المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2652 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


المدرسة الاندلسية  
  
7615   05:54 مساءاً   التاريخ: 12-08-2015
المؤلف : سعيد الأفغاني
الكتاب أو المصدر : من تاريخ النحو
الجزء والصفحة : ص95- 108
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة البغدادية / نشأة النحو في بغداد وطابعه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-03-2015 17531
التاريخ: 3-03-2015 7663
التاريخ: 3-03-2015 5559
التاريخ: 12-08-2015 7616

كان الشاميون في الجيش الأندلسي الفاتح جندا متميزا، فلما انقضى الفتح واستوطن الفاتحون الأندلس يعمرونها بحضارتهم وأخلاقهم وما أشرقوا به على الدنيا من قيم سامية وتعاليم نبيلة، تفرق جند الشام على أمصار الأندلس، فمن ثم يجد الممعن في تاريخ الأندلس سمات بارزة من آثار الشام في العادات والأخلاق والحضارة والمعالم والعمران، كما يجد زائر الأندلس اليوم بقايا مما ذكرت ماثلة للعيان حتى على سحن السكان اليوم, وبعض عاداتهم الحميدة.
من ذلك العلوم الإسلامية التي انتقلت إلى الأندلس مع الجند الفاتح ومن أتى بعدهم، من شريعة وقرآن، وحديث ورياضيات وفلسفة
(1) ... إلخ.

ص95

وكان للنحو في الأندلس نشاط ملحوظ مر بشبه الخطوات التي سارها في المشرق، بدأ علماء العربية يدرسون النصوص الأدبية شعرا ونثرا دراسة فيها لغة وأدب ونحو وحديث وقرآن، ثم بدأت الفنون تتميز مع الزمن، وكان أول كتاب دخل الأندلس من كتب النحو كتاب الكسائي(2)، ثم كتاب سيبويه؛ فلما دخل كتاب سيبويه عكف عليه الأندلسيون دراسة وحفظا، واشتهر بحفظه عدد منهم, ثم تولوه تدريسا وشرحا وتعليقا. فطبع نحو الأندلس بالطابع البصري في أغلب مسائله ثم بدأ الأندلسيون محاولاتهم في التأليف, وعُرف من أعلامهم أبو علي القالي مؤلف "الأمالي" و"البارع" و"فعلت وأفعلت" و"المقصور والممدود"، ثم ابن القوطية صاحب كتاب "الأفعال"، "وكانت أذيع كتب النحو على أيام ابن حزم في المائة الخامسة تفسير الحوفي لكتاب الكسائي" وتتابع علماء الأندلس في شرح كتب المشرق المشهورة وشرح شواهدها، واشتهر من نحاتهم في المائة السابعة ابن خروف "602" وابن عصفور الإشبيلي "62" والشلوبيني، بعد البطليوسي "521" وابن الطراوة والسهيلي "583" من أعلام المائة السادسة.
وكان خاتمة علماء الأندلس اثنان رُزقا الشهرة ورحلا إلى المشرق, فبثا علمهما فيه وكثرت تواليفهما, وكتب لها الذيوع حتى

ص96

عصرنا هذا، عنيت الإمام ابن مالك الجياني صاحب الألفية, والإمام أبا حيان الغرناطي صاحب التفسير الكبير "البحر" و"الارتشاف" في النحو.
عكف علماء الأندلس إذًا وطلابه على كتب البصريين والكوفيين فدرسوهما واختاروا منهما، وتكوّن لهم مذهب خاص
(3) كانوا فيه إلى مذهب البصريين أميل، وكذلك كان أكثر العلماء الوافدين عليهم من المشرق(4) أو النازحين إليه منهم لطلب العلم. وهكذا كان رأس العلوم عندهم لنحو والشعر. ويتحدث عن نزعتهم هذه ابن سعيد فيقول: "النحو عندهم في نهاية من علوّ الطبقة"(5).
فلما نزح متأخروهم بعد النكبة، بعضهم إلى المغرب وبعضهم إلى الشام ومصر، نشروا علمهم في هذه الأقطار، وكان مذهبهم كذلك بصريا في أكثره.... إلى أن جاء ابن مالك الجياني الأندلسي نزيل دمشق ثم ابن هشام الأنصاري بعده "ولم يكن أندلسيا" فجددا في النحو بعض التجديد, وكانا يميلان إلى التوسعة, فرجحا في بعض المسائل أقوال الكوفيين حين رَأَيَا الرواية الصحيحة تؤيدهم، ولم يتعبدا

ص97

بأقوال البصريين(6) ، واستشهدا بالحديث، فكانا مجتهدينِ إلى حد ما، ذويْ أثر بالغ في الدراسات النحوية، وما زالت كتبهما تدرس حتى الآن في معاهد العلم، وخدمت بشروح وحواشٍ وتقريرات كثيرة.
كنت رأيت قبل سبع عشرة سنة: أن النحو الأندلسي مر بشبه الخطوات التي سارها في المشرق، وأن طابعه الغالب الذي استقر طابع القياس الذي شرعه نحاة البصرة، وأن الأندلسيين أشبهوا في هذا أيضا الشاميين حين أضافوا إلى ذلك عناية بالغة بالسماع
(7).
فلما كنت في رحلة علمية تضمنت زيارة الأندلس وطلب إليّ القائمون على صحيفة "معهد الدراسات الإسلامية في مدريد" الإسهام بموضوع في مجلتهم، وكان السؤال المطروح:
"
هل في النحو مذهب أندلسي؟ "
(8).
تساءلت: أليس هناك جديد أضيفه إلى ما تقدم عن نحو الأندلس؟
إن رحلة قمت بها سنة 1956م باحثا في نفائس المخطوطات بالأسكوريال ومكتبات المغرب العامة والخاصة جعلتني أتهيب الجواب, وأنا موقن أنه لن نصل إلى ما تطمئن إليه النفس

ص98

حتى يُنشر قدر كافٍ من هذه النفائس المضنون حتى بأسمائها، وحتى يسهم في التعاون على ذلك أفاضل المغاربة وهم -على ما تحققت بنفسي- غير قليل، فيبحث كل فيما تصل إليه يده من كتب الفن, يصفها ويصنفها وينشر ذلك مع ما ينتهي إليه من رأي في هذه المسألة، فإذا شاعت هذه الآراء رجوت أن تضيء المذاكرة حولها نواحي مظلمة في تاريخ النحو. ولأحاول الآن قول شيء في الموضوع مع خفوت الشعاع وضياع المعلوم النزر في المجهول الغزير, ولا جود إلا بالموجود كما يقولون.
يعرف المطلعون عناية الأندلسيين بعلم النحو منذ الزمن الأقدم، ويحفظون كلمة ابن سعيد: "النحو عندهم في نهاية من علوّ الطبقة"
(9) وليس في هذا مبالغة قط. ولقد حلا لي استشارة الأرقام فعمدت إلى "بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة" للسيوطي، فأحصيت ما فيه من تراجم فإذا هو نحو من "2450" ترجمة لعلماء من جميع الأقطار الإسلامية بين الصين وبحر الظلمات، ووجدت للأندلسيين بينها نحوا من "712" ترجمة، وهذه نسبة عالية جدا أن يبلغ في هذا المصدر علماء هذا القطر القليل المساحة قريبا من ثلث علماء العالم الإسلامي كله.
وما أكثر ما تتكرر هذه المدن والقرى الأندلسية في تراجمهم ونسبهم: باجة، شريش، بلنسية، جيان، مالقة، سرقسطة، دانية، بياسة، المرية، قلعة رباح، لبلة، لوشة، مورور،

ص99

إستجة، الجزيرة، شلب، شذونة، وادي الحجارة، أشونة، بطليوس، رية ... إلخ. أما الحواضر الكبرى كقرطبة وغرناطة وإشبيلية وطليطلة فحدث عن كثرة ورودها ولا حرج.
فإذا ألم بخاطرك ما لكل من هؤلاء العلماء الـ "712" من تواليف، دار رأسك من كثرتها وعرفت: لِمَ يتهيب الباحث من إطلاق حكم في تراث لم يطلع منه على عشرة كتب من عدة آلاف؟ ومع هذا فإلقاء لمحات جزئية هنا وهناك في الموضوع لا يضر، بل هو تمهيد للوصول إلى النظرة المحيطة الشاملة على قدر الإمكان، وتجنيب لما يمكن أن يقع فيه الباحث من أخطاء شائعة.
لا يخطئ دارس مطولات النحو أن يقع على آراء لأندلسيين في جزئيات نحوية، فأسماء ابن خروف "609هـ" وابن عصفور "597-663هـ" والشلوبيني "562-645هـ" وابن الضائع "680" وغيرهم تذكر بين أسماء النحاة المشارقة حين عرض الآراء في الخلاف، إلا أن متصفحها لا يجد فيها ما يميزها من غيرها من التخريجات المختلفة المعروضة في القضية الواحدة, أو بعبارة أخرى: ليس لآراء الأندلسيين هؤلاء سمات مدرسة خاصة.
ويريد بعض الناس أن يذكر ابن مالك"600-672هـ" وأبا حيان "654- 745هـ" علمين بارزين لمدرسة أندلسية كان لها أثر واسع في النحو وتعليمه في المشرق، وهذا ظن يروج ابتداء لكنه لا يثبت عند النظرة الفاحصة الأولى:

ص100

فابن مالك خرج من الأندلس إلى المشرق صغيرا، ولم يذكروا له شيخا في النحو غير الشلوبيني، قالوا: إنه قرأ عليه نحوا من ثلاثة عشر يوما، فلما حل الشام سمع من بعض شيوخها، ولم يجد له أبو حيان بعد البحث "شيخا مشهورا يعتمد عليه؛ لأنه إنما أخذ هذا العلم من خاصة نفسه"1، "وصرف همته إلى إتقان لسان العرب, حتى بلغ فيه الغاية"(10).
وأمر أبي حيان قريب من أمر ابن مالك: خرج من الأندلس هاربا في شبيبته وكان قرأ على بعض شيوخها, ثم أتم قراءته وزاول الإقراء في المغرب والمشرق. فإن اعتبرنا الشكل الصوري كان أثر التعليم الأندلسي في أبي حيان قليلا وفي ابن مالك أقل بكثير؛ وإن اعتبرنا الجوهر -وحق اعتباره- وجدنا نحو هذين الرجلين في تواليفهما مشرقيا محضا. أما كونهما ذويْ أثر واسع في النحو وتعليمه في الشرق فهذا صحيح ومرده إلى شخصيتيهما لا إلى أندلسيتهما، فأسلوب ابن مالك في نظم مسائل العلم وشرحها وغيرته المخلصة الحارة في نشره وإقرائه أغريا عصرييه، وكان لهما أكبر الأثر في حياته، فانتفع الناس بعلمه، وما زال الله ينفع به إلى يوم الناس هذا. أما أبو حيان فآثار حواضر المشرق العلمية في كتبه أظهر من أن تخفى.
والشيء الذي يجوز أن يناقش هنا ما ذكروا من أن ابن مالك وابن خروف شرعا الاستشهاد بالحديث الشريف والاحتجاج به في قضايا اللغة والنحو، فخالفا بذلك -زعموا-

ص101

سنة من قبلهم من النحاة، وإذ كانا أندلسيين جعل بعضهم هذا الاحتجاج مذهبا أندلسيا.
وكل ذلك وهم لا يقره تاريخ الفن، ولعل الذي حداهم عليه كلمة أبي حيان في شرح التسهيل: "إن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي والفراء وعلي بن مبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين لم يفعلوا ذلك" ا. هـ. والتحقيق عير هذا: فالجوهري، وابن سيده، وابن فارس، وابن جني، وابن بري، ومن بعدهم من أصحاب المعجمات وكتب النحو، كلهم احتج بالحديث، بل قال السهيلي: "لا نعلم أحدا من علماء العربية خالف في هذه المسألة إلا ما أبداه الشيخ أبو حيان في شرح التسهيل, وأبو الحسن الضائع في شرح الجمل, وتابعهما على ذلك الجلال السيوطي"
(11).
فنزعة الاحتجاج بالحديث إذًا مشرقية قديمة, وإنما سار ابن مالك وابن خروف سيرة من قبلهما من الأئمة المتبوعين في المشرق, ومع جزئية هذه القضية ليس فيها مذهب أندلسي. وبذلك ننتهي من نقاش كل ما قيل في الموضوع لأقف وقفة جديدة مع ابن حزم في كتاب عرفه الباحثون العام الفائت.

ص102

أرقى صعدا في تاريخ النحو مائتي سنة قبل وفاة ابن مالك لأمعن في نص لابن حزم، وهو إمام أندلسي ما رأى المشرق قط، بل ما جاوز "الزقاق" إلى عدوة المغرب -فيما أذكر الآن- وهي منه على قاب قوس، فهو خالص الأندلسية.
ولا تعجب من وقوفي على ابن حزم ولم يذكر له كتاب في النحو ولا عرف بإمامة فيه؛ لأنه لا يلزم من اهتمامه بعلوم الشريعة وتركه فيها المؤلفات الجليلة الحسان التى سارت بذكرها الركبان ألا يكون من أولي الشأن في النحو بل من أهل الرأي في أصوله، ومن غير البعيد لو تركت له الشريعة فراغا أن يترك في النحو آثارا أصيلة مبتكرة أيضا.
وأي كان, فقد عرج عرضا في كتابه "التقريب لحد المنطق" على أحد الآساس التي بني عليها النحو, فوضع تحته هذه المتفجرة الصغيرة
(12).
"
وأما علم النحو فـ "يرجع" إلى مقدمات محفوظة عن العرب الذين نريد
(13) معرفة تفهمهم للمعاني بلغتهم، وأما العلل فيه ففاسدة جدا".
وهذا إبطال للقياس جملة؛ لأن القياس "حمل غير المنقول

ص103

على المنقول في حكم لعلة جامعة بينهما"(14) فإذا كانت العلل فاسدة فسد القياس حتما؛ إذ عليها بني. وقولة ابن حزم هذه تشريع لنحو جديد لو وجد له منظمون.
ومع أني لا أعقل أبدا نحوا لا قياس فيه، وددت لو تضافر بعد ابن حزم نحاة حاولوا أن يتركوا لنا مخططا كاملا لنحو "ظاهري" لا قياس فيه ولا تعليل، كما فعل هو حين استطاع أن ينفي عن الشريعة القياس والتعليل, فترك تراثا ضخما لمذهب متماسك متين وفق فيه إلى حد بعيد.
وهذا من طبيعة الأشياء، للفارق العظيم بين الشريعة واللغة: فالله قد أكمل الدين، ولم ينتقل الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى الرفيق الأعلى حتى بيّن للناس كل ما يجب أن يعرفوه من حلال وحرام؛ أما اللغة فلا سبيل إلى حصرها في جمل لا يتعداها الناس إلى يوم القيامة، بل هي متجددة متوالدة كل لحظة منذ المتكلم الأول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولو حاول أحد من الأندلسيين البناء على الأساس الذي ألقاه ابن حزم لصح -مع شيء غير قليل من التسامح والتجوز- أن يكون من ذلك مذهب أندلسي إلى حد ما، أما رسالة ابن مضاء فليست هناك
(15).

ص104

قلت: "مع شيء غير قليل من التسامح والتجوز" و"إلى حد ما" لأن القول بضعف بعض العلل النحوية قديم متعارف في المشرق حتى جرى به المثل فقيل: "أضعف من حجة نحوي" على ما في هذا القول من مبالغة وخطأ في التعميم. وعلماء هذا الشأن أحاطوا بذلك وأشاروا إليه وعلموه، وصرح الخليل بن أحمد "175م" قبل ابن حزم بنحو ثلاثة قرون أنك لا تصل إلى ما تحتاج إليه من النحو حتى تتعلم ما لا تحتاج إليه. فاستضعاف العلل النحوية قال به كثيرون قبل ابن حزم, فليس فيه بسابق، وإنما بالغ ابن حزم حين جعلها "فاسدة جدا" فعمم واشتط. والحقيقة الهادئة هي عند الذين صنفوا هذه العلل, فجعلوا منها المقبول ومنها الضعيف ومنها الخيالي(16).
وفرق كبير بين إطلاق ابن حزم ومن قلده كابن مضاء، ومن تجرد للبحث والاستقراء بأناة وصبر فجمع الأمثلة والشواهد بين يديه يمعن فيها ويفلسفها حتى انتهى إلى "أن العرب قد

ص105

أرادت من العلل والأغراض ما نسبناه إليها, وما حملناه عليها"(17).
فالشك في العلل النحوية إذًا ليس من صادرات الأندلس، بل تعاوره في أسلوب علمي جهابذة مشارقة منذ عهد الخليل، فليس فيه ما يسمى مذهبا أندلسيا من قريب ولا بعيد.
أما بعد، فأنا لا أقول بالإقليمية بالأدب, فكيف تخطر لي في العلم وهو الذي لا وطن له؟! وإنما تتعاون على إنمائه جماهير من كل جنس وبلد، ولعل المسألة من مسائله بذلت في كشفها جهود كثيرة ضخمة من معلومين ومجهولين، بل ما أكثر الجنود المجهولين في العلم، وإنه ليقع في حدسي أنهم أكثر من المعروفين بما لا يخطر على بال. وهذه الآراء الجزئية التى عرضت لها قامت على ما وصل إلى علمي من آثار، وليست كلمة أخيرة، ومتى كان في العلم كلمة أخيرة؟ وهل سكوت المصادر عن كتاب مطول لابن حزم في النحو قاطع على أنه لم يوجد؟ وهل جهلي أنا بما في خبايا المكتبات في الأندلس والمغرب وحتى المشرق من آثار نحوية يقنعني بأنه ليس هناك مذهب أندلسي في النحو؟
إن الوصول إلى شيء جديد نركن إليه موقوف على ظهور آثار جديدة، وما قدمت من أحكام شخصية صحيح اعتمادا على ما وصل إلى اطلاعي وما أقله، وكل مخطوط جديد ينشر حافز على إعادة النظر واستئناف المحاكمة.
فهل لإخواننا المغاربة عامة ومغربهم -كما تحققت

ص106

في رحلتي القصيرة- متحف مجهول، أن يواصلوا السعي فرادى وجماعات في الكشف عن مخبآتهم والتعريف بها؟ وهل لدارسي النحو منهم خاصة أن يعكفوا على نشر النافع من آثاره, فيملئوا ثغرا في ميادين البحث ما زالت خالية؟
ومن يدري؟! فلعلنا في المستقبل لا نكتفي بالقول: "إن النحو الأندلسي قياسي مع نزعة سماعية" كما هو في المشرق، بل نؤكد واثقين بما سيظهر من خصائص وسمات تنتزع من مخطوطات يكشف عنها, أن هناك في النحو "مذهبا أندلسيا حقا" بكل ما في كلمة "مذهب" من مقومات.

ص107

خاتمة
يرى الباحث بعد التقصي أنه قد تضم البلدة الواحدة نحاة من منازع مختلفة، يطغى عليها أحيانا مذهب أهل البصرة، وأحيانا مذهب الكوفة، تبعا لنزعة العالم ذي الأثر فيها. فهذه "حلب" من مدن الشام ضمت عالمين مختلفي النزعة كل الاختلاف في زمن واحد: ابن جني رأس مدرسة القياس الذي كان للمذهب البصري إمامه الأعظم، وابن خالويه الكوفي المنزع صاحب كتاب "ليس في كلام العرب"، الذي اتبع فيه السماع نافيا من اللغة ما جوزه "فلسفة" نحاة البصرة، وبعدهما كان في الشام المعري الذي كان واسع الرواية سماعيا إلى أبعد حدود السماع، يضيق بنحو البصرة الذي كان في أيامه طافحا بالجدل والقياس والتعليل(18). وهذه النزعة ظاهرة في كتبه كل الظهور، وحسبك أن تلم برسالة الملائكة لترى مبلغ عنايته بالرواية والسماع، أو أن تمعن في "رسالة الغفران" لترى نقمته على البصريين خاصة من حيث كانوا أهل القياس
(19).

ص108
__________

(1) سنلم بملامح المدرسة الشامية في النحو في خاتمة هذه الكلمة.

(2) انظر تاريخ الفكر الأندلسي ص185 وما بعدها. أدخله جودي بن عثمان العبسي الموروري الطليطلي الأصل، رحل إلى المشرق وأخذ عن الكوفيين: الرياشي والفراء والكسائي، مات سنة 198هـ, بغية الوعاة ص214.

(3) انظر تراجم أعلامهم، مثلا ابن الوزان القيرواني "346" ذكروا أنه أعلم من المبرد وثعلب, وأنه بصري المذهب مع علمه بمذهب الكوفة، وأن له أوضاعا في النحو واللغة. انظر ترجمته في "إنباه الرواة للقفطي" 1/ 172-175.
(4) في ترجمة أبي علي القالي الوافد على الأندلس, والذي أملى في جامع الزهراء بقرطبة كتابه العظيم "الأمالي" أنه أظهر فضل البصريين على الكوفيين, ونصر مذهب سيبويه على من خالفه من البصريين. انظر إنباه الرواة 1/ 205.
(5) تاريخ آداب العرب للرافعي 3/ 330.

(6) كلمة أبي حيان, الاقتراح ص100.
(7) في أصول النحو ص182 من الطبعة الأولى "الجامعة السورية 1951".
(8) نشر بحثي بهذا العنوان في الصحيفة المذكورة "المجلدين السابع والثامن" سنة 1959, 1960 بالنص المدرج هنا.

(9) نفح الطيب 1/ 206 "مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1949".

(10) بغية الوعاة ص53 "مطبعة السعادة بمصر 1326هـ".

(11) دراسات في العربية وتاريخها للعلامة المرحوم السيد محمد الخضر حسين ص168 "طبع دمشق 1960م" وانظر فصل الاحتجاج بالحديث الشريف مستوفى في كتابي "في أصول النحو" ص41-54؛ طبعة ثانية.

(12) نقلت هذا من مخطوطة فريدة رقمها "6844" بالمكتبة الأحمدية بجامع الزيتونة بتونس، حين زيارتي لها سنة 1956م، واصطحبت معي صورة كاملة عن الكتاب بمعونة الأستاذ الجليل السيد حسن حسني عبد الوهاب. وكان العزم أن أقوم بنشره، فسبقت إلى ذلك مكتبة الحياة في بيروت فنشرته العام الفائت 1959 بتحقيق الدكتور إحسان عباس.
والنص المنقول هنا من الورقة "90" من المخطوطة بترقيمي، وفي ص202 من الطبعة الآنفة الذكر.
(13) الكلمة غير ظاهرة النقط في الأصل المصور، وهي في المطبوعة "تزيد" ولا معنى لها هنا.

(14) "في أصول النحو" 68.
(15) وفاة ابن حزم سنة "456هـ" ووفاة ابن مضاء تتأخر "136" سنة, ورسالته في الرد على النحاة نشرها الدكتور شوقي ضيف سنة 1947م. عمد فيها إلى ما وضعه الأقدمون من صيغ للتقريب على المتعلمين, فجعل يدقق فيها تدقيقا حرفيا حين يرد عليهم قولهم مثلا: إن العامل في رفع "زيد" من قولنا: "ضرب زيد" هو الفعل "ضرب" بأن هذا غير صحيح والذي رفع "زيد" هو المتكلم, وأن القول: إن الألفاظ يحدث بعضها بعضا باطل عقلا وشرعا لا يقول به أحد من العقلاء! "ص87" وأفاض في فلسفة هذه البديهية بما لا طائل تحته، وإلا فهل يغيب على أحد أن المتكلم هو الذي يرفع وينصب على الحقيقة, وأن إسناد ذلك إلى العامل اللفظي مجاز وتقريب على المتعلمين، وهذا أسلوب شائع في جميع العلوم لا في النحو فقط. وهذه البديهية ذكرها عرضا ابن جني ونقلها عنه ابن مضاء نفسه في الصفحة المذكورة، بل تلك بديهة لكل مزاولي النحو تعلما وتعليما.
وفي الرسالة بعد، نظرات جزئية في مسائل بعضها سائغ، لكنه انتهى به الأمر إلى أن ناقض نفسه وإمامه ابن حزم, فقال بالعلل الأولى ونفي العلل الثواني والثوالث، وليس هذا مقام التفصيل في نقد كتابه.
(16) انظر في العلل ص101 من كتابي "في أصول النحو".

(17) كلمة ابن جني, الخصائص 1/ 250 وما بعدها "مطبعة دار الكتب المصرية سنة 1952 بتحقيق الأستاذ محمد علي النجار".

(18) انظر في ذلك بحثا قيما للمرحوم الأستاذ إبراهيم مصطفى نشره في "المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري" من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق ص362-374.

(19) الظاهر أن مذهب الكوفة انتعش في الشام حينا من الدهر، وعلة ذلك عندي اعتماده على كثرة الرواية والسماع، والشاميون "أثريون سلفيون" إلى حد بعيد، يحترمون السماع عن العرب كثيرا شأنهم في اللغة والنحو كشأنهم في علوم الشريعة، فيهم أخصب علم القراءات وهو سماع محض، ولا تنس أن أكثر أئمة البصرة والكوفة هم قراء أيضا، وعندهم أخصب فن الحديث وهو أيضا سماع محض, وبقي حيا نشيطا إلى زمن قريب، عنوا عناية بالغة به وبسماعاته وطبقات رجاله وإحصاء طرقه، ونبغ فيهم كبار الأئمة فيه، ولا تزال دار كتبهم الظاهرية بدمشق أغنى مكتبات الدنيا اليوم في فن الحديث، وكثير من مخطوطاتها بخطوط مؤلفيها المحدثين أنفسهم لا يدانيها في ذلك مكتبة في العالم. وفيها عدة دور "مدارس" للحديث ولقراءات القرآن. نزعة عرفوا بها، واستأنس إذا شئت بهذه الجملة قرأتها أخيرا في كتاب "تاريخ العرب قبل الإسلام" للباحث الفاضل جواد علي:
"
يغلب على التلمود الفلسطيني طابع التمسك بالرواية والحديث، وأما التلمود البابلي فيظهر عليه الطابع العراقي الحر, وفيه عمق التفكير وتوسع في المحاكمة وغنى في المادة، وهذه الصفات غير موجودة في التلمود الفلسطيني" 1/ 24. ومهما تظن من أثر لحب البلد في هذا الكلام, فما ذلك بمانعك الاستئناس به إلى حد ما، ولولا عزوفي عن التعميم وإطلاق الأحكام لشددت به ما أذهب إليه من أثرية "سلفية" بعد التثبت من صحة الحكم.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.



قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات