تُعد درجة الحموضة أو ما يُعرف بالـ pH من أهم العوامل الكيميائية التي تحافظ على استقرار البيئة الداخلية لجسم الإنسان، فهي المقياس الذي يعبّر عن توازن الأيونات الهيدروجينية في السوائل الحيوية وخاصة الدم. إن الحفاظ على هذا التوازن يُعد من أعظم مظاهر الدقة في خلق الإنسان، إذ تعتمد عليه حياة الخلايا ووظائفها الحيوية بصورة مباشرة.
درجة الحموضة هي مقياس رياضي يعبّر عن مدى حموضة أو قلوية محلول ما، ويتراوح هذا المقياس بين الصفر والأربعة عشر، فإذا كانت القيمة أقل من سبعة كان الوسط حمضيًا، وإذا كانت أكبر من سبعة كان قلويًا، أما الرقم سبعة فيمثل التعادل التام. الدم في جسم الإنسان يجب أن يبقى قريبًا جدًا من الرقم 7.4 أي أنه قلوي خفيف، وأي تغير طفيف في هذه القيمة قد يؤدي إلى اضطراب في عمل الإنزيمات والتفاعلات الكيميائية التي يعتمد عليها الجسم في بقائه حيًا.
كل خلية من خلايا الجسم تقوم يوميًا بآلاف التفاعلات الكيميائية التي تحتاج إلى وسط ثابت في درجة الحموضة لتعمل بكفاءة، فعندما تنخفض قيمة pH ويصبح الدم أكثر حمضية يتعطل إنتاج الطاقة ويتأثر نقل الأوكسجين إلى الأنسجة، وعندما ترتفع القلوية أكثر من اللازم يختل توازن الأملاح والأيونات مما يؤثر على القلب والعضلات والجهاز العصبي. من هنا يظهر أن توازن درجة الحموضة ليس مجرد رقم كيميائي بل هو شرط أساسي لبقاء الإنسان.
يحافظ الجسم على هذا التوازن بدقة مذهلة من خلال أنظمة كيميائية متكاملة، فالرئتان تضبطان كمية ثاني أوكسيد الكربون في الدم لأن زيادته تجعل الوسط أكثر حمضية ونقصانه يجعله أكثر قلوية، والكليتان تنظم تركيز الأيونات الهيدروجينية والبيكربونات في الدم على المدى الطويل، كما يحتوي الدم نفسه على مواد منظمة تعمل كوسائد كيميائية تمتص أي تغيّر مفاجئ في الحموضة وتحافظ على الاستقرار الداخلي.
ويؤثر نمط الحياة والغذاء تأثيرًا كبيرًا في هذا التوازن، فالإكثار من الأطعمة الدهنية والسكريات والمشروبات الغازية يزيد من الحموضة، بينما تساعد الخضروات والفواكه والماء النقي على الحفاظ على القلوية الطبيعية للجسم. كما أن التوتر المستمر وقلة النوم يؤديان إلى زيادة إفراز الأحماض في الدم بسبب ارتفاع هرمونات التوتر، لذلك يُعد الحفاظ على أسلوب حياة صحي ومتوازن أمرًا ضروريًا لدعم كيمياء الجسم الطبيعية.
إن توازن درجة الحموضة في الدم يمثل إعجازًا كيميائيًا فريدًا في خلق الإنسان، إذ يعمل كل عضو وكل خلية ضمن منظومة دقيقة تحفظ هذا التوازن بشكل دائم، فكل نفس يتنفسه الإنسان وكل وجبة يتناولها وكل حركة يقوم بها، كلها تؤثر في هذا النظام الكيميائي المتكامل. فاحرص على أن يكون غذاؤك صحيًا وماءك كافيًا ونفسك هادئًا، لأن توازن كيمياء جسدك هو أساس صحتك وحياتك.
سبحان من جعل في كل خلية من خلايا الإنسان نظامًا دقيقًا لا يختل، ودليلًا على عظمة الخالق الذي قال: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".







وائل الوائلي
منذ 4 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN