الطاقة المستدامة (المتجددة)  

اتضح عند الحديث عن الاستدامة البيئية بان جوهرها يكمن في المحافظة على البيئة عبر اجراءات وافعال مدروسة تكون في جوهرها صديقة للبيئة في مخرجاتها، والطاقة المستدامة Sustainable energy هي تعبير عملي عن التوجه البيئي  لمنظمات الاعمال وفي سعيها لتخضير اعمالها عبر ما تستخدمه أو حتى ما تنتجه من طاقة بديلة عن الطاقة التقليدية. وقبل البحث في الطاقة المستدامة ونماذجها لا بد من تحديد معنى الطاقة، اذ يعرفها اصحاب الاختصاص من الفيزياويين بانها كمية ثابتة موجودة في العالم بشكل دائم وهي لا تفنى ولا تستحدث من العدم، وانما تتحول من شكل إلى آخر. وعندها يبدو للوهلة الأولى بأن الطاقة قد استنفدت فأنها في الحقيقة قد تحولت الى صورة أخرى، فالطاقة قدرة المادة للقيام بالشغل (الحركة) ولهذا يطلق عليها بالطاقة الحركية. 

والطاقة توجد في عدة اشكال منها الطاقة الميكانيكية، والحرارية، والكيميائية الكهربائية ،الاشعاعية ، الذرية.. الخ. وكل شكل من اشكال الطاقة قابلة للتحول الداخلي بواسطة طرقها الخاصة المرتبطة بها. واذا ما أردنا أن نحدد معنى الطاقة المستدامة فأنها تعني تلك الطاقة المستمدة من الموارد الطبيعية والتي يمكن تجديدها ولا تنفذ . ومصادر الطاقة المستدامة هي مختلفة في جوهرها عن الوقود الأحفوري (البترول، الفحم ، الغاز الطبيعي)، حيث لا ينشأ عن الطاقة المستدامة في العادة مخلفات كثاني اكسيد الكربون او أي غازات ضارة تعمل على زيادة الانحباس الحراري . ومصادر الطاقة المستدامة طبيعية ومتنوعة وتكمن في الغالب بطاقة الرياح ،المياه، الشمس، حرارة الأرض الباطنية، المحاصيل الزراعية والاشجار المنتجة للزيوت.. الخ. وعليه اصبح من المألوف اليوم أن يتم انتاج الطاقة الكهربائية باستخدام مصادر للطاقة متجددة (بديلة)، وأن هنالك بلدان وضعت في خططها لزيادة انتاجها للطاقة المتجددة بحيث تغطي احتياجاتها من الطاقة بنسبة 20% من  استهلاكها وذلك بحلول عام 2020. وفي مؤتمر كيوتو باليابان عام 2007 اتفق معظم رؤوساء الدول على تخفيض انتاج CO2 في الاعوام اللاحقة لتجنب التهديدات الرئيسة لتغير المناخ بسبب التلوث واستنفاد الوقود الأحفوري. 

لذلك فأن العديد من دول العالم والمتقدمة منها بشكل خاص تفرض ضريبة على استخدام الطاقة التقليدية وذلك لحماية البيئة، ويصطلح عليها بالضريبة الخضراء Green Tax حيث يتحمل المستخدم للوقود الأحفوري ضريبة لتشجيعه وتحفيزه على التحول الى الطاقة البديلة التي لا ينبعث منها غاز CO2 من أجل الحفاظ على البيئة وحمايتها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل أن الحكومات تعمل على تقديم اعفاءات ضريبية لمستخدمي الطاقة المتجددة لتشجيعهم على استخدامها، وهذا ما يقود إلى تحقيق الدورة الاقتصادية البيئية والتي يقصد بها تكوين بيئة سليمة ونظيفة من شأنها أن تمد الاقتصاد القومي بالمقومات الاساسية من موارد طبيعية لتفعيل عجلة الاقتصاد وبكلفة وضرر اقل أو حتى محدود في البيئة. وهذا من شأنه أن ينعكس على الارتقاء بمستوى نوعية الحياة الطبيعية وتشجيع المستثمرين على توجيه استثماراتهم في مجال حماية البيئة وتحسينها ، وهذا ما يصطلح عليه الاستثمار الاخضر Green Investment والذي يكون قادراً على تزويد المستثمرين بأفكار واستكشافات جديدة لمصادر متعددة للطاقة ونظيفة بذات الوقت. وبالمحصلة النهائية فأنها ستعود عليهم بمنافع اقتصادية مضافة، وليعبّروا أيضاً عن مستوى تحملهم للمسؤولية الاجتماعية في اعمالهم تجاه البيئة والمجتمع. وتشير المعلومات إلى أن هنالك ما يقرب من (65) دولة في العالم تخطط للاستثمار في الطاقة المستدامة وعملت على وضع السياسات اللازمة لتطوير وتشجيع الاستثمار فيها.

طاقة الرياح

استثمر الإنسان ومنذ القدم الرياح كمصدر من مصادر الطاقة، فقد تم أستخدامها الفراعنة في تسيير المراكب في نهر النيل واستخدمها الصينيون بعد تحويلها الى طاقة ميكانيكية في ادارة طواحين الهواء لرفع وضخ المياه الجوفية، كما استخدمت لاغراض ادارة عجلات ماكينات الطحن وتشغيل مناشير الخشب. وتتكون طاحونة الرياح (عنفة الرياح ) من شفرات دوار تحمل على عمود وبها مولد يعمل على تحويل الطاقة الحركية للرياح إلى طاقة كهربائية. فعندما تمر الرياح على الشفرات تخلق دفعة هوائية تتسبب في تحريك ودوران الشفرات وهذا الدوران يقوم بتشغيل المولد لينتج طاقة كهربائية.

كما يتم تجهيز تلك المولدات بجهاز تحكم في دوران الشفرات (فرامل) لتنظيم معدل دورانها ووقف حركتها اذا لزم الأمر. وتعتمد كمية الطاقة المنتجة من طواحين الرياح على سرعة الرياح وقطر الشفرات، لذلك يتم وضع هذه الطواحين في مناطق ذات مجرى هوائي قوي ومستمر. فضلاً عن وجوب أن تكون هذه الطواحين مرتفعة عن سطح الأرض حيث تزداد سرعة الرياح بالارتفاع عن سطح الأرض. وهذه الطواحين توضع بشكل متقارب نسبياً ولتحتل مسافة كبيرة وتسمى بمزارع طواحين الهواء.

تعتبر الطاقة الكهربائية المنتجة من طواحين الهواء طاقة مستدامة وأمنة ولا يصدر عنها أي ملوثات مضرة بالبيئة، وهي بذات الوقت تعبير عن التوجه لحماية البيئة ومواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، من خلال العمل على تقليل استخدام الوقود الأحفوري ( 158.Makower, 2009, p). لهذه الاسباب وغيرها تسعى الشركات المنتجة لتوربينات الرياح وعبر التقدم التكنلوجي الذي تعتمده في عملها الى تخفيض تكلفة الطاقة المتجددة من الرياح لتوسيع انتشارها. وللاشارة هنا فأن شركة Siemens التي تعتبر من الشركات الرائدة في تجهيز توربينات مزراع الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية المستدامة قد حققت مبيعات قدرها (25) مليار دولار عام 2010 وبزيادة قدرها (17) مليار عن السنة  2009 ( 16.Weber, 2010.p ). والمربع (2) يوضح بعض الاحصاءات عن انتاج الطاقة الكهربائية من خلال طاقة الرياح.

ومن المناسب الاشارة في القول هنا أن الاستثمار في طاقة الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية ليس حصراً على دول أوروبا وامريكا، فقد بدأت الدراسات والافعال التنفيذية لها في الدول العربية لوجود امكانات للتنفيذ ورغبة في اقامة مشاريع بيئية مستدامة للحفاظ على البيئة وحمايتها. ومن النماذج المقامة لمزراع طواحين الرياح في الوطن العربي هو في مدينة سيدي وادي (تونس) ومحطتا حوفا والابراهيمية في اربد بالأردن.