تُعد المبيدات من أبرز الوسائل التي اعتمدها الإنسان في العصر الحديث لحماية محاصيله الزراعية من الآفات والحشرات والأعشاب الضارة، ونتيجة لتزايد الطلب على الغذاء وتوسع رقعة الزراعة، أصبح استخدام المبيدات أمرًا واسع الانتشار في كل أنحاء العالم. لكن مع هذا التوسع، برزت مشكلة بيئية خطيرة تتعلق بتأثير هذه المواد الكيميائية على الموارد الطبيعية، وخصوصًا على المياه السطحية التي تشمل الأنهار والبحيرات والجداول والسدود، حيث باتت مهددة بالتلوث بفعل ترسبات المبيدات القادمة من الأراضي الزراعية المجاورة.
إن تسرب المبيدات إلى المياه السطحية لا يحدث عبثًا، بل هو نتيجة تفاعل معقد بين ممارسات زراعية غير مدروسة وظروف طبيعية مساعدة، فعندما يتم رش المبيدات بكميات كبيرة أو في أوقات غير مناسبة، فإن مياه الأمطار أو الري تقوم بحمل البقايا الكيميائية نحو المجاري المائية المجاورة. كما أن بعض المبيدات تمتلك خاصية البقاء في التربة لفترات طويلة وقد تتحرك بفعل الجاذبية أو التسرب باتجاه منابع المياه. ولا يقتصر التلوث على مياه الري أو الأمطار، بل إن الرش الجوي للمبيدات فوق الأراضي الزراعية قد ينتهي بسقوط كميات منها مباشرة في الأنهار أو البرك المجاورة، خاصة عند وجود رياح قوية أو عدم وجود مصدات نباتية طبيعية.
وللمبيدات تأثيرات متعددة على البيئة المائية، فهي تخلّ بتوازن الأنظمة البيئية من خلال إلحاق الضرر بالكائنات الدقيقة التي تشكل الأساس في السلسلة الغذائية، وقد تتسبب في نفوق الأسماك والبرمائيات أو تؤثر على تكاثرها ونموها. والأسوأ من ذلك أن بعض المركبات الكيميائية لا تتحلل بسهولة بل تتراكم في أجسام الكائنات الحية وتنتقل من كائن إلى آخر حتى تصل إلى الإنسان عبر الغذاء أو الماء، مما يسبب أمراضًا خطيرة كالتسمم المزمن والسرطان واضطرابات الجهاز العصبي والمناعي.
ويعد الإنسان المتضرر الأول من هذا التلوث، حيث إن شرب مياه ملوثة أو تناول أطعمة ملوثة بالمبيدات يؤدي إلى مخاطر صحية جسيمة، خصوصًا لدى الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، وقد تتجلى هذه المخاطر في صورة أمراض عصبية، أو فشل كلوي وكبدي، أو اضطرابات هرمونية قد تمتد آثارها لأجيال قادمة. ومما يزيد الأمر سوءًا أن بعض المبيدات المحظورة دوليًا لا تزال تُستخدم في بعض المناطق بسبب ضعف الرقابة أو الجهل بخطورتها.
أمام هذا الواقع البيئي والصحي المقلق، تظهر الحاجة الماسة إلى مراجعة سياسات استخدام المبيدات وتطبيق إجراءات أكثر صرامة لحماية الموارد المائية، بدءًا من توعية المزارعين حول مخاطر الاستخدام المفرط، وتشجيعهم على اعتماد تقنيات الزراعة العضوية أو المتكاملة التي تقلل الحاجة إلى المبيدات، مرورًا بسن قوانين تلزم بإقامة حواجز نباتية على أطراف الحقول للحد من الجريان السطحي، وانتهاءً بضرورة إجراء تحاليل دورية لمصادر المياه للكشف المبكر عن التلوث وإزالة مخاطره قبل أن يتحول إلى كارثة بيئية شاملة.
وفي الختام، فإن قضية تلوث المياه السطحية بالمبيدات ليست مجرد مشكلة زراعية أو بيئية، بل هي أزمة تمس حياة الإنسان وصحته بشكل مباشر. لذا فإن التصدي لها لا يكون فقط من خلال تقنيات المعالجة، بل من خلال وعي جماعي يدرك خطورة السلوكيات الخاطئة، ويحرص على حماية الماء، هذا المورد الحيوي الذي لا غنى عنه لبقاء الحياة.







وائل الوائلي
منذ 4 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN