لم نجد تطابقا في اراء الباحثين حول كيفية تمييز الحكم الثابت عن المتغير ؛ وهذه الاختلافات كانت نتيجة لتباينهم في المباني التي انطلقوا منها في التمييز بين الثابت والمتغير ، وفيما يلي اهم النظريات التي طرحت للتفرقة بين الثابت والمتغير :
النظرية الاولى : ان الثابت هو الشريعة والمتغير فهم الانسان للشريعة ، ومن يتكامل هو فهم الانسان للدين لا نفس الدين (1) .
النظرية الثانية : احكام الدين الشرعية هي الثابتة وفتاوى الفقهاء هي المتغيرة ، فالفتاوى نتيجة اجتهاد المجتهد ونظره في الادلة من العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والاصول اللفظية والاصول العملية وهي قابلة للتغير لعدم حصانة المجتهد من الاشتباه والخطأ (2).
النظرية الثالثة : تميز بين الثابت والمتغير تبعا لتغير الموضوع ، وانقسم اصحاب هذه النظرية الى ثلاثة اراء هي :
اولا : الحكم الثابت هو الذي يرجع الى فطرة الانسان وروحه المجردة التي تسمو على الزمان والمكان ، والاحكام والقوانين الثابته هي التي تتوافق مع هذه الخصوصية ، والاحكام التي ترتبط ببدن الانسان وطبيعته الارضية والزمانية فهي المتغيرة (3) .
ثانيا : اذا كان الموضوع هدف اصلي للدين كالآخرة والعدل فيعتبر ثابتا ، والا فهو متغير (4) .
ثالثا : اذا كان المضوع ذاتيا في الدين فهو حكم ثابت واذا كان عرضيا فهو متغير ، فالاحكام الذاتية لا تتغير بخلاف العرضية (5) .
النظرية الرابعة : الحكم المتغير هو الذي يتغير مصادق موضوعة باختلاف الزمان والمكان كنقفة الزوجة في قوله تعالى : {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] التي تتغير تبعا للظرف الاقتصادي للمجتمع (6).
وفي هذه النظرية فان الموضوع اي الانفاق بالمعروف غير مختلف وانما اختلفت مصاديق المعروف بين الازمنة .
يقول الشهيد الاول العاملي يجوز تغير الاحكام بتغير العادات ، فنفقة الزوجة والاقارب تتبع عادة ذلك الزمان الذي وقت فيه (7) .
النظرية الخامسة : الحكم الثابت هو الذي جعل بشكل دائم والمتغير هو الذي جعل مؤقتا ، وتتنوع الاحكام في هذه النظرية كما يلي :
اولا : الحكم الاولي : وهذا لا يمكن التلاعب به حيث ان حكم الاسلام ثابت وغير قابل للتغير كجعل الربا المحرم محللا .
جاء في اصول الكافي عن علي بن ابراهيم بسند متصل عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحلال والحرام فقال: حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجئ غيره، وقال: قال علي عليه السلام: ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة (8).
ثانيا : الحكم الثانوي : حيث ان الاحكام الثانوية متغيرة تبعا للظروف ، من قبيل جواز الاكل والشرب من دون اذن المالك عند الاشراف على الهلاك (9) .
ثالثا : الحكم الولائي : وهو غير الفتوى والقضاء وهو ما يصدر من الفقيه في منطقة المباحات لمصلحة من مصالح المسلمين (10) .
فالحاكم الشرعي يستطيع ان يغير الحكم المباح الى واجب او محرم تبعا لمصالح المسلمين والمجتمع ، ومن هذا القبيل قيام الفقيه بإصدار فتوى تحريم شراء منتجات دولة ما تعدت على كيان المجتمع والهوية الاسلامية ، كفتوى التنباك الشهيرة .
يذكر ان بعض الباحثين يذكر امرين للتمييز بين الحكم الثابت والمتغير الاول هو شكلي وفيه يتم البحث عن دليل خارجي كنص مثلا على ان هذا الحكم ثابت او متغير او الاعتماد على قرينة تفصيل الحكم دليل على ثباته والاجمال دليل على تغييره ، والثاني موضوعي وفيه ينظر الى طبيعة الحكم للتوصل الى كونه ثابت او متغير (11) .
والراجح ان جميع ما ذكر من النظريات فيها جنبة من الصواب لان كل واحدة منها ناظرة للموضوع من جهة او زاوية معينة ، فلا بأس بتبنيها ولكن يجب ان يكون الفقيه المجتهد الجامع للشرائط هو من يطبقها على مضانها ومواردها لا اي شخص آخر ، فهذه القواعد والمباني في تمييز الحكم الثابت والمتغير تحتاج الى الخبير والمختص الذي يمتلك الادوات اللازمة لتطبيقها والشخص الذي يمتلك هذه المؤهلات هو الفقيه المجتهد الخبير بأمور التشريع والحكم .
1- عبد الكريم سروش ، فيض وبسط ، تتوريك شريعت ، مؤسسة فرهنگى سراط ، طهران ، سنة 1377 هـ ش ، ص 181 ، نقله حسن علي اكبريان ،مصدر سابق ، ص 50.
2- لطف الله الصافي الكلبايكاني ، مجموعة الرسائل ، مكتبة الشيعة shiaonlinelibrary.com ، الرسالة 8 ، ج1 ، ص176 .
3- عبد الله جوادي املي ، ولاية فقيه ، رهبري دار سلام ، مركز نشر فرهنكى رجاء ، قم ، 1367 هـ ش ، ص 21 ، نقله عنه حسن علي اكبر يان ، مصدر سابق ، ص58.
4- عبد الكريم سروش ، مصدر سابق ، ص 191 ، نقله عنه حسن علي اكبريان ، مصدر سابق ص 59.
5- عبد الكريم سروش ، المصدر السابق ، ص605 ، نقله عنه حسن علي اكبريان ، المصدر السابق ص 59.
6- حسن علي اكبريان ، المصدر السابق ، ص71 .
7- محمد بن مكي العاملي ، القواعد والفوائد ، قم ، مكتبة المفيد ، ج1 ، ص152.
8- محمد بن يعقوب الكليني ، اصول الكافي ، بيروت ، الاعلمي للمطبوعات ، سنة ٢٠٠٥ ، كتاب العقل والجهل ، فضل العلم ، باب البدع والراي ، ح ١٩ ، ص ٣٨ .
9- انظر : علي الحسيني السيستاني ، منهاج الصالحين ، بيروت ، دار المؤرخ العربي ،سنة 2018، ج٣ ، نفقة الاضطرار ، المسائل ٤٦١-٤٧٣ ، ص ١٣٦-١٤٠.
10- ضياء عدنان الخباز القطيفي ، وجها لوجه بين الاصالة والتجديد ، قم ، دار زين العابدين ، سنة ٢٠١٢ ، ص ٨٦-٨٧.
11- جمال الدين عطية ، الواقع والمثال في الفكر الاسلامي المعاصر ، بيروت ، دار الهادي ، سنة ٢٠٠١ ، ص٢٧ .







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN