النوادرُ إنّما كانتْ كذلكَ؛ لأنّها لا تتكررُ كثيراً، وإنْ تكررتْ لا يشبهُها أحدٌ . إنَّهُ فجرُ الخميسِ الذي يشهدُ ولادةَ السيّدِ شهابِ الدينِ المَرعَشيِّ في النجفِ الأشرفِ عامَ خمسةَ عشرَ وثلاثمئةٍ وألفٍ هجرية ، فسمِعَ آذانَ الولادةِ من ثلاثِ أعلامٍ كِبارٍ ، ومنذُ اليومِ الأولِ حازَ على اهتمام ِوالدهِ السيّد محمود ووالدتهِ العَلويةِ المُكرّمةِ.
شَهِدتْ فترةُ شبابهِ العديدَ من الرِحلاتِ الى المدنِ المقدسةِ كالكاظميةِ وسامراءَ وكربلاءَ ، وكانتْ لهُ العديدُ من المناظراتِ والحواراتِ وهوَ في أوائلِ شبابهِ.
إمتازَ السيّدُ شهابُ الدينِ بعبقريتهِ الفذةِ وحنكتهِ وذكائهِ الحادّ ، فيُنقَلُ أنّهُ حازَ على درجةِ الاجتهادِ في السابعِ والعشرينَ من عُمرهِ، وتتلمذَ على أبرزِ علماءِ عصرهِ كالشيخِ محمّد جَواد البلاغيّ والسيد هِبَةِ الدينِ الشهرستانيّ والشيخِ عبد الكريمِ الحائريّ والسيّدِ علي القاضي والشيخِ العراقيّ.
إمتازَ السيّدُ المَرعشيّ بأخلاقهِ الرفيعةِ وسلوكهِ الإسلاميّ الرائعِ ، فتُنقلُ عنهُ عشراتُ القصصِ والتي من أبرزِها أنّهُ كانَ ذاتَ يومٍ رفقةَ أولادِهِ في أحدِ الأماكنِ التي يتواجدُ فيها بعضَ الأحيانِ فطلبَ منهم أنْ لا ينادونَهُ (بابا) خَشيةَ أنْ يسمعَ الأطفالُ فتُخدشُ مشاعرُهم ، وكانتْ أخلاقُهُ رفيعةً في بيتهِ أيضاً فتقولُ زوجتُهُ: عِشتُ معَ السيّدِ المَرعشيّ ستينَ عاماً لم أسمعْ منهُ ما يجرحُ مشاعري أو يفرضُ عليَّ إرادتَهُ أو يغضبُ لشيءٍ بدرَ منّي، فكانَ زوجاً مثالياً رحيماً ومؤنساً حميماً، وكانَ يُساعدُني في المهامِّ المنزليةِ كالطبخِ والتنظيفِ.
أحبّتهُ الجماهيرُ المؤمنةُ لتقواهُ وورعِهِ وسلوكهِ الجميلِ ، فصارَ من المراجعِ العظام ِولا سيَّما بعدَ رحيلِ السيّدِ البروجرديّ ، وقد قامَ بأدوارٍ وأنشطةٍ كثيرةٍ جداً الى جَنبِ انشغالاتهِ الكثيرةِ ، فأسّسَ مكتبةً كبيرةً ضمتْ نفائسَ الكتبِ العلميةِ النادرةِ، وتُعرَفُ اليومَ بمكتبةِ السيّدِ المرعشيّ، فقد كانَ يشتري كتبَها من كُلِّ مكانٍ ويجمعُها في أيامِ شبابِهِ الى أنْ تمكّنَ من تشييدِها ، وكانَ يشتري تلكَ الكتبَ عن طريقِ قضاءِ الصلاةِ والزياراتِ كونهُ فقيرُ الحالِ فيبذلُ ما يحصلُ عليهِ من مالٍ على الكتبِ حِينَها!
أُفجِعتْ الجماهيرُ المؤمنةُ إثرَ سماعِ خبرِ رحيلِهِ في التاسعِ والعشرينَ مِن آب سنةَ تسعينَ وتسعُمئةٍ وألفٍ ميلادية ، عن عُمرٍ ناهزَ الـسادسةَ والتسعينَ عاماً. قيلَ أنّهُ: أوصى نجلَهُ السيّدَ محمود بأنْ يضعَ في لحدهِ السجَّادَةَ التي عبدَ اللهَ عليها سبعينَ عاماً والملابسَ التي كانَ يرتديها أثناءَ مراسمِ العزاءِ الحُسينيّ معَ التُربةِ الحُسينيةِ.