَلرِّضَا (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، فَأَعْلَمْتُهُ خَوَضَانَ اَلنَّاسِ فِي ذَلِكَ فَتَبَسَّمَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اَلْعَزِيزِ، جَهِلَ اَلْقَوْمُ وَ خُدِعُوا عَنْ أَدْيَانِهِمْ، إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) حَتَّى أَكْمَلَ لَهُمُ اَلدِّينَ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ اَلْقُرْآنَ فِيهِ تَفْصِيلُ كُلِّ شَيْءٍ، وَ بَيَّنَ فِيهِ اَلْحَلاَلَ وَ اَلْحَرَامَ، [وَ اَلْحُدُودَ] وَ اَلْأَحْكَامَ، وَ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ اَلنَّاسُ كَمَلاً، فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ:{مٰا فَرَّطْنٰا فِي اَلْكِتٰابِ مِنْ شَيْءٍ}، وَ أَنْزَلَ فِي حَجَّةِ اَلْوَدَاعِ وَ هِيَ آخِرُ عُمُرِهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): {اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً}، فَأَمْرُ اَلْإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ اَلدِّينِ، وَ لَمْ يَمْضِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) حَتَّى بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَ أَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ، وَ تَرَكَهُمْ عَلَى قَصْدِ اَلْحَقِّ، وَ أَقَامَ لَهُمْ عَلِيّاً (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) عَلَماً وَ إِمَاماً، وَ مَا تَرَكَ شَيْئاً تَحْتَاجُ إِلَيْهِ اَلْأُمَّةُ إِلاَّ بَيَّنَهُ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يُكْمِلْ دِينَهُ فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ مَنْ رَدَّ كِتَابَ اَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَافِرٌ6.
3- آية إطاعة أولي الامر.
قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}7.
إن الله عزوجل أمر بطاعة أُولي على وجه الأطلاق، ولم يقيّده بشيء ومن البديهي أنه سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده الكفر والعصيان ولو على سبيل الإطاعة عن شخص آخر، وعليه تكون طاعة أولي الامر فيما إذا أمروا بالعصيان محرماً.
فمقتضى الجمع بين هذين الأمرين أن يكون أولي الأمر الذين وجبت إطاعتهم على وجه الأطلاق معصومين لا يصدر عنهم معصية مطلقاً، فيستكشف من إطلاق الامر بالطاعة اشتمال المتعلق على خصوصية تصده عن الامر بغير الطاعة.
هذا، مضافاً الى ان اولي الامر معطوف على الرسول بلا إعادة فعل {أَطِيعُوا} وهذا دليل على وحدة الملاك في اطاعة الرسول واولي الامر، فكما أن وجوب إطاعة الرسول (صلى الله عليه واله)، مطلق ومتفرع على عصمته، فكذلك وجوب إطاعة أولي الامر مطلق ومتفرع على عصمتهم.
ثم أن الامام عليه السلام لابد أن يكون أعلم الناس وأعرفهم بما يحتاج اليه العباد من المتطلبات العامة سواء مت يتعلق منها بالمعرفة، او بغيرها من ضرورات الحياة، وأن يكون أعبدهم، وأزهدهم وأكملهم في التحلي بمكارم الاخلاق، ومحاسن الشّيم، وبتعبير أشمل أن يكون مُتقدمّاً على الآخرين في جميع عناصر الكمال ومُؤهلاته، لتتمثّل به القيادة.
وعلى هذا الأساس تكون شخصية الامام موسى بن جعفر عليه السلام بإعتباره أحد الأئمَّة الاثني عشر عليهم السلام، واضحة المعالم، بما تنطوي عليه من امتيازات.
ولكن لن نقف عند هذا الحد بل سنحاول البحث عن شخصيته وما امتازت به من مؤهلات من خلال ما ذكره لنا التاريخ من سيرته، ومن خلال مواقف العلماء والخلفاء الذين عاصروه.
1- علمه عليه السلام:
ورَث العِلم عن جدّه رسول الله صلى الله عليه واله، فكان المنهل الرِّائد، الذي يروي بفيضه ظمأ المعرفة، ويُشفي من غليلها.
ولقد شهد للإمام موسى الكاظم (عليه السلام) بوفور علمه أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) إذ قال عنه: إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم8.
وقال عليه السلام أيضاً: وعنده علم الحكمة، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم9.
وقد روى لنا التاريخ، الكثير من مواقفه العلمية، ومحاوراته الفكرية التي انتصر بها على خصوم الرسالة، والكثير من شتى فنون المعرفة التي كان يمد بها رواد العلم، ورجالات الفكر.
روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن الإمام علي بن محمد، عن أبي محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى (عليهم السلام)، قال: خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق (عليه السلام)، فاستقبله موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال له: يا غلام، ممن المعصية فقال:" لا تخلو من ثلاثة: إما أن تكون من الله عز وجل وليست منه، فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لم يكتسبه، وإما أن تكون من الله عز وجل ومن العبد، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عاقبه الله فبذنبه، وإن عفا عنه فيكرمه وجوده"10.
أن من أهم الأبحاث الكلامية، البحث عن كيفية صدور أفعال العباد، وأنهم مختارون في أفعالهم أو مجبورون، مضطرون عليها
والمسألة ذات صلة وثيقة بمسألة العدل الإلهي.
فقد رُوي عن الامام علي الهادي عليه السلام إنه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى
فقال عليه السلام: "لو كان خالقاً لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه: إن الله برئ من المشركين ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم"11.
قال صاحب الميزان (ره)12:
"للأفعال جهتان: جهة ثبوت ووجود، وجهة الانتساب إلى الفاعل، وهذه الجهة الثانية هي التي تتصف بها الافعال بأنها طاعة أو معصية أو حسنه أو سيئة فإن النكاح والزنا لا فرق بينهما من جهة الثبوت والتحقق، وإنما الفرق الفارق هو أن النكاح موافق لأمر الله تعالى، والزنا فاقد للموافقة المذكورة، وكذا قتل النفس بالنفس وقتل النفس بغير نفس، وضرب اليتيم تأديبا وضربه ظلما، فالمعاصي فاقدة لجهة من جهات الصلاح أو لموافقة الامر أو الغاية الاجتماعية بخلاف غيرها"، الى أن قال:
"أن هذه المصائب إنما هي سيئات نسبية بمعنى أن الانسان المنعم بنعمة من نعم الله كالأمن والسلامة والصحة والغنى يعد واجدا فإذا فقدها لنزول نازلة وإصابة مصيبة كانت النازلة بالنسبة إليه سيئة لأنها مقارنة لفقد ما وعدم ما، فكل نازلة فهى من الله وليست من هذه الجهة سيئة وإنما هي سيئة نسبية بالنسبة إلى الانسان وهو واجد، فكل سيئة فهي أمر عدمي غير منسوب من هذه الجهة إلى الله سبحانه البتة وإن كانت من جهة أخرى منسوبة إليه تعالى بالأذن فيه ونحو ذلك.
وفي قرب الاسناد عن البزنطي، قال: قلت: للرضا عليه السلام إن أصحابنا بعضهم يقول: بالجبر، وبعضهم بالاستطاعة فقال لي: (أكتب، قال الله تبارك وتعالى يا بن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبقوتي أديت إلي فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعا بصيرا قويا، ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك اني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني، وذلك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، فقد نظمت لك كل شيء تريد. الحديث)".
وبالجملة فالمعاصي من الأفعال لا تنسب إلى الله سبحانه من جهة أنها معاص خاصة، وبذلك يعلم معنى قوله عليه السلام في الرواية السابقة، "لو كان خالقا لها لما تبرأ منها" إلى قوله "وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم".
ومن أقواله عليه السلام :" وَجَدْتُ عِلْمَ النَّاسِ فِي أَرْبَعٍ :أَوَّلُهَا: أَنْ تَعْرِفَ رَبَّكَ، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تَعْرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ ،
وَالثَّالِثَةُ: أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَ مِنْك ،وَالرَّابِعَةُ: أَنْ تَعْرِفَ مَا يُخْرِجُكَ مِنْ دِينِكَ .
قال العلامة المجلسي (رض) في مَعْنَى هَذِهِ الْأَرْبَعِ :
الْأُولَى : وُجُوبُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هِيَ اللُّطْفُ .
الثَّانِيَةُ : مَعْرِفَةُ مَا صَنَعَ بِكَ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْكَ لِأَجْلِهَا الشُّكْرُ وَ الْعِبَادَةُ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَهُ مِنْكَ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ وَ نَدَبَكَ إِلَى فِعْلِهِ ، لِتَفْعَلَهُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَرَادَهُ مِنْكَ ، فَتَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ الثَّوَابَ .
وَ الرَّابِعَةُ : أَنْ تَعْرِفَ الشَّيْءَ الَّذِي يُخْرِجُكَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَتَجْتَنِبَهُ " 13.
مناظراته.
للإمام الكاظم (عليه السلام) مناظرات واحتجاجات هامّة، وبليغة مع خصومه المناوئين له، كما جرت له مناظرات مع علماء النصارى واليهود، وقد برع فيها جميعها، وأفلج الجميع بما أقامه من الأدلّة الدامغة على صحّة ما يقول، وبطلان ما ذهبوا إليه، وقد اعترفوا كلّهم بالعجز والفشل معجبين بغزارة علم الإمام، وتفوّقه عليهم، منها:
1ـ مع أبي يوسف القاضي:
عن عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ أَصْحَابِهِ قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلْمَهْدِيِّ وَ عِنْدَهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ تَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ لَيْسَ عِنْدَهُ فِيهَا شَيْءٌ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ فَقَالَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَسْأَلُكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا تَقُولُ فِي اَلتَّظْلِيلِ لِلْمُحْرِمِ قَالَ لاَ يَصْلُحُ قَالَ فَيَضْرِبُ اَلْخِبَاءَ فِي اَلْأَرْضِ وَ يَدْخُلُ اَلْبَيْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا اَلْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا تَقُولُ فِي اَلطَّامِثِ أَ تَقْضِي اَلصَّلاَةَ قَالَ لاَ قَالَ فَتَقْضِي اَلصَّوْمَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَ لِمَ قَالَ هَكَذَا جَاءَ قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هَكَذَا جَاءَ هَذَا فَقَالَ اَلْمَهْدِيُّ لِأَبِي يُوسُفَ مَا أَرَاكَ صَنَعْتَ شَيْئاً قَالَ رَمَانِي بِحَجَرٍ دَامِغٍ 14.
2ـ مناظرته مع علماء اليهود:
قال الإمام الكاظم عليه السلام: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ذات يوم وأنا طفل خماسي، إذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا: أنت ابن محمّد نبي هذه الأمّة والحجّة على أهل الأرض قال لهم: نعم. قالوا : إنّا نجد في التوراة أنّ الله تبارك وتعالى آتى إبراهيم عليه السلام وولده الكتاب والحكم والنبوّة ، وجعل لهم الملك والإمامة ، وهكذا وجدنا ذريّة الأنبياء لا تتعداهم النبوّة والخلافة والوصيّة ، فما بالكم قد تعداكم ذلك ، وثبت في غيركم ، ونلقاكم مستضعفين مقهورين ، لا تُرقب فيكم ذمّة نبيّكم فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ثمّ قال : نعم لم تزل أمناء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حقّ ، والظلمة غالبة ، وقليل من عباد الله الشكور.
قالوا : فإن الأنبياء وأولادهم عُلِّموا من غير تعليم ، وأوتوا العلم تلقيناً ، وكذلك ينبغي لأئمّتهم وخلفائهم وأوصيائهم ، فهل أوتيتم ذلك
فقال أبو عبد الله عليه السلام : أدن يا موسى فدنوت ، فمسح يده على صدري ثمّ قال : اللهم أيّده بنصرك بحقّ محمّد وآله ، ثمّ قال : سلوه عمّا بدا لكم .
قالوا : وكيف نسأل طفلاً لا يفقه قلت : سلوني تفقّهاً ، ودعوا العنت
قالوا : أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران.
قلت : العصا ، وإخراجه يده من جيبه بيضاء ، والجراد ، والقمَّل ، والضفادع ، والدم ، ورفع الطور ، والمنّ والسلوى آية واحدة ، وفلق البحر.
قالوا : صدقت ، فما أعطي نبيّكم من الآيات اللاتي نفت الشكّ عن قلوب من أرسل إليه قلت : آيات كثيرة ، أعدها إن شاء الله ، فاسمعوا وعوا وافقهوا :
أمّا أوّل ذلك : أنتم تقرون أنّ الجنّ كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه ، فمنعت في أوان رسالته بالرجوم وانقضاض النجوم ، وبطلان الكهنة والسحرة.
ومن ذلك : كلام الذئب يخبر بنبوّته ، واجتماع العدوّ والولي على صدق لهجته وصدق أمانته ، وعدم جهله أيّام طفولته وحين أيفع وفتى وكهلاً. لا يعرف له شكل ولا يوازيه مثل.
ومن ذلك : أنّ سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة ، وفد عليه وفد قريش فيهم عبد المطلب ، فسألهم عنه ووصف لهم صفته ، فأقروا جميعاً بأن هذا الصفة في محمّد صلّى الله عليه وآله ، فقال : هذا أوان مبعثه ، ومستقره أرض يثرب وموته بها.
ومن ذلك : أن أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى بيت الله الحرام ليهدمه قبل مبعثه فقال عبد المطلب : إن لهذا البيت ربّاً يمنعه ، ثمّ جمع أهل مكّة فدعا ، وهذا بعدما أخبره سيف بن ذي يزن ، فأرسل الله تبارك وتعالى عليهم طيراً أبابيل ودفعهم عن مكّة وأهلها.
ومن ذلك : أنّ أبا جهل عمرو بن هشام المخزومي ، أتاه وهو نائم خلف جدار ، ومعه حجر يريد أن يرميه به ، فالتصق بكفّه.
ومن ذلك : انّ أعرابياً باع ذوداً له من أبي جهل فمطله بحقّه ، فأتى قريشاً وقال : أعدوني على أبي الحكم فقد لوى حقّي ، فأشاروا إلى محمّد صلّى الله عليه وآله وهو يصلّي في الكعبة فقالوا : إئت هذا الرجل فاستعده عليه ، وهم يهزؤون بالأعرابي فأتاه فقال له : يا عبد الله أعدني على عمرو بن هشام فقد منعني حقّي. قال : نعم ، فانطلق معه فدقّ على أبي جهل بابه ، فخرج إليه متغيّراً. فقال له : ما حاجتك قال : أعط الأعرابي حقّه. قال : نعم. وجاء الأعرابي إلى قريش فقال : جزاكم الله خيراً ، انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه ، فأخذ حقّي
فجاء أبو جهل فقالوا : أعطيت الأعرابي حقّه قال : نعم. قالوا : إنّما أردنا أن نغريك بمحمّد ونهزأ بالأعرابي قال : يا هؤلاء دقّ بابي فخرجت إليه فقال : أعط الأعرابي حقّه ، وفوقه مثل الفحل فاتحاً فاه كأنّه يريدني فقال : أعطه حقّه ، فلو قلت : لا ، لابتلع رأسي ، فأعطيته
ومن ذلك : أن قريشاً أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب إلى اليهود وقالوا لهما : إذا قدمتما عليهم فسائلوهم عنه ، وهما قد سألوهم عنه فقالوا : صفوا لنا صفته فوصفوه ، وقالوا : من تبعه منكم قالوا : سفلتنا ، فصاح حبر منهم فقال : هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة ، ونجد قومه أشدّ الناس عداوة له.
ومن ذلك : أن قريشاً أرسلت سراقة بن جعشم حتّى خرج إلى المدينة في طلبه فلحق به فقال صاحبه : هذا سراقة يا نبي الله ، فقال : اللهم اكفنيه ، فساخت قوائم ظهره فناداه : يا محمّد خلّ عنّي بموثق أعطيكه أن لا أناصح غيرك ، وكلّ من عاداك لا أصالح. فقال النبي عليه السلام : اللهم إن كان صادق المقال فأطلق فرسه ، فانطلق فوفى ، وما انثنى بعد ذلك.
ومن ذلك : أن عامر بن الطفيل وأربد بن قيس أتيا النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال عامر لأربد : إذا أتيناه فأنا أشاغله عنك فاعله بالسيف ، فلمّا دخلا عليه قال عامر : يا محمّد خالَّني -أي أخلني بك - قال : لا ، حتّى تقول أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله. وهو ينظر إلى أربد وأربد لا يحير شيئاً. فلمّا طال ذلك نهض وخرج وقال لأربد: ما كان أحد على وجه الأرض أخوف على نفسي فتكاً منك ، ولعمري لا أخافك بعد اليوم ، فقال له أربد : لا تعجل فإنّي ما هممت بما أمرتني به إلّا ودخلت الرجال بيني وبينك ، حتّى ما أبصر
ومن ذلك : أن أربد بن قيس والنضر بن الحارث اجتمعا على أن يسألاه عن الغيوب فدخلا عليه ، فأقبل النبي صلّى الله عليه وآله على أربد فقال : يا أربد ، أتذكر ما جئت له يوم كذا ومعك عامر بن الطفيل فأخبره بما كان فيهما فقال أربد : والله ما حضرني وعامراً أحد ، وما أخبرك بهذا إلّا ملك من السماء ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله. ـ وأربد هذا أخ لبيد الشاعر ـ.
ومن ذلك : أن نفراً من اليهود أتوه فقالوا لأبي الحسن جدّي : إستأذن لنا على ابن عمّك نسأله ، فدخل علي عليه السلام فأعلمه ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : وما يريدون منّي فإنّي عبد من عبيد الله ، لا أعلم إلّا ما علّمني ربّي ، ثمّ قال : إئذن لهم ، فدخلوا عليه فقال : أتسألوني عمّا جئتم له أم أنبّئكم قالوا : نبّئنا ، قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، قالوا : نعم ، قال : كان غلاماً من أهل الروم ثمّ ملك ، وأتى مطلع الشمس ومغربها ، ثمّ بني السد فيها. قالوا : نشهد أن هذا كذا.
ومن ذلك : أن وابصة بن معبد الأسدي أتاه فقال : لا أدعُ من البر والإثم شيئاً إلّا سألته عنه ، فلمّا أتاه قال له بعض أصحابه : إليك يا وابصة عن رسول الله فقال النبي صلّى الله عليه وآله : أدنهْ يا وابصة ، فدنوت . فقال : أتسأل عمّا جئت له أو أخبرك قال : أخبرني. قال : جئت تسأل عن البرّ والإثم. قال : نعم. فضرب بيده على صدره ثمّ قال : يا وابصة ، البرّ ما أطمأنّ به الصدر ، والإثم ما تردّد في الصدر وجال في القلب ، وإنّ أفتاك الناس وأفتوك.
ومن ذلك : أنّه أتاه وفد عبد القيس فدخلوا عليه ، فلمّا أدركوا حاجتهم عنده قال : إئتوني بتمر أهلكم ممّا معكم ، فأتاه كلّ رجل منهم بنوع منه ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : هذا يسمّى كذا ، وهذا يسمّى كذا ، فقالوا : أنت أعلم بتمر أرضنا ، فوصف لهم أرضهم فقالوا : أدخلتها قال : لا ، ولكن فسح لي فنظرت إليها فقام رجل منهم فقال : يا رسول الله ، هذا خالي وبه خبل ، فأخذ بردائه ثمّ قال : أخرج عدوّ الله ثلاثاً ثم أرسله فبرأ. وأتوه بشاة هرمة ، فأخذ أحد أذنيها بين أصابعه فصار ميسماً ، ثمّ قال : خذوها فإن هذا السمة في آذان ما تلد إلى يوم القيامة فهي تتوالد وتلك في آذانها معروفة غير مجهولة.
ومن ذلك : أنّه كان في سفر ، فمرّ على بعير قد أعيا ، وقام منزلاً على أصحابه فدعا بماء فتمضمض منه في إناء وتوضّأ وقال : إفتح فاه فصب في فيه فمرّ ذلك الماء على رأسه وحاركه ، ثمّ قال : اللهم أحمل خلاداً وعامراً ورفيقيهما وهما صاحبا الجمل ، فركبوه وإنّه ليهتزّ بهم أمام الخيل.
ومن ذلك : أنّ ناقة لبعض أصحابه ضلت في سفر كانت فيه ، فقال صاحبها : لو كان نبيّاً لعلم أمر الناقة ، فبلغ ذلك النبي عليه السلام فقال : الغيب لا يعلمه إلّا الله ، انطلق يا فلان فإن ناقتك بموضع كذا وكذا ، قد تعلق زمامها بشجرة ، فوجدها كما قال.
ومن ذلك : أنّه مرّ على بعير ساقط فتبصبص له ، فقال : إنّه ليشكو شرّ ولاية أهله له ، يسأله أن يخرج عنهم ، فسأل عن صاحبه فأتاه فقال : بعه وأخرجه عنك فأناخ البعير يرغو ، ثمّ نهض وتبع النبي صلّى الله عليه وآله فقال : يسألني أن أتولّى أمره فباعه من علي عليه السلام ، فلم يزل عنده إلى أيّام صفين.
ومن ذلك: أنّه كان في مسجده، إذ أقبل جمل نادٌّ، حتّى وضع رأسه في حجره ثمّ خرخر، فقال النبي صلّى الله عليه وآله: يزعم هذا أن صاحبه يريد أن ينحره في وليمة على ابنه فجاء يستغيث فقال رجل: يا رسول الله، هذا لفلان وقد أراد به ذلك. فأرسل إليه وسأله ألا ينحره، ففعل.
ومن ذلك : أنّه دعا على مضر فقال : اللهم أشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم كسنين يوسف ، فأصابهم سنون فأتاه رجل فقال : فوالله ما أتيتك حتّى لا يخطر لنا فحلّ ولا يتردّد منّا رائح. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اللهم دعوتك فأجبتني وسألتك فأعطيتني ، اللهم فاسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً سريعاً طبقاً سجالاً ، عاجلاً غير ذائب نافعاً غير ضارّ. فما قام متى ملأ كلّ شيء ودام عليهم جمعة ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله انقطعت سبلنا وأسواقنا ، فقال النبي عليه السلام : اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجابت السحابة عن المدينة وصار فيما حولها وأمطروا شهراً.
ومن ذلك : أنّه توجّه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش ، فلمّا كان بحيال بحيراء الراهب نزلوا بفناء ديره ، وكان عالماً بالكتب ، وقد كان قرأ في التوراة مرور النبي صلّى الله عليه وآله به وعرف أوان ذلك ، فأمر فدعي إلى طعامه ، فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها فقال : هل بقي في رحالكم أحد فقالوا : غلام يتيم. فقام بحيراء الراهب فاطلع فإذا هو برسول الله صلّى الله عليه وآله نائم وقد أظلته سحابة فقال للقوم : أدعوا هذا اليتيم ففعلوا وبحيراء مشرف عليه وهو يسير ، والسحابة قد أظلته ، فأخبر القوم بشأنه وأنّه سيبعث فيهم رسولاً ، ويكون من حاله وأمره ، فكان القوم بعد ذلك يهابونه ويجلونه ، فلمّا قدموا أخبروا قريشاً بذلك ، وكان عند خديجة بنت خويلد فرغبت في تزويجه وهي سيّدة نساء قريش وقد خطبها كلّ صنديد ورئيس قد أبتهم فزوجته نفسها للذي بلغها من خبر بحيراء.
۲ومن ذلك : أنّه كان بمكّة أيّام ألَّبَ عليه قومه وعشائره ، فأمر عليّاً عليه السلام أن يأمر خديجة أن تتّخذ له طعاماً ففعلت ، ثمّ أمره أن يدعو له أقرباءه من بني عبد المطلب ، فدعا أربعين رجلاً ، فقال : هات لهم طعاماً يا علي ، فأتاه بثريدة وطعام يأكله الثلاثة والأربعة فقدمه إليهم ، وقال : كلوا وسمّوا ، فسمّى ولم يسمّ القوم فأكلوا وصدروا شبعى. فقال أبو لهب : جاد ما سحركم محمّد ، يطعم من طعام ثلاث رجال أربعين رجلاً ، هذا والله هو السحر الذي لا بعده فقال علي عليه السلام: ثمّ أمرني بعد أيّام فاتّخذت له مثله ودعوتهم بأعيانهم، فطعموا وصدروا.
ومن ذلك: أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام قال : دخلت السوق فابتعت لحماً بدرهم وذرة بدرهم ، فأتيت به فاطمة عليها السلام حتّى إذا فرغت من الخبز والطبخ قالت : لو دعوت أبي فأتيته وهو مضطجع وهو يقول : أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً. فقلت له : يا رسول الله إن عندنا طعاماً ، فقام واتّكأ علي ومضينا نحو فاطمة عليها السلام ، فلمّا دخلنا قال : هلم طعامك يا فاطمة فقدمت إليه البرمة والقرص ، فغطى القرص وقال : اللهم بارك لنا في طعامنا. ثمّ قال: أغرفي لعائشة فغرفت ، ثمّ قال : أغرفي لأمّ سلمة فغرفت ، فما زالت تغرف حتّى وجهت إلى نسائه التسع قرصة قرصة ومرقاً. ثم قال : أغرفي لأبيك وبعلك ، ثمّ قال : أغرفي وكلي واهدي لجاراتك ، ففعلت ، وبقي عندهم أياماً يأكلون.
ومن ذلك: أن امرأة عبد الله بن مسلَّم أتته بشاة مسمومة ، ومع النبي صلّى الله عليه وآله بشر بن البراء بن عازب ، فتناول النبي صلّى الله عليه وآله الذراع وتناول بشر الكراع ، فأمّا النبي فلاكها ولفظها وقال : إنّها لتخبرني أنّها مسمومة. وأمّا بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات ، فأرسل إليها فأقرت ، وقال : ما حملك على ما فعلت قالت : قتلت زوجي وأشراف قومي ، فقلت : إن كان ملكاً قتلته وإن كان نبيّاً فسيطلعه الله تبارك وتعالى على ذلك.
ومن ذلك : أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : رأيت الناس يوم الخندق يحفرون وهم خماص ، ورأيت النبي عليه السلام يحفر وبطنه خميص ، فأتيت أهلي فأخبرتها فقالت : ما عندنا إلّا هذه الشاة ومحرز من ذرّة. قال : فاخبزي ، وذبح الشاة وطبخوا شقها وشووا الباقي ، حتّى إذا أدرك أتى النبي صلّى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله اتّخذت طعاماً فائتني أنت ومن أحببت ، فشبك أصابعه في يده ثمّ نادى : ألا إن جابراً يدعوكم إلى طعامه. فأتى أهله مذعوراً خجلاً ، فقال لها : هي الفضيحة قد حفل بهم أجمعين. فقالت : أنت دعوتهم أم هو قال : هو. قالت : فهو أعلم بهم. فلمّا رآنا أمر بالأنطاع فبُسطت على الشوارع ، وأمره أن يجمع التواري يعني قصاعاً كانت من خشب والجفان ، ثمّ قال : ما عندكم من الطعام فأعلمته فقال : غطوا السدانة والبرمة والتنور واغرفوا ، وأخرجوا الخبز واللحم وغطوا فما زالوا يغرفون وينقلون ولا يرونه ينقص شيئاً حتّى شبع القوم وهم ثلاثة آلاف ثمّ أكل جابر وأهله وأهدوا وبقي عندهم أيّاماً.
ومن ذلك : أن سعد بن عبادة الأنصاري أتاه عشية وهو صائم ، فدعاه إلى طعامه ودعا معه علي بن أبي طالب ، فلمّا أكلوا قال النبي صلّى الله عليه وآله : نبي ووصي ، يا سعد أكل طعامك الأبرار وأفطر عندك الصائمون وصلّت عليكم الملائكة فحمله سعد على حمار قطوف وألقى عليه قطيفة ، فرجع الحمار وإنه لهملاج ما يساير .
ومن ذلك : أنه أقبل من الحديبيّة وفي الطريق ماء يخرج من وشل ، بقدر ما يروي الراكب والراكبين ، فقال : من سبقنا إلى الماء فلا يستقين منه. فلمّا انتهى إليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثمّ صبّه في الماء ففاض الماء ، فشربوا وملؤوا أدواتهم ومياضيهم وتوضّؤوا. فقال النبي صلّى الله عليه وآله : لئن بقيتم ، أو بقي منكم ، ليتسعن بهذا الوادي بسقي ما بين يديه من كثرة مائه ، فوجدوا ذلك كما قال صلّى الله عليه وآله.
ومن ذلك : إخباره عن الغيوب وما كان وما يكون ، فوجد ذلك موافقاً لما يقول. ومن ذلك أنّه أخبر صبيحة الليلة التي أسري به بما رأى في سفره ، فأنكر ذلك بعض وصدقه بعض ، فأخبرهم بما رأى من المارة والممتارة ، وهيآتهم ومنازلهم وما معهم من الأمتعة ، وأنه رأى عيراً أمامها بعير أوْرَق ، وأنّه يطلع يوم كذا من العقبة مع طلوع الشمس فغدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقته لهم ، فلمّا كانوا هناك طلعت الشمس فقال بعضهم : كذب الساحر ، وأبصر آخرون بالعير قد أقبلت يقدمها الأورق ، فقالوا : صدق ، هذه نِعَمٌ قد أقبلت
ومن ذلك : أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشاً ، وبادر الناس إليه يقولون : الماء الماء ، يا رسول الله. فقال لأبي هريرة : هل معك من الماء شيء قال : كقدر قدح في ميضاتي ، قال : هلم ميضاتك فصبّ ما فيه في قدح ودعا وأوعاه ، وقال : ناد : من أراد الماء فأقبلوا يقولون : الماء يا رسول الله . فما زال يسكب وأبو هريرة يسقي حتّى روي القوم أجمعون ، وملؤوا ما معهم ، ثمّ قال لأبي هريرة : إشرب ، فقال : بل آخركم شرباً ، فشرب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
ومن ذلك : أن أخت عبد الله بن رواحة الأنصاري مرَّت به أيّام حفرهم الخندق فقال لها : إلى أين تريدين قالت : إلى عبد الله بهذه التمرات ، فقال : هاتيهن ، فنثرت في كفّه ، ثمّ دعا بالأنطاع وفرقها عليها وغطاها بالأزر ، وقام وصلى ، ففاض التمر على الأنطاع ثمّ نادى : هلموا وكلوا. فأكلوا وشبعوا ، وحملوا معهم ، ودفع ما بقي إليها
ومن ذلك : أنّه كان في سفر فأجهدوا جوعاً فقال : من كان معه زاد فليأتنا به. فأتاه نفر منهم بمقدار صاع ، فدعا بالأزر والأنطاع ، ثمّ صفف التمر عليها ، ودعا ربه فأكثر الله ذلك التمر ، حتّى كان أزوادهم إلى المدينة
ومن ذلك : أنّه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا : يا رسول الله ، إن لنا بئراً إذا كان القيظ اجتمعنا عليها ، وإذا كان الشتاء تفرقنا على مياه حولنا ، وقد صار من حولنا عدواً لنا فادع الله في بئرنا ، فتفل صلّى الله عليه وآله في بئرهم ففاضت المياه المغيبة ، فكانوا لا يقدرون أن ينظروا إلى قعرها بعدُ من كثرة مائها فبلغ ذلك مسيلمة الكذّاب فحاول ذلك في قليب قليل ماؤه ، فتفل الأنكد في القليب ، فغار ماؤه وصار كالجبوب
ومن ذلك : أن سراقة بن جعشم حين وجهه قريش في طلبه ، ناوله نبلاً من كنانته وقال له : ستمرّ برعاتي فإذا وصلت إليهم فهذا علامتي ، أطعم عندهم واشرب ، فلمّا انتهى إليهم أتوه بعنز حائل ، فمسح صلّى الله عليه وآله ضرعها فصارت حاملاً ودرت حتّى ملؤوا الإناء وارتووا ارتواءً
ومن ذلك : أنّه نزل بأمّ شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير ، فأكل هو وأصحابه ثمّ دعا لها بالبركة ، فلم تزل العكة تصب سمناً أيّام حياتها
ومن ذلك : أنّ أمّ جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة : تبَّت ، ومع النبي أبو بكر بن أبي قحافة فقال : يا رسول الله ، هذه أم جميل مُحْفَظَة أيّ مُغضبة تريدك ، ومعها حجر تريد أن ترميك به. فقال : إنّها لا تراني. فقالت لأبي بكر : أين صاحبك قال : حيث شاء الله. قالت : لقد جئته ولو أراه لرميته فإنّه هجاني ، واللات والعزى إنّي لشاعرة فقال أبو بكر : يا رسول الله لم تَرَك قال : لا ، ضرب الله بيني وبينها حجاباً.
ومن ذلك: كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين، مع ما أعطي من الخلال التي إن ذكرناها لطالت. فقالت اليهود: وكيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت فقال لهم موسى عليه السلام: وكيف لنا أن نعلم أن ما تذكرون من آيات موسى على ما تصفون قالوا: علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين. قال لهم : فاعلموا صدق ما أنبأتكم به ، بخبر طفل لقنه الله من غير تلقين ، ولا معرفة عن الناقلين. قالوا : نشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمّداً رسول الله ، وأنّكم الأئمّة القادة والحجج من عند الله على خلقه. فوثب أبو عبد الله عليه السلام فقبّل بين عينيَّ ، ثمّ قال : أنت القائم من بعدي ، فلهذا قالت الواقفة ، إنّه حيّ وإنّه القائم. ثم كساهم أبو عبد الله عليه السلام ووهب لهم وانصرفوا مسلمين16.
حرره الأحقر السيد عبدالله مرتضى محمد تقي الحسيني/ 23 رجب الأصب 1444ه
المصادر
1- محاضرات في الألهيات، جعفر السبحاني- تلخيص علي الكلبايكاني: ص353.
2- نفس المصدر السابق: ص354.
3- سورة البقرة، الآية 124.
4- سورة الحجر، الآية 54.
5- سورة إبراهيم، الآية 39.
6- عيون اخبار الرضا(ع)، الشيخ الصدوق: ج1ص212.
7- سورة النساء، الآية 59.
8- بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج ٤٨ ص٢٤.
9- عيون أخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق: ج ٢ ص ٣٤.
10- نفس المصدر السابق: ج2 ص126.
11- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: ج5، فصل في أفعال العباد، ص44.
12- الميزان في تفسير القران، محمد حسين الطباطبائي: ج1ص101-102.
13- بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج 75 ص328.
14- عيون أخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق: ج 1ص 78.
15- الإمام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد، الشيخ علي الكوراني: ص ۲۹٥ ـ ۳۰٦
حين يسقط القناع: قراءة نفسية في تغيّر الصديق الطيّب
بقلم الكاتب : حنين ضياء عبدالوهاب الربيعي
كان يبدو صديقًا حقيقيًا، قريبًا للروح، تتحدث إليه فيفهمك دون أن تشرح كثيرًا. عاش بينك زمنًا من المودّة والصدق الظاهري، حتى ظننت أن صداقتكما من النوع الذي لا يتبدّل. لكنك كنتَ مخدوعًا أو بالأحرى كنت ترى الوجه الذي أراد أن يُريك إياه. فجأة تغيّر. صار يتصرف بسوء، يتحدث عنك في غيابك، يذكرك بأقبح الكلام،... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ يومين
2025/11/16
احلفكم بالله ايها المحللون والاعلاميون اتركوا المنتخب العراقي وشأنه ولا تضعوا...
منذ يومين
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ يومين
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )