الاسباب الإدارية والتنظيمية للفساد الإداري
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 150-161
2025-11-01
112
نستطيع القول أن الأسباب الإدارية والتنظيمية من أكثر الأسباب تأثيراً في انتشار الفساد الإداري، ذلك أنها أسباب ذات تماس مباشر بالعمل الإداري وخاصةً تلك التي تمس التعامل مع المواطنين(1)، أو التي تتعلق بالموظف وحقوقه والتزاماته، ونتناول فيما يأتي أهم هذه الأسباب:
أولاً : - التخلف الإداري
يتمثل التخلف الإداري في عدم قدرة الإدارة على ترجمة الأهداف المكونة لوظيفة الدولة إلى سياسات ثم تخطيط هذه السياسات ووضعها في برامج محددة ومن بعد تحقيق هذه البرامج ليحل التقدم محل التخلف الذي يصيب كل عناصر الإدارة من العنصر البشري إلى النظم والأساليب والأدوات، ومعنى ذلك أن التخلف الإداري قد يتواجد في الإدارة في عنصر أو أكثر من عناصرها (2).
ويقصد بالتخلف الإداري إتباع سياسة وأساليب تؤدي الى عدم اللحاق بركب الحضارة والتطور الموجود في الدول المتقدمة، ويظهر سواء في العاملين على تسيير المرافق الإدارية أو في الأساليب التي تتبعها الإدارة للوصول الى أهدافها المحددة لها وكذلك في قضاء مصالح المواطنين (3).
ويؤدي التخلف الإداري إلى أحداث فجوة بين المطلوب إنجازه وبين المنجز ، كما يؤدي إلى أن يكون هذا الجزء المنجز قد تم بصورة سيئة، وليس من السهولة تحديد مواطن التخلف الإداري بشكل دقيق في عناصر الإدارة خاصة في الدول المتخلفة لا سيما وأن هذه العناصر متداخلة، كما يؤدي إلى تصرفات سيئة أغلبها يمكن وصفها فاسدة وأهمها ما يتعلق بالولاء الوظيفي وما يتضمنه من تعقيدات وإجراءات روتينية تؤدي بطالب الخدمة إلى العجز والعدول عن طلبها أي أن مشكلة الروتين تكون محوراً هاماً في التخلف الإداري، أي أن التخلف يسبب الروتين والبيروقراطية اللتان هما سببان مباشران للفساد الإداري، والتخلف موجود في الدول المتقدمة بصورة أقل مما هو عليه في الدول المتخلفة ومختلف من حيث النشأة والسبب والمدى والمضمون والآثار، فالإدارة في الدول المتقدمة تتميز بالاستقرار النسبي، وقد اتخذت نمطاً معيناً ينصب في شكل نموذج محدد وهو ما يطلق عليه بالنظام الإداري، أما الإدارة في الدول المتخلفة فإنها لم تستقر بعد، فهي عبارة عن مجموعة من الأنماط الإدارية التي تمثل مراحل انتقالية أو مرحلية، وأن الأرضية التي تقوم عليها والعوامل المحيطة بها لم تأخذ وضعاً مستقراً، وتبعاً لذلك فإن الإدارة في الدول المتخلفة هي عبارة عن مجموعة ظواهر إدارية تتسم بطابع التخلف في كثير من جوانبها. ويتواجد التخلف في أغلب الأحوال في مشكلة البيروقراطية ويتجسد فيها وقد يتواجد في عوامل ومتغيرات إدارية، أما في الدول النامية والتي كانت أغلبها مستعمرة فإن نظامها الإداري قد أرتبط بأكمله بالدولة المستعمرة أو بسلطة الاحتلال، ذلك أن البيروقراطية في هذه الدول قد ورثت من الاستعمار عوامل السوء من حيث الوظيفة والأداء، فقد أقام الاستعمار نظام الخدمة المدنية لخدمة أغراضه وأهدافه في هذه الدول من خلال حجز الوظائف القيادية والهامة لأفراد معينين من مواطنيه أو من الذين يدينون له بالولاء والتبعية (4) .
وللتخلف بصفة عامة خصائص هي في الواقع آثار للتصرفات الفاسدة الناتجة عن التخلف منها خصائص مالية وهي تدني نسبة الاقتطاع الضريبي إلى الناتج القومي الإجمالي، ضعف مصادر الإيرادات للدولة، عدم منهجية الإنفاق الحكومي وخصائص ديموغرافيه تتمثل في: ارتفاع معدلات نسبة السكان، ارتفاع نسبة الأمية، انخفاض المستوى الصحي وخصائص اجتماعية تتمثل في: تراجع الطبقة الوسطى عدم توفر الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ضعف مؤسسات المجتمع، تفشي ظاهرة الفساد بأشكاله وأنواعه داخل الإدارة الحكومية(5).
إن هذه الخصائص إذا ما انتشرت في مجتمع ما فإنها سوف تنعكس على الأداء الوظيفي للمؤسسات العامة الذي ينعكس بدوره على سلوك الموظف العام وقد يأخذ اتجاها سلبياً هو الانحراف الوظيفي أو الفساد الإداري.
ثانيا - نقص كفاءة الموظفين
لا شك أن كفاءة الموظف أمر ضروري فهو يمثل الوسيلة القانونية الى جانب المال العام في تنفيذ الأعمال القانونية للإدارة (6)، أو تنفيذ السياسة العامة للدولة، لذلك فان نقص الكفاءة يؤدي بالتأكيد الى الكثير من حالات الخلل والفساد، نتيجة جهله بما يتوجب عليه في تأدية عمله (7).
فقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية قبل سنوات أخبارا عن قضية اعتقال أحد رجال المخابرات الأمريكية في أحدى دول أوروبا الشرقية بتهمة التجسس ضد مصالح بلده، ولدى التحقيق معه تبين أنه لم يقم بأية جريمة من الجرائم المعروفة، ولكن مهمته كانت تقضي أن يمارس نفوذه لضمان تعيين أشخاص غير مؤهلين في وظائف قيادية واستبعاد المؤهلين عن الوظائف الهامة، وهذه مهمة تتعدى وبشكل كبير جدا آثارها السلبية وخدمتها لدولة معادية ما يترتب على سرقة أو اختلاس أو رشوة (8).
ومن الأسباب التي تؤدي الى نقص كفاءة الموظفين ما يأتي: -
1. سوء اختيار الموظفين في الإدارة العامة: إن مهمة اختيار العاملين في الإدارة العامة تمثل العمود الفقري لقيامها، ومحور رئيس تعتمد عليه الدولة في تنفيذ سياستها التي يقع على كاهل الجهاز الإداري عبء تحقيقها، إذ يتوقف على حسن اختيار الموظف وتعيينه في الوظيفة المناسبة التي تلائم مؤهلاته وقدراته تفوق الإدارة العامة ونجاحها وهو المبدأ المعروف ( الرجل المناسب في المكان المناسب). (9) إن عملية اختيار الموظفين في العراق بعد 2003/4/9 قد شابها الكثير من الخلل وأدى ذلك إلى انتكاسة العمل الإداري وحدوث الكثير من حالات الفساد والإهمال والتقصير ، ويمكن ايجاز أهم العوامل التي أدت إلى سوء اختيار الموظفين بعد التاريخ المذكور وهي:
أ. انهيار مؤسسات الدولة وحدوث الفراغ الدستوري والقانوني والأمني مما دعا إلى ملء الشواغر التي تركها البعض لسبب أو لآخر بطريقة عشوائية وسريعة دون الأخذ بنظر الاعتبار الأساليب والطرق القانونية لاختيارهم، وخاصةً جهاز الشرطة حيث إن الحاجة إلى السيطرة على الوضع الأمني دفع المعنيين وبالذات وما بعدها.
(قوات الاحتلال ) إلى تعيين أشخاص غير مؤهلين في سلك الشرطة ومنح البعض منهم رتباً عسكرية لا يمكن منحها إلا لمن أكمل الدراسة الجامعية(10).
كما انتشرت بشكل واسع ظاهرة التزوير والرشوة والمحسوبية والواسطة للدخول في هذه الوظائف ومعنى ذلك إن اغلب الموظفين جاءوا إلى الوظيفة من خلال الفساد الإداري فكيف سيحاربون الفساد؟؟(11). لقد وصلت حالة التسيب في التوظيف واهمال القواعد السليمة في انتقاء الموظف ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب الى أقصى حالات اهدار المصلحة العامة وتفضيل الطائفية والمحسوبية والمحاصصة على هيكل وهرم السلم الوظيفي الذي كان قائماً في العراق(12). التدخلات السياسية والحزبية بشأن التعيين المعروف انه في الدول النامية هناك تدخل واضح للنفوذ السياسي والمحسوبيات في عملية تعيين الموظفين دون الاعتداد بالجدارة والكفاءة، وتعطى الأفضلية للمنتمين للأحزاب الموجودة في السلطة ولحزب الأغلبية بشكل أكبر، فعلى سبيل المثال نرى إن أعضاء من مجلس النواب في دولة ما ينتمون إلى حزب معين ينتمي إليه احد الوزراء يسعون لديهم لتعيين ذويهم في هذه الوزارة أو في غيرها ويقوم الوزراء باعتماد طلبات التعيين باعتبار ذلك وسيلة من وسائل التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية دون الاعتداد بعنصر الكفاءة أو الجدارة التي يجب أن يتحلى بها شاغلو الوظائف العامة الأمر الذي يؤدي بالجهاز الإداري أن يصبح أجوفاً. (13)
إن هذا النظام يذكرنا بمبدأ الغنيمة للحزب المنتصر أو " نظام الأسلاب" الذي ساد الولايات المتحدة الأمريكية حقبة من الزمن قبل عام 1882 حيث لعبت العوامل السياسية والحزبية والشخصية دوراً هاماً وجوهرياً في اختيار موظفي الإدارة، فكانت الوظائف يتم ملؤها بالإفراد المنتمين للحزب الحاكم وكان هؤلاء يستمرون في وظائفهم طالما بقي ولاؤهم للحزب أو ظلوا على صداقتهم لمبادئ الحزب وأهدافه، فإذا فقدوا هذا الانتماء أو انفكت روابط الصداقة مع الحزب أو تسلم حزب آخر مقاليد الحكم نتيجة فقدان حزبهم للسلطة تم عزلهم وحل محلهم في الوظائف ممن ينتمون إلى الحزب الجديد (المنتصر). وقد أدى هذا النظام إلى فساد الجهاز الإداري الأمريكي الأمر الذي دفع فقه الإدارة العامة الى المناداة بوجوب فصل السياسة عن الإدارة فظهرت بعد ذلك حركات الإصلاح الإداري وتم إنشاء مجلس الخدمة المدنية عام 1882 الذي اعتمد مبدأ المسابقات والامتحانات كأساس لاختيار الموظفين في الإدارات الأمريكية (14). وإذا كانت خطورة تدخل الاعتبارات السياسية والحزبية في التعيين في الوظائف في النظام الأمريكي آنذاك يكمن في بقاء الموظف غير الكفء فترة بقاء الحزب في الحكم أي لفترة مؤقتة فأن خطورة هذه الظاهرة أكثر جسامه عندنا في العراق، إذ أن الموظف الذي يتم تعيينه بهذا الأسلوب سيشكل بالنسبة للإدارة مرضاً مزمناً غير قابل للشفاء طيلة فترة وجوده في الخدمة نظر الاعتماد مبدأ الاستقرار الوظيفي(15).
لذلك نرى أن يكون التعيين وفقاً لمتطلبات الوظيفة وتكافؤ الفرص الذي نص عليه دستور 2005 في المادة / 16 وعدم السماح للأحزاب السياسية بالتدخل في التعيين لزيادة عدد مؤيديهم ومواليهم (16). وإذا كانت بعض الدول تعتمد نظام الحزب الواحد أو نظام الحزبين أو نظام تعدد الأحزاب بعضها في السلطة والأخرى معارضة، فأن الأمر عندنا مختلف حيث إن أغلب الأحزاب في السلطة استناداً إلى مبدأ التمثيل النسبي الذي استند على مبدأ المحاصصة، وهذا يعني تدخلاً واسعاً وخطيراً من قبل الأحزاب في شأن التعيين، وندعوا إلى إعادة تأسيس مجلس الخدمة العامة الذي نص عليه الدستور في المادة / 107 وتكون التعيينات من خلاله وحسب الأصول الإدارية المتبعة(17).
ج. انتشار ظاهرة الفساد الإداري إن للفساد الإداري - صوراً متعددة ، وإن انتشار هذه الصور بشكل واسع أدى بالتالي إلى التعيين من خلالها، وخصوصاً الرشوة حيث أصبحت للوظائف أسعار حسب المركز والراتب والامتيازات الأخرى، وعدم الأخذ بمبدأ الكفاءة أو الجدارة وحتى إذا اشترط حصول البعض على مؤهلات علمية فهناك التزوير للوثائق والمستمسكات الرسمية، وكذلك الواسطة التي تلعب دوراً محورياً في كل إشكال الفساد حيث يتم من خلالها دفع الرشوة في اغلب الأحيان والسكوت على التزوير، وتفضيل البعض على الآخرين، وهذا يعيدنا الى ظاهرة (الحلقة المفرغة ) فمن خلال الفساد الإداري يتم التوظيف، ثم ينتشر من خلال الذين تم توظيفهم كعملية تعويض لما قدموه من رشاوى أو لأنهم لا يحترمون النظام الإداري كونه فاسداً.
