إنَّ التَّفكِيرَ الإِبدَاعِيَّ هُوَ عِبَارَةٌ عَن تَقدِيمِ شَيءٍ جَدِيدٍ، أَو مُحَاوَلَةُ إِعَادَةِ تَقدِيمِهِ بِصُورَةٍ جَدِيدَةٍ أَو جَذَّابَةٍ غَيرِ مَألُوفَةٍ . وَكَمَا قِيلَ " هُوَ القُدرَةُ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ الأَشيَاءِ المَألُوفَةِ بِطَرِيقَةٍ غَيرِ مَألُوفَةٍ " . فَالمُفَكِّرُ المُبدِعُ هُوَ الذِي يَستَعمِلُ خَيَالَهُ فِي تَطوِيرِ المُنتَجَاتِ مَهمَا كَانَتْ ( فَنِّيَّةً أَو مَادِّيَّةً أَو عِلمِيَّةً )، وَيُقَدِّمُ رُؤىً فِي تَكيِيفِ الآرَاءِ وَبَلُّورَتِهَا لِتَصِلَ إِلَى حَيِّزِ التَّنفِيذِ وَإِمكَانِيَّةِ التَّطبِيقِ .
وَالتَّفكِيرُ الإِبدَاعِيُّ لَيسَ حِكرًا لِفِئَةٍ خَاصَّةٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَهَارَةٌ يُمكِنُ لِأَيِّ شَخصِ رِعَايَتُهَا وَتَطوِيرُهَا ، كَالعَصفِ الذِّهنِيِّ ، فِي تَطوِيرِ التَّفكِيرِ وَإِنتَاجِ أَفكَارٍ جَدِيدَةٍ لِلغَايَةِ وَغَيرِ مَألُوفَةٍ ، لأَنَّ طَبِيعَةَ التَّفكِيرِ الإِبدَاعِيِّ تقتَضِي الخُرُوجَ عَنِ الرَّتَابَةِ وَالرُّوتِينِ اليَومِيِّ، وَكُلَّ مَا اِعتَادَ عَلَيهِ أَصحَابُ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَالمُبدِعُ يَكرَهُ تَكرَارَ نَفسِ التَّجَارِبِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنتِجُ أُمُوراً مُختَلِفَةً وَمُمَيَّزَةً . يَمتَلِكُ الأَشخَاصُ المُبدِعُونَ القُدرَةَ عَلَى اِبتِكَارِ وَسَائِلَ جَدِيدَةٍ لِحَلِّ المُشكِلَاتِ، وَمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ، وَتَقدِيمِ نَظَرِيَّاتٍ، وَرُؤىً تَمَكِّنُ أَيَّ أَصحَابِ مَجَالٍ مِنْ تَنفِيذِهَا، وَهَذَا يَعُودُ إِلَى أَنوَاعِ التَّفكِيرِ الإِبدَاعِيِّ الذِي يُمَارِسُوهُ فِي مَجَالِهِم، لِذَا يُفَضِّلُ أَصحَابُ العَمَلِ تَوظِيفَ الأَشخَاصِ الذِينَ يَتَّصِفُونَ بِقُدُرَاتِهِم الإِبدَاعِيَّةِ مُقَارَنَةً بِغَيرِهِم مِنَ الأَشخَاصِ الخَامِلِينَ.
وَلِنَجَاحِ التَّفكِيرِ الإِبدَاعِيِّ يَجِبُ أَن يُبنَى عَلَى الخَصَائِصِ وَالمُمَيِّزَاتِ الآتِيَةِ :
أَوَّلاً : نُفُوذُ الفِكرِ وَإِمكَانِيَّةِ التَّحلِيلِ: قَبلَ التَّخلِيقِ وَالإِبدَاعِ فِي شَيءٍ مَا ، يَجِبُ أَوَّلاً أَنْ تَتَحَقَّقَ إِمكَانِيَّةُ فَهمِهِ بِصُورَةٍ تَفصِيلِيَّةٍ ، وَهَذَا يَتَطَلَّبُ القُدرَةَ عَلَى فَحصِ وَتَحلِيلِ الأَشيَاءِ بِعِنَايَةٍ وَدِقَّةٍ؛ لِمَعرِفَةِ المُحتَوَى مُفَصَّلاً وَالوُقُوفِ عَلَى مُكَوِّنَاتِ الشَّيءِ وَأُصُولِهِ وَعَنَاصِرِهِ .
ثَانِيًا : تَخَطِّي الحُدُودِ المَفرُوضَةِ : حَتَّى تُفَكِّرَ بِطَرِيقَةٍ إِبدَاعِيَّةٍ أَبعِدْ عَن تَفكِيرِكَ كُلَّ المُسلِمَاتِ المُفتَرَضَةِ ، وَانظُرْ إِلَى الأُمُورِ وَالأَشيَاءِ مِنْ حَولِكَ بِطَرِيقَةٍ تَختَلِفُ عَمَّا هُوَ رَائِجٌ ، وَهَذَا يَقتَضِي الانفِتَاحَ الكَامِلَ مِن دُونِ قُيُودٍ مُسبَقَةٍ .
ثَالِثًا : وَضعُ الحُلُولِ لِلمَشَاكِلِ: عِندَمَا تُوَاجِهُكَ مُشكِلَةٌ مَا ، بَادِرْ إِلَى التَّفكِيرِ بِكَيفِيَّةِ التَّوَصُّلِ إِلَى حُلُولٍ جَدِيدَةٍ مِن دُونِ اللُّجُوءِ إِلَى الحُلُولِ المُقتَبَسَةِ وَالمُستَعَارَةِ وَالمُكَرَّرَةِ، وَاطرَحهَا كَمُقتَرَحَاتٍ قَابِلَةٍ لِلمُدَاوَلَةِ وَالمُنَاقَشَةِ، فَإِنَّ أَصحَابَ العَمَلِ يُفَضِّلُونَ هَكَذَا نَمَطٍ مِنَ المُوَظَّفِينَ الذِينَ يُبَادِرُونَ إِلَى الابتِكَارِ وَالإِبدَاعِ فِي مُعَالَجَةِ الأُمُورِ وَالمُشكِلَاتِ .
رَابِعًا : اِلتِزَامُ التَّنظِيمِ: فَهُوَ جُزءٌ أَسَاسِيٌّ مِن الإِبدَاعِ ؛ فَبَعدَ عَمَلِيَّةِ العَصفِ الذِّهنِيِّ وَطَرحِ المُقتَرَحَاتِ وَالأَفكَارِ الإِبدَاعِيَّةِ الجَدِيدَةِ، لَابُدَّ مِنْ أَنْ تُنَظَّمَ عِبرَ هَيكَلِيَّةٍ مُتَكَامِلَةٍ فِي أَبعَادِهَا، وَبِصُورَةٍ يَستَوعِبُهَا الآخَرُونَ، وَيَفهَمُونَ رُؤيَتَكَ بِوُضُوحٍ، بِحَيثُ يُتَابِعُونَهَا بِمَزِيدٍ مِن الاهتِمَامِ وَالجِدِّيَّةِ .
خَامِسًا : التَّوَاصُلُ وَالِانفِتَاحُ : إنَّ مِنْ أَولَوِيَّاتِ تَغذِيَةِ التَّفكِيرِ الإِبدَاعِيِّ هُوَ التَّوَاصُلَ مَعَ الآخَرِينَ مِن نَاحِيَةِ الحِوَارِ، وَتَبَادُلِ الخِبرَاتِ، وَبَيَانِ أَفكَارِكَ الإِبدَاعِيَّةِ بِصُورَةٍ إِقنَاعِيَّةٍ، وَهَذَا يَقتَضِي الانفِتَاحَ الكَامِلَ عَلَى مَصَادِرِ المَعرِفَةِ وَالمُؤَسَّسَاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَالإِنتَاجِيَّةِ بِمَا يُثرِي مَعلُومَاتِنَا وَيُزَوِّدُنَا بِبَيَانَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمُختَلِفَةٍ .







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN