الممارسـات الإداريـة للاستثـمار فـي رأس المـال الاجـتـماعـي 1
المؤلف:
د . سعد علي حمود العنزي د . احمد علي صالح
المصدر:
إدارة رأس المال الفكري في منظمات الاعمال
الجزء والصفحة:
ص342 - 346
2025-10-02
157
رابعاً: الممارسات الإدارية للاستثمار في رأس المال الاجتماعي
يتفق معظم الباحثون في رأس المال الاجتماعي، أمثال:
Leana & Buren, 1999; Prusak & Nahapiet & Ghoshal, 1998;
2001 Cohen على أن الممارسات الإدارية السليمة للاستثمار فيه، تتمحور في ثلاث اتجاهات هي:
1- إقامة الروابط Making Connections
2- تعزيز الثقة Enabling Trust
3- تشجيع التعاون Fostering Cooperation
ولاحقاً سيتم تفصيل تلك الممارسات المبينة في أعلاه بالشرح الوافي والأمثلة الواقعية المستوحاة من تجارب الشركات الكبرى المتطورة في دول العالم الغربي.
1- إقامة الروابط: إن إقامة الروابط في المنظمة كمكون رئيسي لرأس المال الاجتماعي، يمكن توضيحه على أنه قابلية الأعضاء ورغبتهم واستعدادهم الجاد لتحقيق الأهداف المشتركة، من خلال العمل الجماعي المتماسك. وقد لا يتحقق ذلك بسهولة، لأنه قد يتطلب أمراً ما هو أبعد من الميول الاجتماعية، يتمثل في الإحساس بأهمية تجاوز ما يسمى بالتواكل الاجتماعي (A Social Loating)، أو الاعتماد على الآخرين داخل الجماعة للقيام بالعمل نيابة عن واحد أو أكثر ممن يتقاعسون عنه في لحظة معينة. فالروابط الاجتماعية في هذا الإطار تنطوي على الانتماء والجذب داخل الجماعة. والعمل التعاوني، التي تعد من العوامل المهمة، والمعززة للحالة الداخلية للمنظمة. إذن، متى ما أرادت المنظمة تشغيل تلك الروابط لصالحها، يقع عليها أن توازن بين مسؤولياتها في تمثيل الإدارة أمام العاملين وتمثيل العاملين أمام الإدارة، هذا فضلاً عن إظهار الانتماء لهم بهدف الحصول على ولائهم. ولعل من المفيد ذكره، أن المنظمات وهي تواجه التقلبية العالية في البيئة، أن تسعى جاهدة لجعل العاملين متماسكون ومتمسكين بها، كل ذلك بهدف إقامة الروابط الصحيحة، وتعزيز الثقة بهم من خلال معرفة الأعضاء لبعضهم البعض. وهكذا، فالمنظمات التي تقيم رأس المال الاجتماعي بدقة، لابد أن تثبت التزامها الحقيقي في الاحتفاظ بالعاملين المتماسكين. وأبرز مثال في هذا الجانب، ما حققته شركة (SAS) الأمريكية، إذ تقدر سجلاتها معدل دوران العمل بأقل من (%4)، وهو أدنى معدل في أي صناعة، وخصوصاً في صناعة برامجيات الحاسوب. ويؤكد مدير وحدة التكنولوجيا المتقدمة السيد (Rob Cross) أن شركته لا تعتمد دفع الأجور العالية للاحتفاظ بالعاملين، فهي جيدة إلى حدٍ ما، قياساً بالشركات المماثلة في نفس القطاع. وزيادة على ذلك، أكد أن النقود أو المال هو ليس الشيء الوحيد الذي يستحوذ على اهتمامات العاملين في هذه الشركة، فهناك أشياء كثيرة تجذب العاملين إليها، وتزيد من التمسك بها، من بينها استخدامها لوسائل التسلية والترفيه والنادي الصحي ومركز رعاية الأطفال، وهي كأماكن في العمل تبعث على البهجة والسرور، وتنعكس آثارها الإيجابية على الأماكن الأخرى في حياة العاملين، بحيث يتيح المجال لتفاعلهم مع بعضهم البعض، بالشكل الذي يعمق علاقات الصداقة والزمالة (Associability) الحقيقية التي تخلق إحساساً قوياً بالتوجه نحو الجماعية. وهناك أمور أخرى تهتم بها شركة (SAS)، من بينها أنها توفر الطعام شبه المجاني المدعوم الذي يشجع العاملين على تناول غذائهم، وما يتخلله من أحاديث غير رسمية ومزحات فكاهية تعزز قيم الزمالة. ويرى المعنيون أن مثل تلك الأمور والقضايا، ولو كانت بسيطة، فهي تعد بمثابة إقرار رسمي من الشركة، بأن العاملين فيها بشر، وليس مجرد مستخدمين. ومن ذلك يمكن أن تتحقق تلك المنافع المتمثلة ببناء روابط اجتماعية، تصب في إتاحة فرصة ذات دعم موردي لأداء عمل مثمر في إطار الاندماج بالشركة كونها هي الأهم، ووفرت ما هو مهم ا للعاملين.
يتضح مما سبق ذكره، أن شركة (SAS) تستثمر في الروابط الاجتماعية التي تجمع العاملين بعمق وإيجابية، والاحتفاظ بمن يسعى لإقامتها وتقويتها، وليس بوضع الأغلال في أياديهم، من خلال رهنهم بالمحفزات الاقتصادية التي ترى الإدارة العليا فيها، إنها من الأمور الهدّامة. وهناك مثال آخر لإقامة الروابط وتدعيمها، يتمثل بشركة (UPS) الأمريكية للنقل البري، التي تحرص على إجراء الترقيات للمناصب الإدارية من داخلها دون اللجوء إلى تعيين أفراد من ذوي الخبرة والاختصاص من خارجها بالرجوع إلى سوق العمالة، وذلك بحكم وجهة نظر إدارتها العليا، إن الغالبية من مدرائها في المستويات الإشرافية، كانوا قد اكتسبوا الخبرة عبر سنوات التدرج الوظيفي وتطوير المسار المهني، وبالتالي يمكن ترقيتهم إلى الوظائف الأعلى. وفي هذه الحالة، تتمكن شركة (UPS) من الاحتفاظ بعضوية العاملين المشتركة في شبكات العمل لمدة طويلة، وبما يعزز ذلك الثقة فيما بينهم، وتبادل المعرفة بشكل تعاوني.
إن الشركات، قد استثمرت الكثير من الأموال في التكنولوجيا والاتصالات وأنظمة المعلومات وفرق العمل الافتراضية، وتحسين الإنتاجية ونوعية المنتجات، ولكنها تغفل ذلك الجانب المتعلق بقضية منح العاملين الوقت والمجال لإقامة الروابط الاجتماعية، والتقاء أعضاء الفرق وجهاً لوجه والعمل بكل ثقة جنباً إلى جنب كوجه من أوجه الاستثمار في الموجودات غير الملموسة. وفي ذات الوقت، يكون من المفيد جداً، أن تمنح الشركات نفسها، تلك الفرص الكافية والمناسبة لفرق العمل بأن تجتمع في مكان معين، ومن وقت لآخر، وإقامة لقاءات دورية عبر الانترنيت والبريد الإلكتروني، وبما يساعد أعضائها، وبشكل أكبر للمحافظة على الارتباطات الاجتماعية بينهم، وتعزيز المشاركة المعرفية. وبالمقابل، من جهة أخرى، نحن لا نتوقع أبداً من إتاحة فرص اللقاءات الإلكترونية والافتراضية منها، أن تخلق إحساساً بالانتماء للجماعة، وخصوصاً عندما لا يكون العاملين موجودين فعلاً بمواقع العمل الفعلية. وفي هذا الخصوص، تؤكد أغلب البحوث والدراسات أن أغلب الجماعات تضعف ارتباطاتها وروابطها، ما لم تمنح فرص التلاقي لأعضائها في فترات معينة. وبقدر تعلق الأمر برأس المال الاجتماعي، فإن السماح للعاملين باللقاء وجهاً لوجه، هو فقط نصف المعركة وخصوصاً إذا كانت محادثاتهم محصورة بشأن العمل، وتسعى الإدارة إلى تسهيلها عبر مقاهي المعرفة، وغرف المحادثات، والمكتبات والنوادي، والأماكن الاجتماعية الأخرى. والشركات في عملها هذا ، بالتأكيد ستعمل على تعزيز المعرفة المتبادلة، وتفجر حالة الاكتشافات والإبداعات المشتركة التي تدعم الجماعات. وما يدلل على ذلك بالفعل، هو اجتماع سائقو سيارات شركة (UPS) والتقائهم المستمر في مناطق محددة من أمريكا، وبشكل منتظم في المقاهي والكراجات وأماكن الراحة على الطرق الخارجية، لتناول الغداء وتبادل الأحاديث وإقامة المجاملات وترتيب الحمولات، والمشاركة بالمعلومات، ومثل هذه اللقاءات تطورت بشكل غير رسمي، وسعت الشركة لتعزيزها وتشغيلها وتأييدها، واعتبارها أحد الطقوس المهمة التي ينبغي الالتزام بها وممارستها على قدم وساق.
وبعض الشركات ذهبت أبعد من توفير مجالات للمحادثات، فهذه شركة Grand Rapids) ) في ولاية ميتشيكان بأمريكا، بحيث أتاحت الوسائل للتغلب على المحادثات المباشرة مع الرؤوساء (Icebreakers)، من خلال توفير بيئة خاصة وجذابة بوضع الصور الفوتوغرافية لجميع العاملين من الرئيس التنفيذي الأعلى نزولاً، مع وضع الملاحظات حول خلفياتهم العلمية والعملية ومشاريعهم الحالية، واهتماماتهم خارج مجال العمل. وبإمكان العاملين أن يستخدموا لوحات الكتابة (السبورات) الموضوعة خارج الشركة في المساحات، ويكتبوا ملاحظاتهم التي يرغبونها، والتي تنقل من قبل قسم العلاقات العامة لتدارسها والبت فيها والإجابة عليها لاحقاً في المكان ذاته. وفي هذه الحالة، تتمكن الشركة من المساعدة في إقامة الاتصالات، من خلال تعزيز شبكات الأعمال المستدامة، وإدامة الروابط بين العاملين عبر حالات الالتزام والاهتمام بمجال معين من العمل، ومساعدة البعض للبعض الآخر لإنجاز المهمات، وصولاً إلى تحقيق أعلى درجات التمتع بالرضا من عضوية جماعة ما.
يظهر من الأمثلة التي طرحها، أن أحد مفاتيح الاستثمار الناجح في رأس المال الاجتماعي هو الاحتفاظ بالعاملين المتماسكين، وتسخير الجهود لتحقيق روابط اجتماعية منتجة بينهم. ويؤكد (Etime Wenger) الخبير بجماعات الممارسة (Communities of Practice)، بوصفها جماعات مختارة ذاتياً بشكل غير رسمي يرتبط أدائها أو عملها بممارسة مشتركة، أو اهتمام مشترك أو أهداف مشتركة، وأن التمويل باتجاهها إذا ما أخذ طابعاً رسمياً قد يمزق الجماعات، ويجعل تركيزها ينصب فقط على إرضاء مصادر العمل الخاصة بهم. والإدارات في المنظمات معنية أن تعرف أين توجد جماعات الممارسة، وكيف يمكن رعايتها، ويتجنبوا الإضرار بها عبر خلخلة أو تمزيق الاتصالات فيما بين أعضائها. ويضيف (Wenger) أن تحليل شبكة العمل الاجتماعية يعد أفضل وسيلة لتحليل الجماعات غير الرسمية. ولعل ما يذكر أن مثل هذا الأسلوب الخاص بعلم النفس الاجتماعي، قد عمل به منذ خمسينيات القرن الماضي، ولأكثر من عقدين، ولكن أعيد استخدامه مؤخراً من قبل منظرو السلوك التنظيمي للكشف عن الجماعات غير الرسمية وشبكات العمل الافتراضية، وتسليط الأضواء على الأدوار الرئيسة التي تبرز، وبشكل عام فيها، ومن خلال تشخيص القادة الذين يتمتعون بالارتباط الاجتماعي العالي والاستفادة منهم في تبوء المناصب الإدارية الرسمية.
ولعل من المفيد ذكره كمثال توضيحي أخير، أن مدخل إقامة الروابط يعد المدخل الأكثر فائدة للنظر إليه، عند تعلق الأمر باندماج منظمتين، فقد بينت شركة British Telecom) البريطانية أنها قد فشلت في اندماجها مع شركة (MCI) الأمريكية بسبب عدم مراعاة الديناميات البشرية والتفاعلات الاجتماعية، والتي لوحظ فيما بعد أنها لم تجر على وفق نماذج العمل المطلوبة في هذا المجال. وعليه، فإن قضايا الثقة، التفهم الاجتماعي، والعدالة تعد مهمة كأهمية المسائل الإستراتيجية ، الفنية والمالية في حالات الاندماج الناجح لمنظمتين ذات ثقافتين مختلفتين. ومع ذلك فالشركات تقع بأخطاء الواحدة تلو الأخرى عندما تتعامل مع رأس المال الاجتماعي وإمكانية تجميع الجماعات والشبكات والفرق العاملة في إطاره ولحمها مع بعضها البعض متصورة كأنها أجزاء ماكنة.
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في ادارة الموارد البشرية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة