سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء الثمانون: الفيزياء بلا زمن: مفهوم الزمن في كونية الكون
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
13/12/2025
هناك عدة طرق مقترحة لمعالجة مشكلة الزمن، وهي من القضايا الأساسية في أبحاث الفيزياء المعاصرة، حيث تشكّل تحديًا مفاهيميًا لا يقل عمقًا عن مشكلة القياس. ويبدو أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمشكلة القياس في نظرية الكم، حيث إن جميع النماذج التي يحدث فيها انهيار صريح، تُغيّر دالة الموجة إلى شيء لم يعد ثابتًا في الزمن أو قابلًا للوصف بمعادلات غير زمنية.
الحجة هنا دقيقة نسبيًا ويمكن توضيحها عبر معادلات أساسية.
نعلم أن الاعتماد الزمني لدالة الموجة يُوصف عادة بمعادلة شرودنغر المعتمدة على الزمن، والتي يعرفها كل من درس أساسيات النظرية الكمومية. في هذه المعادلة، يمثل H ما يُعرف بـ"الهاملتوني" للنظام المدروس أو الكلي.
فإذا كانت دالة الموجة للكون ثابتة، فإن الطرف الأيسر من معادلة شرودنغر يكون صفرًا، مما يعني أن تطبيق الهاملتوني على دالة الموجة يعطي صفرًا. وهذا يقود إلى معادلة تُعرف باسم معادلة ويلر–ديويت (Wheeler–DeWitt equation)، وهي خاصية تنبع من كوننا نتحدث عن دالة موجة للكون ككل، لا لنظام فرعي فقط.
لكن، إذا حدث انهيار، فإن ذلك سيغير هذه الدالة، بحيث لا تعود تحقق معادلة ويلر–ديويت. نحصل عندها على دالة موجية جديدة، تمثل الحالة "المنهارة" المحدثة بفعل القياس. ووفقًا لمعادلة شرودنغر، تبدأ حالة الكون، في هذه الحالة، بالتغير مع الزمن. وبهذا المعنى، لا يبدأ الكون بـ"خلق" بل بـ"ملاحظة" أو "انهيار" مسبب.
الوضع مشابه في تفسير العوالم المتعددة. ففي هذا السياق، قد تبقى دالة الموجة الكاملة ثابتة، وتحقق معادلة ويلر–ديويت، لكن هذا لا ينطبق على أي فرع مفرد منها بعد "الاختيار"، أي أن كل فرع يتطور زمنيًا بشكل مستقل، ويصبح له واقع إدراكي خاص ضمنه.
أما نموذج بوم، فعند تطبيقه على كونية الكم، يُعيد إدخال الزمن بطريقة مختلفة. باستثناء الحالة التي تكون فيها دالة الموجة حقيقية بالكامل، فإن المسارات (trajectories) التي يحددها النموذج تتغير مع الزمن بشكل طبيعي، مما يعيد الزمن إلى قلب النموذج بوضوح.
انظر في هذا السياق إلى عمل فالنتيني المشار إليه في مقالات سابقة، والذي يستكشف بعمق كيف تعود الديناميكا الحتمية إلى الصورة الكونية.
مقاربة مختلفة تمامًا طُرحت أحيانًا، وتقترح أن "الزمن" في الفيزياء ليس شيئًا حقيقيًا بذاته، بل هو مجرد موضع (أو زاوية) لجسم ما نستخدمه كساعة. وغالبًا ما يُقترح اعتبار نصف قطر الكون كمؤشر زمني فعال.
وتُبذل في هذا السياق جهود لاشتقاق صيغة زمنية لمعادلة شرودنغر تنبع من معادلة ويلر–ديويت، مع الحفاظ على الاتساق العام للنظرية الكونية.
راجع في هذا السياق:
H.D. Zeh, Physics Letters 126A, 311 (1988)،
و C. Kiefer في كتاب Mathematics, Philosophy and Modern Physics،
تحرير E. Rudolph و I.O. Stamatescu، Springer، برلين، 1993.
كل هذه المقاربات تمثل موضوع بحث نشط في الفيزياء النظرية المعاصرة. ولا شك أن الكثير من العمل المفاهيمي والتقني لا يزال مطلوبًا قبل أن نتمكن من ربط هذه التفسيرات بتجربتنا المباشرة لتدفق الزمن، أو بفهم الافتقار إلى التماثل الزمني في سلوك الطبيعة على نطاقها الكامل.
يتبع في الجزء 81...







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN