التعريف اللغوي والاصطلاحي لمسؤولية الحكومة السياسية
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص 5-8
2025-12-06
47
المسؤولية لغة : تعني ما يكون الإنسان به مطالباً عن أفعال أتاها ويقصد بها أيضا التوبيخ والتقرير(1). كما في قوله تعالى ﴿ وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ﴾(2). أي سؤالهم سؤال لإيجاب الحجة عليهم لأن الله جل ثناءه عالمَ بأعمالهم(3). ويلاحظ أن كلمة المسؤولية ينصرف معناها - دون شك - إلى ما وراء توجيه السؤال أو المطالبة أو الاستفسار فيشمل معنى التهديد والتهويل كما في قوله تعالى في الآية الكريمة سالفة الذكر وقوله (صلى الله عليه واله وسلم ) (كُلكم راع ٍوكُلكم مسُؤول عن رعَيته ) ، ومن ثم فأنها تعني ما وراء الإجابة من أمور ، كالمؤاخذة أو العقوبة على التقصير في حق أو إهمال في واجب فلها - أي المسؤولية - عناصر ثلاثة هي السائل والمسؤول وموضوع المساءلة(4). والمسؤولية مأخوذة من السؤال ، ولكن ليس كل سؤال يؤدي إلى المسؤولية لأن هناك سؤالا للاستفهام كقوله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾(5). وهناك سؤال يُراد به الدعاء كقوله تعالى ﴿ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ﴾(6). وما يهمنا في مجال بحثنا هو السؤال الذي ينصرف معناه إلى المحاسبة والمساءلة كقوله تعالى ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(7). ونستخلص مما تقدم أن المسؤولية تعني مساءلة الشخص عن أمر تقع تبعته عليه ويلتزم به فيكون مسؤولاً عنه ، وتطلب منه الإجابة حين السؤال ، فيتحمل تبعة ذلك الالتزام إذا أهمل أو قصر فيه . أما المسؤولية اصطلاحاً: فأنها تعني بشكل عام التزام الشخص بتحمل نتائج تصرفاته غير المشروعة المخالفة لواجب شرعي أو قانوني أو أخلاقي ، وعليه فلها ثلاثة أنواع هي(8):-
1- المسؤولية الدينية: ويراد بها التزام الشخص بتحمل نتائج تصرفاته غير المشروعة نتيجة مخالفته الأحكام الشرعية.
2- المسؤولية القانونية: ويقصد بها تحمل الشخص نتائج فعله بسبب خروجه عن قواعد القانون.
3- المسؤولية الأخلاقية: ويقصد بها تحمل الشخص نتائج فعله بسبب خروجه عن قواعد الأخلاق.
وما يهمنا هو المسؤولية القانونية فهي حالة الشخص الذي أرتكب فعلاً سبب به ضرراً للغير فأستوجب مؤاخذة القانون له على ذلك ، أي أن هناك مسلك خارجي يسلكه شخص ويترتب عليه وقوع ضرر للمجتمع أو لأحد الأشخاص أو يكون من شأنه أن يهدد بوقوع مثل هذا الضرر ، والمسؤولية القانونية نوعان هما: المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية(9). وبعد الفراغ من تحديد معنى المسؤولية لغةَ واصطلاحا فالأمر يتطلب تحديد معنى الحكومة، فما هو المعنى المقصود من مصطلح الحكومة ؟ لمصطلح الحكومة عدة معان منها :-
1- قد يستخدم هذا المصطلح للتعبير عن معنى واسع فيقصد بها مجموع الهيئات الحاكمة أو المسيرة للدولة ، أي السلطات العامة فيها وبذلك فهو يشمل السلطات كافة التشريعية والتنفيذية والقضائية(10).
2- وقد يستعمل هذا المصطلح أحياناً في معنى ضيق يقصرها على السلطة التنفيذية وحدها- وخصوصاً في الدول ذات الأنظمة الرئاسية التي تقوم على أساس أحادية السلطة التنفيذية ، إذ يجمع رئيس الـدولة بين صفتين الأولى بصفته رئيساً للدولة والثانية بصفته رئيساً للحكومة - أي السلطة التي تقوم بتنفيذ القوانين وإدارة المرافق العامة ، لأن السلطة التنفيذية هي التي تتصل بالجمهور والتي تجسد أمام الأفراد السلطة السياسية في الدولة ، فهي بحكم اتصالها المستمر بهم وظهورها كمحرك فعلي للسياسة في الدولة بصفة دائمة يجعــل الأفراد يحسون بوجودها ، وينظرون إليها بحسبانها الهيئة الحاكمة الحقيقية ويخصونها بكـــلمة (الحكومة) ، ومن ثم فأنها تشمل جميع العاملين في مهام التنفيذ في الدولة ابتداءً من أصغر موظف حتى رئيس الدولة(11).
3- وأخيراً قد يقصد بالحكومة الوزارة فقط وخصوصا في الدول ذات النظام البرلماني ، فيقال أن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان بمعنى أن كلمة الحكومة تنصرف إلى الوزارة المسؤولة ، ورئيس الحكومة في هذا النظام يقصد به رئيس الوزارة وهكذا(12). وهذا المعنى الأخير هو المعنى الذي يعنينا في بحثنا لبيان نطاق مسؤولية الحكومة السياسية والتي تشمل أعضاء الوزارة بالمعنى الضيق ، اي رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء(13). بما يعني استبعاد رئيس الدولة من نطاق الدراسة ، لكونه لا ينضوي تحت هذا المفهوم من ناحية ، ومن ناحية أخرى عدم مسؤوليته في هذا النظام(14). وكذلك الحال بالنسبة لنواب رئيس الجمهورية وكل من يشغل منصب حكومي آخر وإن كان بدرجة وزير.
وتعددت تعريفات فقهاء القانون الدستوري لمسؤولية الحكومة السياسية ، فبعضهم عرفها بأنها " حق البرلمان في سحب الثقة من أحد الوزراء أو من الوزارة بأكملها إذا كان التصرف الصادر عنه أو عنها يستوجب المساءلة ويترتب عليه استقالته أو استقالتها"(15). وعرفها آخرون " بأنها مسؤولية الوزراء أمام البرلمان عن كافة أعمالهم وتصرفاتهم الايجابية والسلبية المشروعة وغير المشروعة ، العمدية وغير العمدية ، فالبرلمان يراقب السياسية العامة للحكومة ويبحث في مدى سلامة الإجراءات والقرارات الوزارية المختلفة ليس من حيث مطابقتها للقوانين فقط ، بل من حيث ملائمتها للظروف الواقعية التي صدرت فيها ومدى توافقها مع الصالح العام ومدى تحقيقها لرغبة الأغلبية البرلمانية ، حتى لو تنافت تلك الرغبة مع القانون "(16). بينما يرى جانب آخر من الفقه (ونحن نؤيده) بأن مسؤولية الحكومة السياسية يقصد بها " تلك المسؤولية التي تنعقد أمام البرلمان أو أمام الشعب وفقاً لأحكام القانون الدستوري ، وهي مسؤولية تنعقد لا عن الأعمال التي يخالف بها أعضاء الحكومة نصا قانونياً ، وانما عن الأعمال التي لا يمكن تكييفها بمقتضى نصوص القانون على أنها أخطاء أو جرائم ، ونقصد بذلك تلك الأعمال التي تنشأ عن السياسة العامة والتي يتبين أنها لا تتناسب ومصالح الدولة "(17). وذلك لان هذا التعريف يميز المسؤولية السياسية عن المسؤوليتين الجنائية والمدنية ، كما انه يواكب ما أصاب المسؤولية السياسية من تطور ، فلم تعد هذه المسؤولية تثار أمام البرلمان فقط ، بل تثار أيضا أمام هيئة الناخبين ، فالوزارة أصبحت لا تنتظر حتى يسحب البرلمان الثقة منها ، وإنما يمكنها بدلا من الاستقالة حل البرلمان ، والاحتكام لهيئة الناخبين لتكون هي الحكم بينهما . لذلك يذهب البعض الى أن هذه المسؤولية تمتد الى كل من الحكومة والبرلمان ، بحيث يكون معناها هو حق الناخبين في عزل اي سلطة من هاتين السلطتين ، إذا لم تعمل على الوضع الذي تبتغيه هيئة الناخبين(18).
________________
1- محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، ج (1)، مكتبة لبنان ، بيروت ، لبنان ، 1995 ، ص 119.
2- سورة الصافات : الآية (24).
3- أبن منظور جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العـرب ، المجلد (1) ، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ، بيروت ، لبنان ، 2005. ص 1728.
4- محمد عودة محسن الدراجي ، مسؤولية رئيس الجمهورية الجنائية (دراسة مقارنة)، بحث منشور في مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية ، كلية القانون والعلوم السياسية ، جامعة الكوفة ، السنة (4) ، العدد (12) ،2011 ، ص 175.
5- سورة البقرة : الآية (189).
6- سورة هود : الآية (47).
7- سورة الحجر : الآيتان (92-93) .
8- د. جمال إبراهيم الحيدري ، أحكام المسؤولية الجزائية ، ط (1) ، زين الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2010 ، ص 24.
9- د. سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني (الالتزامات في الفعل الضار والمسؤولية المدنية) ، القسم الأول ، الأحكام العامة ، المجلد الأول ، دون دار نشر ، 1992 ، ص 2- 3.
10- د. موريس دوفرجيه ، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري (الأنظمة السياسية الكبرى) ، ترجمة د. جورج سعد ، الطبعة الثانية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ، بيروت ، لبنان ، 2014 ، ص 111.
11- د. سليمان محمد الطماوي ، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي ، دراسة مقارنة ، معهد الدراسات العربية العليا ، القاهرة ، 1967 ، ص 161.
12- د. محمد كامل ليلة ، النظم السياسية (الدولة والحكومة) ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1969 ، ص 529.
13- وهذا هو المعنى المقصود من الحكومة في النظام الدستوري الكويتي والعراقي ، اما في بريطانيا فيجري التمييز بين مصطلح الحكومة (Cabinet) ومصطلح (الوزارة) ، فالوزارة هي جهاز كبير يضم عدد كبير من الأشخاص الذين يكونوا مسؤولين سياسياً أمام مجلس العموم وتضم حوالي (100) شخص بين وزير ووزير دولة ومساعدي الوزراء وأمين عام البرلمان والوزير الأول ، أما الحكومة ((Cabinet فهي الجهاز الحكومي الأهم في الوزارة الذي يضم الوزير الأول وعدد قليل من الوزراء يتراوح من(15-20) وزير ( كوزير الخارجية ، العدل ، المالية ، الصحة .... الخ) . د. نزيه رعـد ، القانون الدستوري العام والنظم السياسية ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، بيروت ، لبنان ، 2011 ، ص 207.
14- د. عمرو فؤاد بركات ، المسؤولية السياسية لرئيس الدولة في الأنظمة السياسية المقارنة ، القاهرة ، دون دار نشر ، 1984 ، ص 8.
15- د. محمد كامل ليلة ، المصدر السابق ، ص 928 . وكذلك د. موريس دوفرجيه ، مصدر سابق ، ص 127. ود. رأفت دسوقي ، هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2006 ، ص 138.
16- د. ثروت بدوي , النظم السياسية (النظرية العامة للنظم السياسية) ، دار النهضة العربية ،الـقاهرة ، 1964، ص 290.
17- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 10.
18- د. السيد صبري ، السلطات في النظام البرلماني ، مجلة القانون والاقتصاد ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، السنة الخامسة عشرة ، الاعداد الأول والثاني والثالث ، 1945، ص 30 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة