هل البَسْمَلة مِن القرآن ؟

بقلم : زعيم الطائفة السيّد أبو القاسم الخوئي
اتّفقت الشيعة الإمامية على أنّ البَسْملة آية مِن كلّ سورة بُدِئت بها، وذهبَ إليه ابن عبّاس، وابن المبارك، وأهل مكّة كابن كثير، وأهل الكوفة كعاصم، والكسائي، وغيرهما ما سِوى حمزة. وذهبَ إليه أيضاً غالبُ أصحاب الشافعيّ[1]، وجَزَم به قُرّاء مكّة والكوفة[2]، وحُكيَ هذا القول عن ابن عُمَر، وابن الزبير وأبي هريرة، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، ومكحول، والزهريّ، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام[3].

وعن البيهقي نقل هذا القول عن الثوريّ ومحمّد بن كعب[4]، واختاره الرازي في تفسيره، ونَسَبه إلى قُرّاء مكّة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز، وإلى ابن المبارك والثوريّ، واختاره أيضاً جلال الدين السيوطي مُدّعياً تواتر الروايات الدالّة عليه معنىً[5].

وقال بعض الشافعيّة وحمزة: (إنّها آية مِن فاتحة الكتاب خاصّة دون غيرها)، ونُسِب ذلك إلى أحمد بن حنبل، كما نُسِب إليه القول الأوّل[6].


[1] تفسير الآلوسي: ج 1، ص 39.

[2] تفسير الشوكاني: ج 1 ص 7.

[3] تفسير ابن كثير: ج 1، ص 16.

[4] تفسير الخازن: ج 1 ص 13.

[5] الإتقان النوع 22 - 27 ج 1 ص 135، 136.

[6] تفسير الآلوسي: ج 1 ص 39.

وذهبَ جماعة: منهم مالك، وأبو عمرو، ويعقوب: إلى أنّها آية فَذّة، وليسَت جزء مِن فاتحة الكتاب ولا مِن غيرها، وقد أُنزِلت لبيان رؤوس السِوَر تَيمّناً، وللفصل بين السورتَين، وهو مشهور بين الحَنَفيّة[7].

غير أنّ أكثر الحنَفِيّة ذهبوا إلى وجوب قراءتها في الصلاة قبل الفاتحة، وذَكر الزاهدي عن المجتبى: أنّ وجوب القراءة في كلّ رَكعة، هي الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة[8].

وأمّا مالِك فقد ذهب إلى كراهة قراءتها في نفْسِها، واستحبابها لأجْل الخروج مِن الخلاف[9].

أدلّة جُزئية البَسْملة للقرآن:

وفي هذه المسألة أقوال أُخَر شاذّة لا فائدة في التعرّض لها، ولكنّ المُهِم بيانُ الدليل على المذهب الحقّ، ويقع ذلك في عِدّة أمور:

1 - أحاديث أهل البيت:

وهي الروايات الصحيحة المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) الصريحة في ذلك[10]، وبها الكفاية عن تجَشّم أيّ دليل آخَر، بعد أنْ جَعَلهم النبيّ (ص) عِدْلاً للقرآن، في وجوب التمسّك بهم والرجوع إليهم[11].


[7] نفس المصدر. 

[8] نفس المصدر.

[9] الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 257.

[10] وللاطّلاع على الروايات المذكورة، يُراجَع فروع الكافي باب قراءة القرآن ص 86، والاستبصار باب الجَهْر بالبَسْملة ج 1 ص 311، والتهذيب - باب كيفيّة الصلاة وصِفتها ج 1 ص 153، 218، ووسائل الشيعة باب أنّ البَسْملة آية مِن الفاتحة ج 1 ص 352.

[11] تقدّم بعض مصادر هذا الحديث في الصفحة ( 18، 398 ) مِن هذا الكتاب.

1 - عن معاوية بن عمّار قال: ((قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا قُمتُ للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن ؟ قال: نعَم. قلتُ: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة، قال: نعم))[12].

2 - عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال: ((كتبتُ إلى أبي جعفر (عليه السلام): جُعِلتُ فِداك ما تقول في رجُلٍ ابتدأ: ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أُمِّ الكتاب، فلمّا صار إلى غير أُمّ الكتاب مِن السورة تَرَكها ؟ فقال العباسيّ: ليس بذلك بَأْس، فكتَب بخَطِّه: يُعيدُها - مرّتين - على رغْم أنْفِه، يعني العباسيّ))[13].

3 - وفي صحيحة ابن أبي أُذَينة: ((.. فلمّا فَرِغ مِن التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سَمِّ باسمي، فمِن أجْل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل السورة، ثمّ أوحى الله إليه أنْ احمدْني، فلما قال: الحمْدُ لله ربَّ العالَمين، قال النبيّ (ص) في نفْسه شُكراً، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه قطَعْت حمْدي فسَمِّ باسمي، فمِن أجل ذلك جعل في الحمْد: الرحمن الرحيم مرّتَين، فلما بلَغ ولا الضالِّين قال النبيّ (ص) الحمد لله ربِّ العالمين شكراً، فأوحى الله إليه قطعْتَ ذِكري، فسمِّ باسمي، فمِن أجْل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل السورة، ثمّ أوحى الله عزّ وجلّ إليه: اقرأ يا محمّد نِسبة ربِّك تبارَك وتعالى: قُلْ هو الله أحَد الله الصَمَد لم يلِدْ ولم يولَدْ، ولم يكن له كفُواً أحد))[14].

2 - أحاديث أهل السُنّة:


[12] الكافي ج 3 ص 312 ط دار الكُتُب الإسلامية.

[13] نفس المصدر ص 313.

[14] الكافي ج 3.

وقد دلّت على ذلك أيضاً روايات كثيرة مِن طُرُق أهل السُنّة، نذكر جملةً منها:

1 - ما رَواه أنَس قال: (بَينا رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ذات يوم بين أظْهُرِنا، إذْ أغْفى إغفاءةً، ثمّ رفَع رأسه متَبسِّماً، فقُلنا: ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال: أُنزِلت عليَّ آنفاً سورةٌ، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إنّا أعطيناك الكوثر..)[15].

2 - ما أخرجه الدارقطني بسنَدٍ صحيح عن عليٍّ (عليه السلام): (أنّه سُئل عن السَبْع المثاني، فقال: الحمدُ لله ربِّ العالَمين، فقيل له: إنّما هي سِتُّ آيات، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم آية)[16].

[15] صحيح مسلم باب حُجّة مَن قال البَسْملة آية ج 2 ص 12، وسُنن النسائي باب قراءة البَسْملة ج 1 ص 143، وسُنن أبي داود باب الجَهْر بالبَسْملة ج 1 ص 125.

[16] الإتقان النوع 22 - 27 ج 1 ص 136، ورواهما البيهقي في سُننه باب الدليل على أنّ البَسْملة آية تامّة ج 2 ص 45.



3 - ما أخرجه الدارقطني أيضاً بسنَدٍ صحيح عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم): إذا قرأتُم الحَمْد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإنّها أُمّ القرآن، وأُمّ الكتاب، والسَبْع المَثاني. وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها)[17].

4 - ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي بسنَدٍ صحيح عن ابن عبّاس قال: (السَبْع المَثاني فاتحة الكتاب. قيل: فأين السابعة ؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم)[18].

5 - ما أخرجه ابن خزيمة والبيهقي في المَعرِفة بسنَدٍ صحيح، مِن طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: (استرق الشيطان مِن الناس أعْظَم آية مِن القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم)[19].

6 - ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: (كان المسلمون لا يعلَمون انقضاء السورة، حتّى تنزِل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا نزلَتْ بسم الله الرحمن الرحيم عَلِموا أنّ السورة قد انقضتْ)[20].

7 - ما رواه سعيد عن ابن عبّاس: (أنّ النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان إذا جاءه جبرئيل، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم عَلِم أنّ ذلك سورة)[21].

8 - ما رواه ابن جريج قال: (أخبرني أبي أنّ سعيد بن جبير أخبره، قال: ولقد آتيناك سبْعاً مِن المَثاني قال: هي أُمّ القرآن، قال أبي: وقرأ عليَّ سعيد بن جبير بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال سعيد بن جبير: وقرأها عليَّ ابن عبّاس، كما قرأتُها عليك، ثمّ قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال ابن عبّاس: فأخرجها الله لكم، وما أخرجَها لأحدٍ قبلَكم)[22].

إلى غير ذلك مِن الروايات. ومَن أراد الاطّلاع عليها، فليُراجع مظانّها.


[17] نفس المصدر السابق.

[18] نفس المصدر، ورواه الحاكم في المستدرَك ج 1 ص 551.

[19] نفس المصدر ص 135، ورواه البيهقي في سُننه باب افتتاح القراءة في الصلاة ج 2 ص 50.

[20] مستدرَك الحاكم ج 1 ص 232 قال الحاكم : هذا صحيح على شرط الشيخَين.

[21] مستدرَك الحاكم ج 1 ص 231.

[22] كتاب فضائل القرآن ص 550.

لا تَصحَبِ المائقَ فإنّهُ يُزيِّنُ . .
أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله أَلاَّ . .
القديس أنسلم (1033م ـ 1109م) ..قراء . .
عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ . .
أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّه . .
مظاهر التطرف الاجتماعي . .
جدلية تأثُرْ النحو العربي بالمنطق و . .
لا تَجعَلُوا عِلمَكُم جهلاً، ويَقين . .
صندوق المستقبل . .
عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ . .
عقيدَتُنا في حَقِّ المُسلِمِ على ال . .
عقيدَتُنا في البَعثِ والمَعاد . .
كَمْ مِن مُستدرَجٍ بالإحسانِ إليهِ، . .
عقيدَتُنا في الدَّعوةِ إلى الوَحدَة . .
الْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَ . .
المَبعَثُ النّبويُّ الشّريفُ . .
المزيد

ENGLISH

بحث في العناوين     بحث في المحتوى     بحث في اسماء الكتب     بحث في اسماء المؤلفين

القرأن الكريم وعلومه
العقائد الأسلامية
الفقه الأسلامي
علم الرجال
السيرة النبوية
الاخلاق والادعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الأدارة والاقتصاد
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الزراعة
الجغرافية
القانون
الإعلام