د. يعتبر البعض أن إعطاء الأفضلية للتعيين في الإدارات لأبناء العاملين فيها من اسباب الفساد الإداري كونه يشكل برأيهم ظاهرة الإقطاع الوظيفي) حيث يفضل أبناء العاملين في التعيين على غيرهم، وهو أسلوب يشبه أسلوب التدخل السياسي أو الحزبي لأنه يرتب مخالفة لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وإغفال اعتبارات الكفاءة في بعض الأحيان مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الأداء، إذ ليس كل أبناء العاملين على مستوى جيد من الكفاءة المطلوبة حتى لو كان آباؤهم من أصحاب الكفاءات(18).
ونرى أن لذلك أسباب إنسانية خاصة بعد وفاة الأب أو إحالته على التقاعد من أجل بقاء العائلة في الدار الحكومية التي يشغلها الموظف المذكور، وهذا ما جرى العمل به في بعض الوزارات ومنها وزارة النفط على سبيل المثال، ولكن بشرط توافر الشروط الأساسية للتعيين.
2 . النقص في المهارات:- المهارات ضرورية في العمل الإداري فلا يكفي الحصول على مؤهل علمي بل لا بد من تطوير المهارات والخبرات، لأن العلوم والمعارف في تطور مستمر وكل يوم يشهد العالم ابتكارا أو اختراعا يصبح بعد فترة وجيزة من مستلزمات العمل الوظيفي، ومثال ذلك وسائل الاتصال والحاسوب اللذان أصبحا وسائل لا غنى عنهما في العمل اليومي سواء كان في القطاع الخاص أو العام، وهذا يتطلب الاستمرار في التدريب والتطوير للعاملين في الدولة، لذلك نجد في كل المؤسسات الحكومية أقساماً ودوائر تعنى بذلك، ولكن قد يصبح الأمر شكلياً دون الاهتمام بما يحصل عليه المتدرب، عندئذٍ تكون النتائج عكسية فبدلاً من التطوير يحصل تسيب، ويكون هدف المتدربين هو التخلص من ساعات العمل أو التمتع بالسفر إذا كان التدريب خارج البلد، وفي هذه الحالة تحدث عدة حالات فساد من خلال ترشيح أشخاص غير مستحقين أو غير مؤهلين للتدريب على أساس المحاباة أو المحسوبية أو الرشوة.
ثالثاً: تضخم الجهاز الإداري. إن تضخم الجهاز الإداري يرجع فيما يرجع إليه إلى الرغبة الزائدة للمواطنين في العمل في الأجهزة الحكومية لاعتبارات متعددة بعضها يعود إلى المركز الاجتماعي الذي يحظى به الموظف العام وبعضها يرجع إلى الرغبة في ضمان راتب دائم يستند عليه عند التقاعد أو بسبب عدم توفر فرص العمل في القطاع الخاص(19). ويفضي التضخم الى وجود نماذج من الولاء الشخصي خاصة في الإدارة العليا بجانب الإطار الرسمي الذي يحكم الولاء الوظيفي للتنظيم في ضوء وظائفه، وهذا يؤدي بدوره الى حدوث انعكاسات سلبية على إمكانية التنظيم الإداري في تحقيق الأهداف المنوطة به(20).
لقد حدثت في العراق بعد 2003/4/9 زيادة نوعية في الراتب الشهري (21) ، دفع الكثيرين إلى التسابق للحصول على الوظائف العامة، حتى الذين تركوا الوظيفة أثناء فترة الحصار الاقتصادي التي استمرت من 1991 إلى 2003 لقلة الراتب عادوا إليها لنفس السبب تحت غطاء قانون (إعادة المفصولين السياسيين)(22). كما حصلت تعيينات بسبب تدخلات سياسية أو حزبية بغض النظر عن الحاجة الفعلية للدائرة المعنية، فقد ذكر تقرير للمفتش العام في وزارة النفط بأن النسبة الأكبر من عمليات التعيين بعد 2003/5/1 لم تعبر بالضرورة عن حاجات الوزارة وتشكيلاتها النوعية والكمية، وانما املتها الظروف الاستثنائية، وقد سببت التعيينات العشوائية التي لم يكن للوزارة أو تشكيلاتها تدخلا مباشرا فيها تضخم في الكثير من المواقع وترهلها ووجود البطالة المقنعة (23) .
إن وجود هذه الظاهرة تؤدي إلى إشاعة الفوضى وعدم استتباب النظام الإداري في الأجهزة الإدارية وتؤدي إلى زعزعة ثقة المواطنين بالنظام الوظيفي بشكل خاص وأجهزة الإدارة الحكومية بشكل عام، وعلاج هذه الظاهرة يتطلب أن يجري التعيين في الوظائف بقدر حاجة العمل في الأجهزة الحكومية، الأمر الذي يلقي على الحكومة عبء فتح آفاق جديدة للعمل أمام العاطلين من خلال التعاون مع القطاع الخاص فضلا عن وجوب قيام الدولة بتوجيه التعليم الجامعي حسب حاجة العمل والوظائف المطلوب شغلها حتى لا تجابه الدولة ببطالة إجبارية ومن ثم بمشاكل يصعب حلها (24).
وإذا كانت البطالة مشكلة كبيرة تؤدي الى مشاكل أكبر، فلا يجوز أن يقتصر حلها على التعيين في الوظائف الحكومية، لأن ذلك يخلق بطالة مقنعة تؤدي الى الكثير من حالات الفساد إداري، وجدير بالذكر إن قرار رقم 150 لسنة 1987 الذي حول العمال إلى موظفين بغض النظر عن تحصيلهم الدراسي مازال العمل به سارياً في تعيين الكثير استثناء من شرط التحصيل الدراسي، ونحن لا نطالب بإقصاء هؤلاء فمن حقهم الحصول على عمل ولكن يجب إن تكون فرص العمل مبنية على أسس علمية متوازنة لا إن يستأثر البعض بالوظائف دون غيرهم لأنهم يستطيعون دفع الرشوة أو لديهم من يسهل لهم ذلك.
رابعاً: غياب الرقابة
وهذا السبب يجمع عليه أغلب الباحثين، ذلك أن الرقابة تهدف الى تشخيص الخلل والتقصير في العمل الوظيفي، ومن ثم محاسبة المقصرين، وبغياب الرقابة سوف لا ينكشف الخلل ولا يحاسب المقصر، والرقابة أنواع . وكل نوع له الأثر في تقليل حالات الفساد، فالرقابة البرلمانية تؤدي الى كشف التقصير في عمل الحكومة والرقابة القضائية تؤدي الى كشف عدم تطبيق القانون، والرقابة الإدارية تؤدي الى كشف الخلل في العمل الإداري. إن غياب أي نوع من أنواع الرقابة سيؤدي الى عدم الكشف عن التقصير والإهمال والجريمة، وغياب الرقابة لا يعني عدم وجود مؤسسات رقابية، بل عدم وجود رقابة، فقد تكون هناك مؤسسات رقابية كثيرة لكنها لا تمارس دورها لعدة اسباب، أو قد تكون هي نفسها مصابة بداء الفساد(25). واذا نظرنا الى واقع الحال في العراق نجد أن هناك مؤسسات رقابية لم تكن موجودة سابقا" (مكتب المفتش العام وهيئة النزاهة ) في حين كان الفساد أقل انتشارا، وهذا قد يشير فيما يشير اليه الى تحول هذه المؤسسات الرقابية الى مؤسسات بيروقراطية ساهمت في تضخم وترهل الجهاز الإداري، وبدلاً من أن نرى - مكافحة للفساد - نرى - فساد المكافحة إن غياب الرقابة له عدة اسباب منها ضعف السلطات وانتشار الفساد الإداري الذي يؤدي الى التغاضي عن الأخطاء، وبذلك نعيد القول أن غياب الرقابة أو ضعفها يؤدي الى الفساد والفساد يؤدي الى ضعف الرقابة أو غيابها.
خامساً: البيروقراطية والروتين Bureaucracy& Routine
كلمة بيروقراطية اوربية الأصل وتتكون من كلمتين الأولى Bureau وتعني مكتب والثانية Cracy المشتقة من اللفظ الإغريقي القديم Katia وتعني أن تكوم قوياً، واستخدم المصطلح الآن بمعنى "حكم المكاتب (26) . أي تنظيم عمل الدولة عن طريق المكاتب من خلال تخصيص وظائف متعددة يقوم بها أفراد هم الموظفون الذين يعلو بعضهم فوق بعض بشكل هرمي تكون قمته الرئيس الإداري الاعلى وقاعدته عامة الموظفين كل حسب تخصصه ويتبع إدارة معينة، ويتم التنظيم داخل هذه الإدارات وفقاً لقواعد عامة محددة منصوص عليها مسبقاً(27). لقد وضع "ماكس فيبر" نظرية البيروقراطية على عكس ما تم التطبيق فيها على أرض الواقع، حيث أراد أن يحدد التنظيم الأمثل للأجهزة الإدارية في الدولة الحديثة، غير أن شدة التمسك الأعمى بقواعد وإجراءات العمل الإداري والنظر اليها على أنها مقدسة ولا يجوز المساس بها كما لو كانت كتاباً مقدساً جعل من المستحيل التكيف مع الواقع بعين مجردة بل جعل أعمال الإدارة تتصف بالجمود وعدم القدرة على الوصول الى الغاية المرجوة (28).
ومن هنا أصبح أسم البيروقراطية مقترناً بعيوب الإدارة والجمود في الوصول الى الغاية والأهداف وكذلك أصبحت البيروقراطية هي المقابل للروتين المصلحي في جميع إدارات الدولة، وهو إخضاع الموظف في الإدارة الى القواعد والإجراءات والأنظمة وعدم اهتمامها بمقدرة الموظف على التصرف في المواقف المناسبة ومعالجتها وفقاً لمقتضيات الموقف في حد ذاته، وهذا ما يطلق عليه عرفاً بين المتعاملين مع الإدارة بكلمة " الروتين " حتى أن البعض أطلق مجازاً على بعض موظفي الدولة لفظ" عبد الروتين"(29). والبيروقراطية نمط سلوكي يؤدي الى خفض الكفاءة الإنتاجية للمؤسسات والاستخدام غير الرشيد للموارد، والتهرب من المسؤولية والاهتمام الزائد بالشكليات، ويعبر هذا السلوك عن نفسه بمظاهر خارجية عديدة أهمها المبالغة بحرفية القوانين دون الاهتمام بالهدف من وضعها وخصوصية الحالات المختلفة، وهو ما يعبر عنه "ب" روح القانون "، بالإضافة الى المغالاة في إتباع الإجراءات والتعليمات والنزعة نحو السيطرة (30) .
ومثلما اقترنت كلمة البيروقراطية بالجمود والتمسك الاعمى بالقواعد والإجراءات كذلك اقترن الروتين بالتعقيد والالتزام الحرفي بالقوانين والأنظمة والتعليمات، حتى وإن كان ذلك خلافاً للمنطق والعقل، وكلمة الروتين جاءت من Routine في اللغة الإنكليزية بمعنى وتيرة العمل أو الطريق المحدد، ويعني اذا تكررت الأعمال على نفس الوتيرة سميت الطريقة (الروتين) وهي كلمة - فرنسية الأصل - وقد استعملت في بعض اللغات لا لتعني التعقيد في إنجاز الأعمال بل لتعني التبسيط والتسهيل في إنجاز الأعمال التي يمكن تصنيفها على وتيرة واحدة (31) . ويرجع هذا الى الأسباب التالية:
1. تجنب الموظف المسؤولية وظهوره بمظهر من يحترم القوانين والأنظمة والتعليمات، ولكي لا يتعرض للعقاب يطبق هذه القواعد تطبيقاً أعمى حتى وإن أدى ذلك الى نتائج غير مقبولة، وغالباً ما يجد الموظف تشجيعاً من رؤسائه على تصرفاته هذه وهو بطبيعة الحال يسعى الى إرضائهم، على خلاف ما يحصل في القطاع الخاص حيث يعمل الموظف جهده وتفكيره من أجل الابتكار والتطوير.
2. كسل الموظف وعدم رغبته في بذل أي جهد حيث أن ذلك لا يقابله أي تشجيع أو عائد يعود عليه بالنفع، وهنا يتحرك بصورة آلية هي أيسر عليه من إعمال فكره وعقله(32).
3. استغلال الموظف الفاسد هذا التمسك بالروتين في ابتزاز المتعاملين معه بحجة الالتزام بالقوانين والأنظمة والتعليمات، فقد ثبت من خلال الأبحاث والدراسات أن تعقيد الإجراءات من أهم أسباب الفساد الإداري(33). ذلك أن البناء البيروقراطي وسيطرة الروتين والاعتماد على الإجراءات قد أتسع تأثيرها خارج بيئة العمل، نظراً لتعقد الإجراءات المتعلقة بمصالح الأفراد، الأمر الذي يضطرهم لتقديم رشاوى بغية تسهيل الإجراءات، كما أن ذلك يمارس تأثيره داخل التنظيم ايضا نظراً للتفاوت بين الشخصية الأدائية الملائمة لطبيعة التنظيم الإداري الحديث والشخصية التقليدية التي تؤكد على العلاقات الشخصية والتصرفات التقليدية، الأمر الذي يؤثر بدوره على سلوك العاملين في سعيهم لتحقيق المصالح الخاصة مثل الترقية وصرف المكافأة والحصول على مراكز قيادية في التنظيم، إذ أنهم يلجأون الى الرشوة للتقرب من المسؤولين والحصول على مؤازرتهم بالضغط على العلاقات والصداقات التي يعقدونها معهم (34) ويمارس الروتين في كثير من الأحيان باعتباره سياق عمل، فهناك الكثير من الأمثلة على ذلك منها: قيام الإدارة برفع دعوى قضائية ضد بعض الجهات أو الأفراد للمطالبة بدفع مبالغ هي أقل من الرسوم ومصاريف الدعوى (35).
ومثال آخر، فقد أخطأ أحد موظفي الإرسال في كتابة أسم المرسل اليه محل أسم الشارع، فكان العنوان كالآتي: المرسل اليه / عباس بن فرناس العنوان / شارع المهندس / فلان، ورغم قيام هذا المواطن بشرح الموقف للموظف المختص وإفهامه بأن عباس بن فرناس قد مات منذ مئات السنين وأطلق اسمه على الشارع الذي يسكن فيه، إلا أن الموظف بقي جامداً أمام الإجراءات الروتينية في تصحيح الاسم وأستغرق ذلك شهوراً حتى أن محتويات الحقائب قد أصابها التلف (36). ويشير البعض الى أن الروتين ضروري لأنه مجموعة من الإجراءات الأصولية التي تمر بها المعاملة أو الطلب (37).
وقد يرجع الفساد الإداري في أحد اسبابه الى كثرة الأنظمة والتعليمات التي تنظم سلوك العاملين، وعلى الرغم من أن بعض هذه القيود تهدف الى حماية العاملين أنفسهم من التعسف واستغلال السلطة من قبل الرؤساء، الا أن الزيادة في القيود والحدود والأنظمة المفروضة على تصرفات العاملين وافعالهم عادة ما تكون له آثار ضارة تتمثل في تعطيل العمل وقتل روح التجديد والابتكار وظهور البيروقراطية وتضخم العمل المكتبي وتظهر الآثار السلبية لذلك في التسلط الذي يفرضه الموظفون على المواطنين وهذه بداية الرشوة(38).
____________
1- صرح السيد علي الشبوط الناطق باسم هيئة النزاهة، أن الفساد الإداري في العراق قد وصل الى مفردات المواطن اليومية وخدماته مثل البطاقة التموينية وخدمات الماء والكهرباء والهاتف ، قناة الحرية الفضائية، برنامج البرلمان والناس 2007/9/7
2- أنظر:- د. إبراهيم درويش، التنمية الإدارية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1995، ص23.
3- أنظر:- د. محمد محمد عبد الوهاب البيروقراطية في الإدارة المحلية رسالة دكتوراه، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر 2004، ص 79
4- أنظر: د. إبراهيم درويش، مصدر سابق، ص 23 وما بعدها، وقد حدث ذلك في العراق بعد 2003/4/9 عندما أسندت قوات الاحتلال بعض المناصب الإدارية إلى أشخاص تربطهم علاقات معها.
5- أنظر د موسى اللوزي، التنمية الإدارية، ط 2 عمان دار وائل للنشر 2002، ص 86 وما بدها.
6- للمزيد عن وسائل الإدارة أنظر د. علي محمد بدير ود عصام عبد الوهاب البرزنجي ود مهدي ياسين السلامي مبادئ وأحكام القانون الإداري، جامعة بغداد، كلية القانون 1993 ، ص 151
7- صرح د. محمود عثمان قائلاً ( إن هذه الكتل المنشغلة بتأسيس الحكومة لا تصلح لإدارة هذا البلد بل أنها لا تقدر على إدارته فلقد برهن السياسيون على فشلهم وبعد ثلاث سنوات هاهم يؤكدون أنهم لا يستطيعون قيادة العراق! لماذا لا نعترف بفشلنا كلنا فشلنا ولا استثني أحداً ) جريدة الصباح العدد 877 في 4 تموز 2006 ص13
8- أنظر د. محمد قاسم القريوتي، الإصلاح الإداري بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى دار وائل للنشر، عمان، 2001 ، ص44.
9- أنظر أ.د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، أصول الإدارة العامة الإسكندرية منشأة دار المعارف 2004 ، ص 449
10- أثيرت هذه المسألة أكثر من مرة وآخرها برنامج " أفكار بلا أسوار " من قناة الديار الفضائية الذي جمع د. حارث العبيدي ود. علي التميمي والشيخ جلال الدين الصغير في تموز /2007.
11- أعلن مصدر في وزارة الداخلية أنه تم فصل 16000 عنصر من الشرطة لفسادهم وخرقهم حقوق الإنسان، قناة العراقية الفضائية، 2007/9/10.
12- خالد عبسي طه، اسلوب التوظيف الحالي في العراق، أنظر الموقع - http://www.iraqirabita.org.
13- أنظر- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، أصول الإدارة العامة الإسكندرية منشأة دار المعارف 2004 ، ص 450
14- أنظر فوزي حبيش مدير عام إدارة الموظفين - مجلس الخدمة المدنية لبنان 1991 نقلاً عن د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، أصول الإدارة العامة الإسكندرية منشأة دار المعارف 2004 ، ص 450
15- ذكرت دراسة ميدانية أن شغل الوظائف على أسس سياسية أو قبلية أو طائفية دون اعتماد معايير الجدارة والكفاءة من أسباب الفساد الإداري في العراق :- أنظر د عبد الرضا فرج بدراوي، الفساد الإداري في العراق، الأسباب ووسائل المعالجة كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة البصرة، 2004 ، ص 18
16- نصت المادة 16 على ما يأتي تكافؤ الفرص حق مكفول لكل العراقيين وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك .
17- نصت المادة /107 على أن ( يؤسس مجلس يسمى مجلس الخدمة العامة الاتحادي يتولى شؤون الوظيفة العامة الاتحادية بما فيها التعيين والترقية وينظم تكوينه واختصاصه بقانون).
18- انظر- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، أصول الإدارة العامة الإسكندرية منشأة دار المعارف 2004، ص 452.
19- أنظر- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، مصدر سابق، ص 453.
20- للمزيد، أنظر - د. عبد الكريم درويش البيروقراطية والاشتراكية دراسة في الإدارة والتغيير الاجتماعي، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، بدون تاريخ ، ص 58.
21- أنظر أمر سلطة الائتلاف المؤقتة إصلاح" رواتب وظروف عمل موظفي الدولة" رقم 30 لسنة 2003.
22- أنظر قانون إعادة المفصولين السياسيين رقم 24 لسنة 2006 منشور في الوقائع العدد 4015 في 2006/1/17
23- أنظر تقرير الشفافية الخامس الصادر من مكتب المفتش العام في وزارة النفط لسنة 2008، ص 12
24- أنظر: د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، مصدر سابق، ص 453 وما بعدها.
25- ونحن منشغلون بكتابة هذا المبحث نشرت وسائل الإعلام نبأ هروب رئيس هيئة النزاهة راضي الراضي الى الولايات المتحدة الأمريكية وإتهام الحكومة له بالفساد.
26- للمزيد أنظر عزمي حسن خليفة، البيروقراطية وعملية التنمية السياسية في الدول النامية، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1975 ، 13 وما بعدها.
27- أنظر د. محمد محمد عبد الوهاب البيروقراطية في الإدارة المحلية رسالة دكتوراه، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر 2004 ، 2004، ص6.
28- أنظر د. ماجد راغب الحلو، الإدارة العامة، القاهرة ، 1974، ص3 وما بعدها.
29- أنظر:- د. محمد محمد عبد الوهاب، المصدر السابق، ص6.
30- أنظر عزمي حسن خليفة، مصدر سابق، ص16.
31- أنظر:- للمزيد عن الروتين، أنظر محمد جابر حسن دراسات في الروتين الحكومي، اسبابه وعلاجه، ط1، بغداد، 1970، ص 8
32- أنظر- د. محمد محمد عبد الوهاب، مصدر سابق، ص8.
33 - للمزيد عن تأثير الروتين والبيروقراطية وتقييد وبطء الإجراءات، أنظر د. عبد الرحمن العيسوي، مصدر سابق، ص 204 وما بعدها.
34- أنظر د. السيد علي شتاء الفساد الإداري ومجتمع المستقبل، المكتبة المصرية الاسكندرية، 2003 ، ص 98.
35- وهذا ما حصل معنا حينما كنت ممثلاً قانونياً لشركة نفط الجنوب حيث أوفدت عام 1999 الى محافظة بغداد لمطالبة أحد المهندسين المنقولين من الشركة بسداد دين في ذمته للشركة قدره (10) عشرة آلاف دينار، وكانت مصاريف الإيفاد تزيد على ( 30 ) الف دينار.
36- أنظر:- د. محمد محمد عبد الوهاب، مصدر سابق، ص7.
*حدثت مع الباحث قصة مشابهة ، فعند عودتي من إيفاد الى جمهورية مصر العربية عام 2007 فقدت مني تذكرة الطائرة بعد وصولي مطار بغداد، ورغم تقديمي ما يثبت بأني سافرت الى هناك من خلال تأشيرات جواز السفر في مطاري بغداد والقاهرة، ووصل الأجور ووثيقة الاشتراك في مهمة الإيفاد وفاتورة الإقامة في القاهرة، إلا أن موظفة الحسابات أصرت على جلب ما يؤيد بأني سافرت بالطائرة، وتطلب الأمر شهوراً لتسوية مصاريف الإيفاد.
37- أنظر الموقع www.albayyna.com/modules
38- أنظر : د. صلاح الدين فهمي محمود الفساد الإداري كمعوق لعمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الامنية والتدريب بالرياض، 1994 ، ص 51 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة