كلوا واشربوا ولا تسرفوا

الرئيسة / مقالات اجتماعية

وائل الوائلي

عدد المقالات : 11

في أحد الأيام ذهبت لشراء بعض شجيرات الزينة من المشتل ، وفي باب الخروج صادفت رجلا منهكا متعرقاً كان قد أنهى تمارينه في النادي الرياضي المجاور للمشتل .
فأمعن النظر بي ثم عرض عليّ المساعدة في حمل الشجيرات فشكرته .
ثم سألني ألا تعرفني ؟ هل تذكرني ؟
فقلت له : لا أتذكر إننا التقينا سابقا .
فقال لي : ارجع بذاكرتك إلى أيام الدراسة في المرحلة المتوسطة .
فقلت له : كان عندي أصدقاء كثر ولكني لا أتذكرك .
فقال لي : ألست عادل .
فقلت له : نعم .
قال لي : إذن إننا أصدقاء ، ولكنك لا تذكرني .
فقلت له : عرّفني وذكرّني باسمك .
فقال لي : أنا سعدون ، فرجعت إلى أيام المتوسطة وقلت : نعم أتذكر كان عندي صديق يدعى بهذا الاسم لكنه كان رشيقا وكان يشارك في البطولات الرياضية ولم يكن أحد ينافسه في الجري ، فضحك متحسراً وقال : نعم أنا هو .
استغربت من هندامه الفظيع وقلت له : كيف وصلت لهذا الحال ؟
فقال : انها قصة طويلة ، ثم عرض عليّ أن يوصلني إلى منزلي ، قبلت بشرط أن يكون ضيفي لهذا اليوم ، وشكرت الله على صدفة خير من ألف ميعاد . وفي الطريق إلى البيت تذكرنا تلك الأيام الجميلة وتذكرنا المواقف وبقية الأصدقاء الذين انقطعت أخبارهم وأين صاروا .
طلبت منه أن يحدثني عن تحصيله الدراسي وعن حالته الاجتماعية ، أخبرني انه قد أكمل دراسته الجامعية وانه تزوج منذ سبع سنوات وله ثلاثة أطفال ويعمل سائقا في احدى شركات التوصيل ؛ بسبب عدم توفر الوظائف .
وصلنا الى البيت ثم أدخلنا الشجيرات ورحبت به وعرفته بأطفالي الذين استقبلوني وسلموا عليه فقلت : لهم أقدم لكم أحد أصدقائي القدامى الذي فارقته منذ زمن بعيد ؛ بسبب انتقاله لمدينة اخرى .
وبعد أن تناولنا طعام الغداء وفرغنا من أكثر التفاصيل ، جرى بيننا حديث حول جسمه وكيف وصل الى هذا الحال بعد ان كنّا نسميه الرشيق ؟
فقال لي : والحزن قد بدا في نبرات صوته بعد أن أكملت دراستي الجامعية قدمت للحصول على وظيفة ؛ وبما إنك يا عادل تعرف حال البلد لم أحصل على وظيفة حكومية .
اعتمدت على نفسي وتوكلت على الله وبحثت عن عمل لسد وتلبية حاجات أسرتي .
رأيت إعلاناً عن وظيفة سائق في إحدى الشركات الأهلية ، إتصلت بهم فأخبروني بموعد الاختبار ، اجتزت الاختبار وقبلت بالوظيفة ومنذ استلامي للعمل كسائق لم أعرف سوى المقعد الذي أجلس خلفه ، وقد اعتدت على ذلك .
بعدها تعرّفت في الشركة على مجموعة من الأصدقاء السواق كنّا نذهب يومياً وسوياً بعد العمل لتناول الطعام هؤلاء كانوا من محبي الطعام ومن عشّاقه وقد حببوا إلي الطعام بطريقة أكلهم وارتيادهم للمطاعم ، وتتسارع الأيام دون الإلتفات لزيادة وزني منهمكا في عملي ، وقد نسيت رشاقتي وجسمي الجميل واستبدلته بكرش قبيح كما ترى على أثر الوجبات السريعة المشبعة بالدهون والحلويات المليئة بالسكريات الصناعية والمشروبات الجاهزة .
أنا نادم على ذلك ولكن بعد فوات الأوان .
فضحكنا وتجاذبنا أطراف الحديث .
أخبرته لِمَ لم تحاول أن تتدارك نفسك .
فقال لي : حاولت أن أصلح ما أفسدته شراهتي وصرت أعتذر من أصدقائي في الذهاب للمطاعم ولكن بصعوبة نظراً لما عودت نفسي على تلك العادة السيئة .
ثم قصدت الأطباء وأنفقت الكثير من المال لكن دون جدوى ، جرّبت الأعشاب فلم أفلح ، ثم استخدمت العقاقير والمنحفات التي تحرق الدهون أضرتني أكثر من أن تنفعني ؛ لأنها كانت غير صحية وتدهورت حالتي الصحية فتركتها ، وها أنا اليوم أرتاد النادي الرياضي عسى أن أخفف من وزني الذي صار عبئا عليّ وعلى عائلتي ؛ بسبب شكلي الذي لا يسر الصديق ؛ وبسبب خسارتي للأموال التي أنفقها من أجل فقدان الوزن .
ثم قال لي : وأنت يا عزالدين كيف حافظت على جسمك المعتدل ؟
قلت له : يا سعدون أقولها بصراحة لقد اتبعت نظاما صحيا منذ البداية برنامجاً سهلا وبسيطا وغير مكلف وجدته في (رسالة الحقوق) لإمام الرحمة زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) .
قال لي : وما هي (رسالة الحقوق) ؟
قلت له : إن هذه الرسالة تحوي خمسون حقا ، منها حق البطن وهذا نصها :
» أَمّا حَقّ بَطْنِكَ فَأَنْ لَا تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيلٍ مِنَ الْحَرَامِ وَلَا لِكَثِيرٍ وَأَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلَالِ وَلَا تُخْرِجَهُ مِنْ حَدّ التّقْوِيَةِ إِلَى حَدّ التّهْوِينِ وَذَهَابِ الْمُرُوّةِ وَضَبْطُهُ إِذَا هَمّ بِالْجُوعِ وَالظّمَإِ فَإِنّ الشّبَعَ الْمُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى التّخَمِ مَكْسَلَةٌ وَمَثْبَطَةٌ وَمَقْطَعَةٌ عَنْ كُلّ بِرٍّ وَكَرَمٍ وَإِنّ الرّيّ الْمُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى السّكْرِ مَسْخَفَةٌ وَمَجْهَلَةٌ وَمَذْهَبَةٌ لِلْمُرُوّةِ «.
فتمعنت بها ووجدتها سهلة التطبيق إذ أشار الإمام أولاً على اعتماد الأكل الحلال ، والابتعاد عن الشبع ، ولا أتناول الطعام إلا وأنا جائع ؛ لأن بخلافه يؤدي إلى التخمة ، والتخمة تؤدي إلى الكسل ، والكسل يثبطني ويقطع عني عمل الخير .
فاعتمدت على هذه الوصايا ، وجعلتها نصب عيني ، وعلمتها لأسرتي فمن شاء فلنفسه ، ومن أبى فهو الخاسر الأكبر .
قال سعدون : أصبت يا عادل ، على الإنسان أن ينظم أموره في كل شيء ولا يغفل عن نفسه الأمارة بالسوء وأن يحسب حساباً لملذاته ويتفكر بالعواقب .
قطع حديثنا مستأذنا إبني الأكبر جالبا معه عصيراً وفاكهة . ابتسم سعدون وقال : ما هذا ؟ المفروض ألا تشجعني على تناول المزيد . وتعالت أصواتنا بالضحك والمزاح .
قلت له : لا تخف فهذا الشراب هو من فاكهة طبيعية بلا اضافات ولا نكهات ولا سكريات صناعية .
يا أخي سعدون : يقول الله عز وجل في كتابه الكريم : (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) ، فسمِ باسم الله وتناول شرابك هنيئا مريئا ، وخير الأمور الإعتدال كما وضح لنا إمامنا السجاد (عليه السلام) في وصاياه .
يا سعدون : خذها نصيحةً من أخيك إنّ حِكَمَ ووصايا أهل البيت (عليهم السلام) هي دستور لنا ، وما أحسنها وأروعها !! تلك الحقوق التي كتبها إمامنا زين العابدين (عليه السلام) وطبقها هو وأهل بيته وسار عليها من سار من أبناء زمانه ومن تلاهم ، وأراد منّا أن نسير عليها اليوم ونقتدي بهم ؛ لأن فيها صلاحنا وصلاح المجتمع والعامل بها والمتفكر بها سيتجاوز الكثير ؛ لأن لأبداننا علينا حق مثل حقوق كثيرة غفلنا عنها فعلينا أن نصحح مفاهيمنا وأن نحاسب أنفسنا في أدق التفاصيل حتى في المأكل والمشرب .
أتدري يا سعدون قد أثبتت الدراسات الحديثة إن الإفراط بشدة في تناول الطعام والشراب تؤدي إلى نتائج وخيمة ومشاكل تؤثر سلبا على أجسادنا وتتعطل الكثير من وضائف الجسم عن العمل ، فلربما يكون تأثيره قصير الأجل ، لكن الاستمرار بهذه الممارسة يولد آثاراً طويلة الأمد على الصحة.
والذي يعوّد نفسه على كثرة الأكل سيشعر بمشاكل عدة منها : الانزعاج ، وعدم الراحة ، والخمول ، والنعاس ، وحرقة المعدة ، والأرق ، واضطراب النوم أثناء الليل ، وانتفاخ البطن ، والتجشؤ ، والغثيان ، والتقيؤ ، وزيادة الوزن وتوسع المعدة ، وتباطؤ عملية الهضم.
لا أريد أن أطيل الكلام عليك يا أخي ولا تأخذ كلامي على محمل آخر ، ورحم الله القائل : (إمشِ وراء مَنْ أبكاك ولا تمشِ وراء مَنْ أضحكك) .
فأنا مرآتك الصادقة إن شاء الله وأولئك مع احترامي لهم لا ينفعوك ، ويضروك دون قصد منهم فافهم كلامي وتقبلها برحابة صدر بحق النية الصافية وبحق تلك السويعات والأيام التي قضيناها سوياً .
أنا أريد الخير لك ولأهلك وأتمنى أن ترجع سعدون الرشيق الرياضي وأن تحيا حياةً هنيئة بلا عناء ولا أطباء ولا تمارين مرهقة .

اعضاء معجبون بهذا

جاري التحميل

ثقافية

إجازة الخمس سنوات للموظف

اجازت المادة (٢٧/أولا) من قانون الموازنة العامة للدولة رقم (١٣)لسنة ٢٠٢٣ منح الموظف إجازة لمدة خمس سنوات على وفق شروط حددتها حصرا ، علما بأن هذه الاجازة ليس محلها قانون الموازنة العامة ولكن المشرع العراقي دأب في السنوات الأخيرة على حشر نصوص في القانون المذكور منبتة الصلة به ومثل هذه النصوص يسميها... المزيد

علي الحسناوي

عدد المقالات : 127

قراءة في كتاب مراقد الائمة المعصومين في العراق

بقلم // مجاهد منعثر منشد هذا الكتاب الموسوم (كتاب مراقد الائمة المعصومين في العراق كما وصفها الرحالة والمسؤولين الأجانب) تأليف أ.د/ عماد جاسم حسن الموسوي أستاذ التاريخ المعاصر في كلية التربية للعلوم الإنسانية في جامعة ذي قار . قدمنا عن المؤلف الباحث سيرة موجزة في قراءتنا على كتابه (دراسات في تاريخ... المزيد

مجاهد منعثر الخفاجي

عدد المقالات : 368

حمورابي إرادة العدل والتوازن

في زمن بعيد، توجد قوانين قديمة شديدة الأهمية والتأثير، تحمل بين طياتها روح العدل والتوازن. قوانين حمورابي، التي أصدرها الملك حمورابي ملك بابل، تعتبر من بين أقدم النظم القانونية المعروفة في التاريخ الإنساني. أحد هذه القوانين، ينص على المبدأ العريق للعقاب الذي يتناسب مع الجرم، حيث يقول: "إذا ضرب رجل... المزيد

ياسين فؤاد الشريفي

عدد المقالات : 26

أثر المدد القانونية للتقادم الضريبي

يشترط لتقادم حق الدولة في استيفاء الضريبة سريان أو انقضاء أو اكتمال المدة المحددة بموجب القانون لهذا التقادم بأكملها دون أن تمارس الإدارة الضريبية دورها في فرض واستيفاء الضريبة ، إذ لا يتصور أن يبقى الحق في فرض الضريبة قائمـاً أبــد الدهر على الرغم من وجود الإهمال من جانب السلطة المختصة المتمثل بعدم... المزيد

علي الحسناوي

عدد المقالات : 127

أدبية

أيامنا الحلوة (قصة قصيرة)

بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن وغادر الطبيب بعد أن أخبر هدى بالحقيقة، وقد مثلت تلك الحقيقة صدمة كبيرة لها، وطفقت تفكر في مآل مَن حولها والصلة التي تربطها بهم. انهمرت الدموع من عينيها، هاتان العينان البريئتان الخضراوان اللتان ما نظرتا قط ما في أيادي غيرها من نعمة؛ بل كانتا تنظران فحسب إلى الأيادي الفارغة... المزيد

ابراهيم امين مؤمن

عدد المقالات : 39

فكرة مدرستنا : مقاربات الإصلاح الاجتماعي والمعرفي

أ.د. صادق المخزومي الشعر الانساني قلم وفم يتمحور بوحُه حراك الإنسان على وسادة الألم ومقاربة الأمل، ويفصح عن حقائق الحياة الخالدة وحكمها الرفيعة؛ يهدف هذا النوع من الشعر الى نشر معالم الأخلاق وأدبيات المجتمع، وإرساء الحكمة والمعرفة والقيم الدينية والاجتماعية؛ بهذه التمثلات في الانثروبولوجيا... المزيد

صادق المخزومي

عدد المقالات : 12

سألوني

يا أنتِ يا عِطرَ الغَوالي لا لستُ في قولي اُغالي إنْ قُلتُ أنّكِ شمعتي في نورها هَزمتْ ضَلالي أوْ قُلتُ أنّكِ نجمتي بشُعاعِها وَشَجتْ حِبالي أوْ قُلتُ أنّكِ كوثري يا كوثرَ الماءِ الزُلالِ أوْ قُلتُ أنّكِ بلسمــــي إنْ ساءَ في الازماتِ... المزيد

عطا يوسف المنصور

عدد المقالات : 54

أدب الأطفال الشعبي في النجف

أ.د. صادق المخزومي من فنون الأدب، وقد يشمل القصص والكتب والمجلات والقصائد المؤلفة بشكل خاص للأطفال، فالطفولة شريحة عمرية مهمة في المجتمع، وتكون حاجتها للأدب مثلما تحتاجه الشرائح العمرية الأخرى، ولعلها أكثر، لأن الأدب قد يسهم في التربية والتنمية الاجتماعية والثقافية، وينبغي أن يكون هذا النوع الأدبي... المزيد

صادق المخزومي

عدد المقالات : 12

علمية

تأثير الموجات الصوتية على الحشرات

بينت التجارب بان للموجات الصوتية تأثيراً قاتلاً على الحشرات. فوجد ان تعريض بيوض عثة الطحين الهندية Plodia interpunctella لمدة اربعة ايام لموجات صوتية مضخمة amplified sound سبب نسبة قتل تعادل ٧٥% مقارنة بالبيض غير المعرض، وبالإضافة الى ذلك فان الحشرات الكاملة التي... المزيد

التنظيم الحيوي لنشاط الإنزيمات في الجسم البشري

الإنزيمات هي عبارة عن مواد بايولوجية محفزة (مساعدة) تقوم وبكميات قليلة بزيادة سرعة التفاعلات الكيميائية بتقليل طاقة التنشيط والتي تحدث داخل الخلية الحية سواء( نباتية أم حيوانية) بدون أن تتغير خــلال هذه التفاعلات. إن معظم الإنزيمات هي بروتينات... المزيد

المجال المغناطيسي الأرضي

هو ظاهرة طبيعية مثيرة للإعجاب تلعب دورًا هامًا في حماية كوكب الأرض وفهم علم الفيزياء. يتكون المجال المغناطيسي الأرضي من تأثير القوى المغناطيسية التي تنشأ في النواة الخارجية الملساء للأرض وتنتج حول الكوكب حقلًا مغناطيسيًا يعرف باسم "المجال... المزيد