حَتَّى يَتَحَقَّقَ اَلتَّرَاحُمُ وَالتَّلَاحُمُ بَيْنَ أَفْرَادِ اَلْمُجْتَمَعِ وَيَصِيرُ اَلنَّسِيجُ اَلِاجْتِمَاعِيُّ مُتَمَاسِكًا يَجِبُ أَنْ يُبَادِرَ أَفْرَادُهُ إِلَى اَلتَّعَاوُنِ وَالتَّآزُرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَهَذَا مَا يَدْعُو إِلَيْهِ اَلْإِسْلَامُ اَلْحَنِيفُ وَتَعَالِيمُ اَلنَّبِيِّ اَلْأَكْرَمْ وُعْتَرْتَهْ اَلطَّاهِرَةَ وَالصَّالِحِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمَكَانٍ . وَحَتَّى يَتَحَقَّقَ اَلتَّوَازُنُ فِي اَلْعَيْشِ وَيَسْتَقِرُّ اَلدَّخْلُ اَلْمَالِيُّ لِلْإِفْرَادِ يَجِبُ أَنْ يَتَحَقَّقَ اَلْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ فِي تَوْزِيعِ اَلثَّرَوَاتِ اَلْمَالِيَّةِ بَيْنَ أَبْنَاءِ اَلْبَلَدِ ؛ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ عَدَالَةُ وَإِنْصَافُ فَإِنَّ ثَمَّةَ تَقَعُّرٌ وَتَحَدُّبٌ فِي مُسْتَوَى اَلْخَطِّ اَلْإِحْصَائِيِّ لِمُعَدَّلِ اَلدَّخْلِ اَلْمَالِيِّ أَيْ هُنَاكَ مِنْ سَتَتَكَدَّسُ فِي رَصِيدِهِ اَلْأَمْوَالَ وَهُنَاكَ مِنْ سَيَكُونُ رَصِيدُهُ يَقْرُبُ مِنْ اَلصِّفْرِ وَيُعَانِي اَلْفَقْرُ وَالْعَوَزُ . وَلِهَذَا وَرَدَ حَثَّ عَلَى اَلتَّصَدُّقِ وَإِعْطَاءِ اَلْحُقُوقِ اَلشَّرْعِيَّةِ لِمُسْتَحِقِّيهَا لِيَحْصُل اَلتَّوَازُنُ أَوْ مِمَّا يَقْرُبُ مِنْهُ وَيَنْحَسِرُ اَلْفَقْرُ وَالِاحْتِيَاجُ اَلَّذِي تَقِفُ وَرَاءَهُ مُعْظَمُ اَلْمَشَاكِلِ وَالْأَزَمَاتِ فِي حَيَاةِ اَلشُّعُوبِ . وَأَمَّا هَلْ كُلٌّ مِنْ مَدِّ يَدِهِ سَائِلاً يَعُدْ مُحْتَاجًا لِيُعْطَى مِنْ اَلصَّدَقَاتِ
فَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَبِهَ لَهُ أَبْنَاءُ اَلْمُجْتَمَعِ وَالتَّحَقُّقِ مِنْ اِدِّعَاءِ اَلسَّائِلِ وَخُصُوصًا هُنَاكَ مِنْ ضِعَافِ اَلنُّفُوسِ اِمْتَهَنُوا اَلِاسْتِجْدَاءُ وَمَدُّ يَدِ اَلسُّؤَالِ مُسْتَغِلِّينَ تَعَاطُفَ اَلنَّاسِ وَأَخْذِ صَدَقَاتِهِمْ لِمَا يَحْمِلُهُ كَثِيرٌ مِنْ اَلنَّاسِ مِنْ تَعَاطُفِ تُجَاهَ اَلْفُقَرَاءِ وَالْمَعُوزِينَ خُصُوصًا إِذَا كَانَ هَذَا اَلسَّائِلِ يُجِيدُ لَفْتَ اَلْأَنْظَارِ وَكَسْرِ اَلْقُلُوبِ تُجَاهِهِ أُمًّا بِمَنْظَرِهِ أَوْ لِسَانِهِ أَوْ بِبَعْضِ اَلطُّرُقِ لِجَلْبِ اَلْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَبَرِّعِينَ ؛ وَحِينئِذٍ سَتَذْهَبُ اَلصَّدَقَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ إِلَى غَيَّرَ مُحْتَاجِيهَا اَلْحَقِيقِيِّينَ وَرَدَ عَنْ اَلنَّبِيِّ اَلْأَكْرَمْ وُعْتَرْتَهْ اَلطَّيِّبَةَ - بَعْضُ اَلرِّوَايَاتِ اَلَّتِي تَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ اَلتَّعَامُلِ مَعَ اَلسَّائِلِ ؛ مِنْهَا :
1 . اَلْمِعْيَارُ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ صَادِقًا أَوْ غَيْرِ صَادِقٍ هُوَ اَلْوِجْدَانُ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ اَلْفَرْدُ تُجَاهَ هَذَا اَلسَّائِلِ فَإِنَّ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ اَلرَّأْفَةَ وَالرِّقَّةَ فَهِيَ عَلَامَةٌ عَلَى اِسْتِحْقَاقِ هَذَا اَلسَّائِلِ لِلصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ ؛ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) : " اُنْظُرُوا إِلَى اَلسَّائِلِ فَإِنَّ رَقَّتْ لَهُ قُلُوبِكُمْ فَأَعْطَوْهُ ، فَإِنَّهُ صَادَقَ " . وَعَنْ اَلْإِمَامِ اَلصَّادِقِ ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) - لِمَا سُئِلَ عَنْ اَلسَّائِلِ يَسْأَلُ لَا يَدْرِي مَا هُوَ - : " أَعْطِ مِنْ وَقَعَتْ فِي قَلْبِكَ اَلرَّحْمَةَ لَهُ " .
2 . هُنَاكَ خُصُوصِيَّةٌ لِلْعَطَاءِ مِنْ نَاحِيَةِ اَلزَّمَانِ وَالْوَضْعِ اَلَّذِي يَنْبَغِي إِعْطَاءَ اَلصَّدَقَةِ فِيهِ ؛ فَفِي لَيَالِي اَلْجَمْعِ وَيَوْمِهَا وَيَوْمِ عَرَفَة مَثَلاً وَأَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانْ يَنْبَغِي عَدَمَ اَلتَّرَدُّدِ فِي إِعْطَاءِ اَلسَّائِلِ مَهْمَا كَانَ اَلْعَطَاءُ قَلِيلاً فَهُوَ خَيْرُ مِنْ اَلْحِرْمَانِ عَنْ فَرُوِيَ عَنْ اَلْإِمَامِ اَلصَّادِقِ ( ع ) " اَلصَّدَقَةُ يَوْمَ اَلْجُمْعَةِ تَضَاعَفَ لِفَضْلِ يَوْمِ اَلْجُمْعَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ اَلْأَيَّامِ " وَجَاءَ فِي خُطْبَةِ اَلنَّبِيِّ اَلْإِكْرَامِ فِي اِسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانْ " اِتَّقَوْا اَلنَّارُ وَلَوْ بِشَقِّ تَمْرَةِ " وَرُوِيَ بِأَنَّ اَلْإِمَامَ اَلْبَاقِرْ ( ع ) إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَة لَمْ يَرُدْ سَائِلاً . وُورْدْ عَنْ اَلْإِمَامْ عَلِي ( ع ) " صَدَقَةُ اَلسِّرِّ فَإِنَّهَا تَكْفُرُ اَلْخَطِيئَةُ ، وَصَدَقَةُ اَلْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ اَلسُّوءِ " .
3 . سُمُوّ اَلدَّافِعِ فِي اَلْعَطَاءِ لِأَجَلِ اَلثَّوَابِ وَنَيْلِ فَضِيلَةِ اَلْعَطَاءِ وَالتَّصَدُّقِ يَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُفَكِّرَ بِالْعَطَاءِ مَهْمَا كَانَ قَلِيلاً ؛ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) : ( لَا تَرُدُّوا اَلسَّائِلُ وَلَوْ بِظِلْف مُحْتَرِقٍ ) . وَعَنْ اَلْإِمَامْ عَلِي ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) : ( لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ اَلْقَلِيلِ فَإِنَّ اَلْحِرْمَانَ أَقَلَّ مِنْهُ ) .
4 . اَلتَّعَاطُفُ مَعَ اَلسَّائِلِ وَاحْتِرَامِهِ مِنْ دُونِ صَرْفِهِ بِنَهْرٍ أَوْ اِسْتِخْفَافٍ أَوْ اِحْتِقَارٍ وَيَنْبَغِي إِكْرَامُهُ وَلَوْ بِالْيُسْرِ إِنَّ أَمْكَنَ مِنْ اَلْمَالِ أَوْ اَلطَّعَامِ أَوْ اَلدُّعَاءِ وَالْكَلَامِ اَلطَّيِّبِ لَهُ عَنْ اَلصَّادِقْ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلَامُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) : رَدُّوا اَلسَّائِلُ بِبَذْلٍ يَسِيرٍ وَبِلِينٍ وَرَحْمَةٍ فَإِنَّهُ يَأْتِيكُمْ حَتَّى يَقِفَ عَلَى أَبْوَابِكُمْ مَنْ لَيْسَ بَانِسْ وَلَا جَانْ يَنْظُرُ كَيْفَ صَنِيعُكُمْ فِيمَا خَوَّلَكُمْ اَللَّهُ " ؛ رَوَى " فِيمَا أَوْحَى إِلَى مُوسَى ( عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ) " : أَكْرَمَ اَلسَّائِلِ إِذَا أَتَاكَ بِرَدٍّ جَمِيلٍ أَوْ إِعْطَاءٍ يَسِيرُ "
5 . اَلْمُبَاشِرَةَ وَالتَّعَهُّدِ بِالصَّدَقَةِ وَإِعْطَاءَهَا لِلسَّائِلِ اَلْفَقِيرِ وَتَسْلِيمِهَا بِالْيَدِ فَلِذَلِكَ أَثَرُهُ اَلْمَعْنَوِيُّ اَلنَّفْسِيُّ وَالِاجْتِمَاعِيُّ عَنْ أَبِي بَصِيرْ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا اَلسَّلَامُ قَالَ : أَفْضَلَ اَلصَّدَقَةِ أَنْ يُعْطِيَ اَلرَّجُلُ بِيَدِهِ إِلَى اَلسَّائِلِ . وَعَنْ جَعْفَرْ بْنْ مُحَمَّدْ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ خَصْلَتَانِ لَا أُحِبُّ أَنْ يُشَارِكَنِيَ فِيهِمَا أَحَدٌ : وُضُوئِي فَإِنَّهُ مِنْ صَلَاتَيْ ؛ وَصَدَقَتَيْ فَإِنَّهَا مِنْ يَدِي إِلَى يَدِ اَلسَّائِلِ فَإِنَّهَا تَقَعُ فِي يَدِ اَلرَّحْمَنِ " ، لِذَا كَانَ اَلْإِمَامُ اَلسَّجَّادَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ يَقْبَلُ اَلصَّدَقَةَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيهَا اَلسَّائِلُ قِيلَ لَهُ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا فَقَالَ لَسْتَ أَقْبَلُ يَدُ اَلسَّائِلِ إِنَّمَا أَقْبَلَ يَدَ رَبِّي أَنَّهَا تَقَعُ فِي يَدِ رَبِّي قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ اَلسَّائِلِ .
6 . إِذَا كَانَ اَلسَّائِلُ مَجْهُولَ اَلْعَقِيدَةِ وَالسُّلُوكِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ رَدِّهِ وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى اَلتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَعْرُوفٌ بِفَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَانْحِرَافُ سُلُوكِهِ مِنْ نَاحِيَةِ مَوْقِفِهِ مِنْ اَلْحَقِّ كَأَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلَائِمَةٍ اَلْكِرَام - عَلَيْهِمْ اَلسَّلَامُ - فَيَجِبُ أَنَّ لَا يُعْطِي ، سَالَ اَلرَّاوِي اَلْإِمَامِ اَلصَّادِقْ قَائِلاً : قُلْتُ لَهُ أُعْطِيَ سَائِلاً لَا أَعْرِفُهُ قَالَ نَعِمَ أَعْطِ مِنْ لَا تَعْرِفُهُ بِوِلَايَةٍ وَلَا عَدَاوَةً لِلْحَقِّ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ( وَقَوَّلُوا لِلَناس حَسَنًا ) وَلَا تُعْطِ لَمِنْ نُصِبَ لِشَيْءٍ مِنْ اَلْحَقِّ أَوْ دَعَا إِلَى شَيْءِ مِنْ اَلْبَاطِلِ .







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN