تعد مدينة الناصرية، الواقعة في جنوب العراق، واحدة من المدن التي تتميز بتراثها العريق وعاداتها الفريدة خلال شهر رمضان المبارك. يتميز الشهر الفضيل في الناصرية بالأجواء الروحانية والتلاحم الاجتماعي، حيث يجتمع الأهالي على موائد الإفطار، ويشاركون في الطقوس الدينية والاجتماعية التي تعكس أصالة هذه المدينة. في هذا المقال، نستعرض أبرز العادات والتقاليد الرمضانية التي تميز الناصرية عن غيرها من المدن العراقية.
1. استقبال شهر رمضان
مع اقتراب حلول رمضان، يبدأ سكان الناصرية بالاستعداد لهذا الشهر من خلال شراء المواد الغذائية الأساسية، مثل التمور، واللحوم، والحبوب، والدهن الحر، بالإضافة إلى الحلويات التقليدية التي تزين موائد الإفطار.
تحري هلال رمضان من العادات المتوارثة، حيث يتابع الأهالي أخبار ثبوت الهلال عبر رجال الدين والمؤسسات الدينية، وتبدأ التهاني والتبريكات بين العائلات والأصدقاء بهذه المناسبة المباركة.
2. المائدة الرمضانية في الناصرية
تعتبر الموائد الرمضانية في الناصرية جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الشهر الفضيل، حيث تتنوع الأطباق بين الوجبات التقليدية والمأكولات الحديثة. ومن أشهر الأكلات الرمضانية:
شوربة العدس: طبق أساسي في الإفطار، يساعد في تعويض الجسم عن السوائل المفقودة خلال الصيام.
الباقلاء بالدهن: أكلة جنوبية شهيرة يتم تناولها في السحور، وهي غنية بالسعرات الحرارية التي تمنح الصائم طاقة تكفيه طوال اليوم.
الثريد: يتم تقديمه بجانب الأرز واللحم، وهو طبق دسم يعكس التراث العراقي.
الكيمر العراقي مع الخبز الحار: من أشهر وجبات السحور المحبوبة بين سكان المدينة.
الحلويات التقليدية: مثل الزلابية، والبقلاوة، واللبنية، التي تضيف نكهة مميزة للأمسيات الرمضانية.
تُعرف الناصرية بكرم أهلها، حيث يتم تبادل الأطعمة بين الجيران، وهي عادة متوارثة تعزز روح المحبة والتعاون بين الأهالي.
---
3. النشاطات الرمضانية بعد الإفطار
بعد أداء صلاة المغرب وتناول الإفطار، يتجه الأهالي إلى المساجد، التي تشهد حضورًا كبيرًا من مختلف الفئات العمرية.
كما أن المقاهي الشعبية والمضايف تشهد تجمعات ليلية ممتعة، حيث يجتمع الشباب وكبار السن لشرب الشاي والحديث عن الأمور اليومية، في أجواء تسودها الألفة والمودة. وتعد لعبة المحيبس من أهم الطقوس الرمضانية في الناصرية، حيث يتنافس فريقان في البحث عن الخاتم المخفي في يد أحد اللاعبين، وسط أجواء من الحماس والتحدي.
---
4. الأجواء الدينية في رمضان
يعتبر رمضان فرصة لتعزيز الجانب الروحي، إذ تكثر في المساجد والمضايف الدينية دروس الوعظ والإرشاد، وختمات القرآن الكريم، وحلقات الذكر. كما تقام المجالس الدينية في الحسينيات، حيث تُلقى المحاضرات الدينية، ويتم توزيع الطعام على المحتاجين.
---
5. العشر الأواخر وليلة القدر
مع دخول العشر الأواخر من رمضان، يزداد إقبال الأهالي على المساجد والمراكز الدينية، حيث يحرص الكثيرون على أداء الاعتكاف والتفرغ للعبادة. كما تحظى ليلة القدر بمكانة خاصة، حيث تُقام الصلوات والدعوات، ويتسابق الأهالي في تقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين. وتحتل ذكرى شهادة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، لا سيما في مدينة الناصرية، حيث يجتمع الأهالي لإحياء هذه المناسبة الجليلة في أجواء من الحزن والخشوع. تتزامن هذه الذكرى مع ليالي القدر المباركة في شهر رمضان، مما يضفي عليها أجواءً روحانية مميزة. يحرص سكان الناصرية على إقامة المجالس الحسينية، والمواكب العزائية، والتعبير عن الحزن عبر طقوس دينية متوارثة.
---
6. وداع رمضان والاستعداد للعيد
مع اقتراب نهاية الشهر الكريم، تبدأ العائلات في تجهيز مستلزمات عيد الفطر المبارك، حيث يتم شراء الملابس الجديدة للأطفال، وإعداد الكليجة والحلويات، وتنظيف المنازل استعدادًا لاستقبال الزائرين. كما تشهد الأسواق حركة نشطة لشراء مستلزمات العيد.
وفي الليلة الأخيرة من رمضان، يخرج الأطفال إلى الشوارع مرددين الأهازيج الشعبية، احتفالًا بقدوم العيد، وهي عادة تراثية قديمة تعبر عن الفرح والسرور.
في الختام يُعد رمضان في مدينة الناصرية أكثر من مجرد شهر للصيام، فهو موسم يجمع بين العبادات، والعادات الاجتماعية، والأجواء التراثية التي تعكس أصالة المجتمع العراقي. وبين موائد الإفطار العامرة، والجلسات الرمضانية، والممارسات الدينية، يظل هذا الشهر المبارك فرصة لتعزيز الروابط الأسرية والمجتمعية، وتجديد الروح الإيمانية لدى الجميع.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN