Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
رسالة خلدونيّة قارعة إلى قياصرة العروش وأكاسرة الجيوش!

منذ 3 سنوات
في 2022/09/17م
عدد المشاهدات :1571
بيت القصيد
دائرة الحياة بكل مفاصلها وشُعبها تدور بالسنن الإلهية والنُظم العُلْوية.. وبأفلاك الآجال المُحدّدة والأوقات مقدّرة.. فعلى الأفراد والجماعات والشعوب والأمم وعي حركة الحياة وآليات ديمومتها في التأريخ. فليعي الذي رفعته الحياة في يومه أنه في اختبار كبير.. كما الذي أودت به الحياة إلى الردى، فهو أيضا في اختبار عسير من نوع آخر. فلا يسكر الذي اعتلى في يومه، بكأس الغفلة ونشوة العزّة الزائفة والكبرياء الباطلة.. لأن يومه إلى زوال وعلوّه إلى فناء ولن يبقى من العمل والكلمة والموقف إلا الحق الحقيق والأثر الصالح، وكل ما دون ذلك فسراب!
إن قياصرة العروش، وأكاسرة الجيوش، في أصقاع المعمورة على امتداد المشارق والمغارب، لم يتعلموا دروس التأريخ ولم ينهلوا من عِبَرِه البليغة ومَثُلاته الرادعة. لماذا لم يقرأ قادةُ العالم اليوم دروس الأمس لغد مشرق هذا أمر محيّر للغاية

الجواب على ذلك يستدعي منا "الرجوع إلى المستقبل" لأن الماضي فكرة وعِبْرَة قد خلى، والمستقبل تطلّع ومسؤولية سَيَقْدُم؛ وبما أن التأريخ يُعيد بنا كرّته، وسُننه تجري على ما هو كائن وسيكون بمثل ما جرت على ما كان، فنحن مدعوون إلى "الرجوع إلى المستقبل" بالمحاكاة من خلال الإحتكام إلى التأريخ الذي استحال ومضى، والإتعاض بعِبَرِه والتعلم من دروسه النافعة لمستقبل أفضل.

فقد نظّرة الفيلسوف العربي العَلَم، ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد الحضرمي الإشبيلي، 1332-1406م)، من جملة ما نظّر في تراثه الفكري الفلسفي والتأريخي وعلم-الإجتماعي، رؤيةً تحليليةً عن قيامِ وسقوطِ الإمبراطوريات والشعوب والسُلالات الحاكمة عبر القرون. وقد خَلُصَ بتحليله هذا بعدّة مُخرجات، تصلح أن تبعث نداءاً قارعاً مدوّياً لمن يتقلّد مناصب الحُكم في أطراف الأرض؛ والركيزة المحورية في استقرائه هي "العصبيّة". وهي تلك النزعة الطبيعية في البشر، كما يراها ابن خلدون، التي تتولّد من النَسَب، والقرابة، والولاء والتكتُّل الجماعي، بشرط الملازمة بين الأفراد من أجل أن يتم التفاعل الإجتماعي والرابطة البينية. وهذه العصبيّة هي ملازمة للإنسان منذ أن كان، لا تنفك عن طبعه ولا تفترق عنه بحال، وهي تبقى مستمرة ومتفرعة بوجود الأفراد واستمرار تناسلهم في الجماعة أو العُصبة الواحدة؛ لينشأ بين أفرادها شعور يؤدي إلى المحاماة والمدافعة، والتأطّر ببوتقة واحدة بعيداً عن التزاحم، والإنصهار في كينونة ملتحمة، يتعصّب أفرادها لبعضهم البعض، ويتبادلون في هذه الوحدة شعور الهوية المتصلة، ويتناوبون على المهام التي تحفظ جمعهم. وأمّا مقياس الشدّة أو الضعف لهذه العصبيّة، فهو أمر يتوقف على درجة قرب النَسَب أو بعده بالنسبة للأفراد في إطار اللـُحمة المفروضة والرابطة القائمة.

فقد رأى ابن خلدون أن سُلالة الحُكم القَبَلي أو الجماعي أو الشعبي، تأتي من خلال العصبيّة القائمة بين الأفراد، فعُراها أقوى وأوثق في دائرة الذين يتخذون من البوادي والقُرى مساكن لهم في مقابل الحضريين الذين يتخذون المساكن في الحضر والمدن المعمورة. لأن الدائرة الأولى (لأهل البوادي)كالصحاري والقفار والأودية والتجمعات السكانية الصغيرةفي قساوتها وبساطتها، تجمع الأفراد بشكل طبيعي وتوحّدهم حول شؤونهم المتبادلة وتجاه المنافع والمخاطرة المشتركة؛ في حين الأخيرةالمُدن الآهلة بالسكان والتي تتخصّص فيها الأدوار وتتنوع فيها الأطوار وتكثر فيها الكثافة السكانيةتعبّر عن الإسترخاء النْسبي والتفكك في العلاقات بين الأفراد المُتمدنين في هذه المُدن المتقدمة المزدهرة، لذلك تقل صور التعصّب فيما بينهم وحول شؤونهم، إلى حدٍ قد تختفي معه العصبيّة عن مسرح الحياة كليّةً، على الأقل شكليّاً. والنتيجة المتحصّلة هي أن العصبيّة القَبَليّة أو الجماعيّة عموماً، عند ابن خلدون، تضمر أو تفسد أو تختفي مع إرتفاع التمدّن و الحاضرة المدنية والحياة الإجتماعية ذات العلاقات الواسعة والمعقّدة والمتداخلة والمتخصصة في طبيعتها.

وقد قسّم ابن خلدون ميكانيكيّة الصعود والأفول للتشكيلات الإجتماعية أو السلطوية بحجومها المختلفة، التي تظهر بسبب الغزوات والفتوحات والحروب بعامل التعصّب، إلى خمس مراحل؛ وهي خمسٌ تُعبّرُ عن خمسةِ أجيالٍ في تراتبية الهرم لوحدة الجماعة في السُلّم الإجتماعي للعصبيّة والعُصْبيّة الخلدونيّة:
أولها مرحلة الصعود الكاسح للجماعة المتعصّبة بالغزو أو الفتح أو الإحتلال أو الإجتياح أو الإنتزاع أو الإستيلاء أو ما شاكل من صور الإستحواذ؛ تكون الجماعة فيها قويةً متماسكةً متعصّبةً لبعضها البعض. وبذلك تُحقق الجماعة وجودها وتبسط يدها على أزمّة الأمور ويُكتب لها البزوغ التأريخي.
ثانيها مرحلة الإنتقال التدريجي من حكم الجماعة في دائرتها الواسعة إلى حكم الفرد في الدائرة الضيّقة، سواء ذلك متمثلاً بالملكيّة أو الخلافة أو السلطنة أو المشيخة أو أيُّ قيادةٍ ما على نمطٍ عصريٍ حديث.
ثالثها مرحلة الحُكم الرشيد المزدهر للفرد القائد في دائرة الجماعة ولمصلحة جميع الأفراد فيها؛ فينعم الجميع بالحُكم الذي يصدر لجهة الصالح العام ككيان واحد متصل، ينتفع بعضه ببعض، وتنسجم فيه قمّة الهرم السلطوي بتشكيلاته مع القاعدة العريضة، بروابط نازلة وأخرى صاعدة.
رابعها مرحلة دبيب المكر والخُبث في سُدّة الحُكم باعتراض العُجب، والتعالي، والثقة الذاتية العمياء، والغرور، والخُيلاء، والتكبّر، والتفاخر، والفساد، والإرتشاء، والمحسوبيات، والمحاباة للبعض على حساب الآخرين. بهذا يتحقق الهبوط الأبرز في الكيان، وإن كان هذا الهبوط نتيجةً لما مرّ من المراحل المُمهّدة له.
خامسها مرحلة فقدان السيطرة على أزمّة الأمور وتعطّلع الحُكم وفساده وبطلان الحوكمة النافذة بين القيادة في القمّة، وبين الرعية في القاعدة. وبذلك تطوي الجماعة وجودها ويُكتب لها الأفول التأريخي والزوال عن صفحاته.

هذه هيكلة نموذج قيام وسقوط التشكيلات الاجتماعو-سياسية في قراءة ابن خلدون في بُعدها علم-الإجتماعي للتأريخ والأمم وحركتها في دورات حياتها على مسرح الواقع. ربما جاءت الأنظمة الديمقراطية الحديثة بنماذج مغايرة شكلاً للنموذج التقليدي السائد للإمبراطوريات والخلافات والسُلالات التي استقرأها وحلّل تشكيلاتها ابن خلدون في وقته، لكن النظرة المضمونية والقصديّة المتفحّصة في المقاربة الخلدونيّة خماسية المراحل تشمل الأنظمة الحديثة مع تطبيقات مغايرة في قراءة منحى القيام والسقوط لهذه الأنظمة.

والرسالة الخلدونيّة لملوك الشرق والغرب في عصرنا، تتلخّص بهذه القارعة: لا تسكروا سكرة الطغيان بنشوة القيام والصعود والإزدهار لشعوبكم بالتعصّب الأعمى والتجاذب الجماعي الضيّق فيما يمتعكم بنِعَم العيش على حساب الآخرين ومُقدّراتهم، فإن السقوط والأفول موعدكم المحتوم وهو أقرب مما تظنون، وهذا ديدن الأمم من الملل والنحل من قبلكم.

يقول الإمام علي بن أبي طالب من جملة ما ورد عنه من الدرر الخالدة واللآلِئُّ المبثوثة والجِمار المتوقّدة: "...فإن كان لا بُدَّ من العصبيّة فليكن تعصُّبُكـُم لمكارم الخِصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور، التي تفاضلت فيها المُجَدَاءُ (جمع مَجيد، صفة الثبات والتبجيل) والنُّجَدَاءُ (جمع نَجيد، صفة النجّدة والمعونة) من بيوتات العَرَب ويعاسيب (جمع يَعْسوب، أمير النحل؛ يريد أمير القوم) القبائل...". وورد عنه قوله: "فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأَمْلاءُ (جمع مَلأ، أي الجماعة والقوم) مجتمعة، والأهواءُ مُؤتَلِفة، والقلوب مُعتَدِلة، والأيدي مُترادفة، والسيوف مُتناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة. ألـمْ يكونوا أرباباً في أقطار ألارضين، وملوكاً على رقاب العالمين؛ فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم، حين وقعت الفُرقة، وتَشَتَّت الأُلفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعَّبوا مُختَلِفين، وتفرّقوا مُتحارِبين، قد خَلَعَ اللهُ عنهم لباسَ كرامته، وسَلَبَهم غَضَارَةَ (السعة والرحابة) نِعْمَتِه، وبقي قَصَصُ أخبارهم فيكم عِبَراً للمُعتَبَرِين". فهذا التصوير المعبّرعن حقيقة حال الأمم في صيرورتها بعد العزّة والجبروت والهيلمان، شُعَبَاً وأقساماً وأحزاباً وأفراداً وشتاتاً وعِبراً يُتَّعَضُ بهالحريٌ أن يُعلَّقَ وِساماً ولوحَةً خالدةً على جُدران معاهد الدراسات الدولية ومراكز البحوث الإستراتيجية؛ لتَنْعَم الإنسانية بشيءٍ من الراحة في قابل تأريخها الآت بما يستمده من دروسٍ وعِبَر من سابق ما مضى من المنسي والمهمول

تذكّروا إنها لن تدوم واحذروا، فسُنّة "التداول" جارية: ((إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاس...)) [ق.ك.140:3]. كما وليطمئن عامة الناس أنها لن تدوم فسُنّة "التدافع" جارية: ((...وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمينَ)) [ق.ك.251:2].

فصرخة قارعة إلى الطواغيت والجبابرة، وجلاوزة القتل ومهندسي الحروب، والمتبلطجون بالتجاوز على حقوق الشعوب الآمنة المسالمة: تذكّروا يوم الرحيل والأفول والنهاية والزوال في ذات اللحظة التي تكرعون فيها كؤوس خمرة الصعود والإزدهار، ويصيبكم فيها جنون العظمة، ونشوة الإستعلاء، والنرجسية العمياء، والتوحش القيمي والمعياري والسلطوي، والنزعة الدمويّة، والإستبدادية الرعناء، والكذوبية الباثولوجية التي تمارسونها بمنتهى الدهاء (والغباء) تشويهاً للحقيقة والواقع، ونسجاً لسردياتٍ مظللةٍ ماكرةٍ استخفافاً بعقول الناس وتزييفاً في صفحات كتاب التأريخ؛ تذكّروا عند صعودكم حقيقة وواقعية هبوطكم، فعند بزوغ الشمس وطلوعها يتذكر العاقل الحكيم غروب الشمس وأفولها

اعضاء معجبون بهذا

البحث العلمي في العراق بين الأزمة والإصلاح: مراجعة نقدية في ضوء تجارب دولية رائدة
بقلم الكاتب : محسن حسنين مرتضى السندي
يمثل البحث العلمي حجر الزاوية في بناء الاقتصادات المعرفية المستدامة، والمحرك الأساسي للسيادة التنموية لأي دولة. كما يعكس حيوية منظوماتها الأكاديمية وقدرتها على توليد معرفة أصيلة تخدم تقدم المجتمع. إلا أن العراق، على الرغم من امتلاكه رأسمال بشرياً مؤهلاً وشبكة جامعية واسعة، يواجه أزمة هوية ووظيفة... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ 5 ايام
2025/11/16
احلفكم بالله ايها المحللون والاعلاميون اتركوا المنتخب العراقي وشأنه ولا تضعوا...
منذ 5 ايام
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ 5 ايام
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )