أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-09
439
التاريخ: 2024-09-02
367
التاريخ: 28/10/2022
1655
التاريخ: 4-1-2016
4890
|
يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]
كما سبق بيانه في المباحث التفسيرية فإنه تذهب إلى أنه ليس لعناوين الأديان بحد ذاتها أهمية أو اعتبار وإن الإيمان الظاهري بها من دون نفوذ محتواها إلى القلب والجارحة ومن غير العمل الصالح في البدن والجارحة لا يداوي جرحاً؛ أي كما أن هذه الآية (في حال كون المراد من عبارة الذين هادوا والنصارى والصابئين اليهود والمسيحيين والصابئين في عصر نزول القرآن) تبشر غير المؤمنين على سبيل النجاة غير موصد في وجوههم وأن ما ورد في الآيات السابقة ذلة اليهود ومسكنتهم هو قابل للرفع بالتوبة، فإنّها تنذر المؤمنين أيضاً أن مجرد ادعاء الإيمان غير مُجد للنجاة في المعاد، وقد تكرر هذا الإنذار في آيات أخرى عديدة أيضاً سواء للمنافقين الذين لا إيمان لهم أو للفاسقين من ذوي الإيمان الضعيف؛ فهو عز من قائل يقول بحق المنافقين: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] ، ويقول في الفاسقين من ذوي الإيمان الضعيف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]
على أنه من الممكن أيضاً أن تشكل الآية محط البحث إنذاراً لليهود فكأنه والنصارى والصابئين في ذات الوقت الذي تكون فيه بشرى لهم. سبحانه وتعالى يقول: لا يخدعنكم مجرد الاسم والعنوان لقبول دين الوحي ولا تكونوا فرحين بحزبكم وطائفتكم: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] فلا تحسبن كل فرقة أنها الفرقة الناجية؛ فيقول اليهود {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ، ويقول النصارى والمسلمون كذلك: لن يدخل الجنة إلا نحن؛ وذلك لأن الأنبياء قد بعثوا لهدف واحد وإن أصلاً جامعاً يحكمهم جميعاً ألا وهو الإيمان بالأصول العقائدية والامتثال للأحكام العمليّة: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [البقرة: 62] هذا على الرغم من أن كل نبي يثبت صدق من سبقه من الأنبياء ويوطئ لظهور الأنبياء أو النبي الذي يليه، حتى ظهر خاتم الأنبياء (صلى الله عليه واله وسلم) الذي أعلن عن مقام الخاتمية، حيث إنه صدق من مضى من الأنبياء فحسب، ولم يبشر بنبي يأتي من بعده.
وتاسيسا على ما مضى فإن الاية مورد البحث شبيهة بالاية من سورة النساء: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] مع فارق واحد وهو أن آية سورة «النساء» تشير إلى البعد السلبي من القضية (إن من يأتي بالسيئة فهو يعاقب، سواء كان مسلماً أو غير مسلم)، إلا أن الآية مدار البحث والتي تكررت في سورة «المائدة» مع تفاوت بسيط ناظرة إلى البعد الإيجابي منها حيث تقول: إن كل من عمل صالحاً فإنه سيثاب عليه، سواء كان مسلماً أم غير مسلم.
على أي حال، فإنه يستشف من مجموع هذه الآيات بأن السعادة هي رهن بالإيمان والعمل الصالح، وليس بالاسم والعنوان. وبعبارة اخرى فإن العامل وراء سعادة المرء هو تمتعه بالحسن الفعلي والفاعلي؛ أي حيازة الاعتقاد الصائب والعمل الصالح.
وهنا نرى من المفيد أن نشير إلى بضع نقاط:
أ: إن لزوم ضم العمل الصالح إلى الإيمان هو شرط للثواب؛ بمعنى أنه من أجل نيل الثواب فإنه لابد من إرداف الحسن الفاعلي بالحسن الفعلي، لكنه يكفي الإتيان بالعمل الطالح من أجل العقاب؛ أي إن الإنسان العاصي سوف ينال جزاء أفعاله سواء كان كافراً أم مسلماً. طبعاً إذا قام بفعل نتيجة الجهل بالموضوع أو الجهل القصوري بالحكم أو جراء السهو والنسيان أو الاضطرار والإكراه وما شابه ذلك فلا يصدق عليه عنوان المعصية ولا يكون فيه قبح فعلي. والغرض هو أنه من أجل العقاب على الذنب يكفي مجرد كون الفعل معصية، سواء كان فاعله كافراً أم مسلماً؛ من هذا المنطلق فإن القرآن الكريم يقول في الثواب: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]؛ أي إنه ألحق هذا القيد: (وهو مؤمن) بشرط: (يعمل من الصالحات)، في حين أنه يقول بخصوص العقاب بشكل مطلق: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 123] ؛ بمعنى أنه لم يضف قيد «وهو كافر» إلى جملة: (يعمل سوءا).
على أي حال فإن الكافر الذي يأتي بفعل صالح قد ينال ثواباً دنيوياً أو يخفف عنه العذاب يوم القيامة إلا أنه لن يكون من أهل الجنة، والحال أن الإنسان المنحرف وإن كان مؤمنا فإنه سينال جزاء أعماله وسيعذب بمقدار سيئاته.
ب: ما يقال من أنه لدخول الجنة لابد من اجتماع الحسن الفعلي والفاعلي فذلك عندما يكون كلاهما معتبرين؛ فإذا كان الشخص محكوماً بالعمل الصالح ولم يأت به عالماً عامداً وبقي دينه في رقبته فإنه لن يدخل الجنة قبل التطهير أو تأدية ما في ذمته من دين إلهي؛ وبناء عليه فإن من يعتنق الإسلام ثم توافيه المنية قبل حلول زمن الإمتثال للواجب فهو من أهل الجنة، مع أنه فاقد للحسن الفعلي، أو إذا تطهر المجرم العاصي من خلال التعذب في جهنم ولم يعد أثر للسوء فيه فإنه سيكون من أهل الجنة وإن فقد الحسن الفعلي: إذن فإن اعتبار الأمرين المذكورين متعلق بالشخص المكلف بالعمل الصالح.
ج: ليس لكون المرء ذكراً أو أنثى دخل في سعادته أو نجاته: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124] ، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، بل إذا كانت حقيقة المرء أنه مؤمن وأتى بالعمل الصالح فهو من أهل الجنة ولا دخل للذكورة أو الأنوثة في حقيقة الإنسان. فالذكورة والأنوثة هما صفتان للبدن ومتعلقتان بجنس الإنسان، وليس بفصله، وإن الإنسان من حيث كونه إنساناً، أي بلحاظ صورته النوعية وفصله الأخير فهو ليس بمذكر ولا بمؤنث.
وليس من لوازم هذا الكلام تساوي المرأة والرجل على النحو الذي يتصوره المفكرون الماديون؛ لأن هؤلاء يتصورون حقيقة الإنسان أنها جسده المادي فيقسمونه إلى مذكر ومؤنث ويعتبرون قسميه متماثلين، والحال أن القرآن الكريم يؤكد على أن حقيقة الإنسان هي روحه، والأخيرة هي لا مذكرة ولا مؤنثة؛ كما أنها لا بيضاء ولا سوداء ...الخ. على هذا الأساس يقول الإمام السجاد (عليه السلام): «خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان عبداً حبشياً» (1).
يستنتج من ذلك أنه في الكمالات الإنسانية كالولاية التكوينية، والعصمة، والعدالة، والفقاهة فإنه لا يكون التذكير شرطاً ولا التأنيث مانعاً؛ في المسائل التنفيذية ـ وفقاً لما هو مشهور بين الفقهاء ـ فقد أنيطت بعض المناصب ـ نظير الحكومة، والقضاء، والغزو، والمرجعية وما إلى ذلك ـ بالرجل فحسب؛ هذا وإن كان هناك تأمل في اختصاص بعضها بصنف الرجال؛ كما أن مرجعية المرأة بالنسبة للنساء ليس فيها محذور.
ــــــــــــــــــــــــ
1. مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 164؛ وبحار الأنوار، ج46.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|