لَا تَجتَمِعُ اَلعَقِيدَةُ اَلصَّحِيحَةُ مَعَ اَلسُّلُوكِ اَلسَّيِّئِ كَمَا لَا يَجتَمِعُ اَلمَاءُ وَالنَّارُ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، كَمَا وَإنّ اَلدَّعَاوَى شَيءٌ وَمَا يَعكِسُهُ اَلوَاقِعُ شَيءٌ آخَر، فَاَلَّذِينَ ( يَقُولُونَ ) كَثِيرٌ؛ وَلَكِنَّ اَلَّذِينَ ( يَفعَلُونَ ) قَلِيلٌ، وَإنَّ مَا يَصدُرُ عَنِ اَلبَعضِ مِن وُعُودٍ وَمَوَاثِيقَ لَا نَرَى شَيئًا مِنهُ عَلَى أَرضِ اَلوَاقِعِ:
نَبنِي مِن اَلأَقوَالِ قَصرًا شَامِخًا .. وَالفِعلُ دُونَ اَلشَّامِخَاتِ رُكَامُ
إنّ اَلنَّاسَ لَيسُوا عَلَى مُستَوَىً وَاحِدٍ فِي اَلفَهمِ وَتَلَقِّي اَلعِلمِ، وَعَلَيهِ فَهُم لَيسُوا عَلَى اِتِّفَاقٍ فِي اَلقَنَاعَاتِ وَالمَذَاهِبِ، وَيَنسَحِبُ هَذَا عَلَى مَوَاقِفِهِم تُجَاهَ أَيِّ قَضِيَّةٍ وَأيِّ حَدَثٍ . . . وَهَذَا أَصلٌ مِن أُصُولِ فَهمِ أَنمَاطِ اَلتَّفكِيرِ فِي اَلمُجتَمَعَاتِ.
كَانَ مَوقِفُ مُعظَمِ أَهلِ اَلكُوفَةِ تُجَاهَ نُصرَةِ اَلإِمَامِ اَلحُسَينِ سَلبِيًّا جِدًّا -قَد لَا يَتَّفِقُ اَلبَعضُ مَعي حَولَ هَذِهِ النِّسبةِ- لِأَنَّنَا إِذَا عُدنَا إِلَى اَلشَّوَاهِدِ اَلتَّأرِيخِيَّةِ سَتَتَّضِحُ لَنَا هَذِهِ اَلحَقِيقَةُ وَخُصُوصًا بَعدَ تَعَدُّدِ خِطَابِ اَلإِمَامِ اَلحُسَينِ(عليه ِالسّلامُ) لِأَهلِ اَلكُوفَةِ فِي مَوَاقِفَ عَدِيدَةٍ : بَدءًا مِن إِرسَالِهِ سَفِيرَهُ وَثِقَتَهُ مُسلِمَ بنَ عقِيلٍ؛ وَانتِهَاءً بِخُطبَتَيهِ اَلأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي يَومِ عَاشُورَاءَ، مُبيّناً فيهِما مَوقِفَهُمُ اَلسَّيِّئُ تُجَاهَهُ - صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيهِ- وَمُبِيّنًا لِلتَّأرِيخِ هَذِهِ اَلحَقِيقَةَ، وَمِمَّا يَشهَدُ عَلَى ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي جُملَةِ كَلَامِهِ صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيهِ :
(أَهؤلَاءِ تعضُدُونَ، وَعَنَّا تَتَخَاذَلُونَ، أَجَل -وَاَللهِ- غَدرٌ فِيكُم قَدِيمٌ، وُشِجَتْ عَلَيهِ أُصُولُكُم، وَتَأزَّرَتْ عَلَيهِ فُرُوعُكُم، وَثَبَتَتْ عَلَيهِ قُلُوبُكُم، وَغَشِيَتْ صُدُورُكُم، فَكُنتُم أَخبَثَ ثَمَرٍ شَجٍ لِلنَّاظِرِ، وَأَكلَةٍ لِلغَاصِبِ؛ ألا لَعنَةُ اَللهِ عَلَى اَلنَّاكِثِينَ)
ومعَ هذا التنبيهِ والبَيانِ إلّا أنَّهُم َلِمَ يُغَيِّرُوا مَوقِفَهُم إِلَّا اَلحُرّ اَلرِّيَاحِيّ رضوانُ اللهِ عليهِ- وَعَدَدٌ قَلِيلٌ جِدًّا مِن بَينِ اَلأُلُوفِ اَلَّتِي خَرَجَتْ لِقِتَالِ ابن بِنتِ رَسُولِ اَللهِ (صلواتُ اللهِ عليهم) ، وَتَروِي بَعضُ اَلمَصَادِرِ بَأنَّ سُوقَ اَلحَدَّادِينَ فِي اَلكُوفَةِ لَم يَتَوَقَّفْ عَن تَجهِيزِ اَلسِّلَاحِ وَغَيرِهِ لِعِدَّةِ أيّامٍ مِن حِينِ دُخُولِ اَلإِمَامِ اَلحُسَينِ (عليه السلام) العِرَاقَ وَحَتَّى مَصرَعِهِ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيهِ) فِي اَلعَاشِرِ مِن اَلمُحَرَّمِ
وَمَا يَهُمُّنا فِي هَذَا اَلمَقَالِ هُوَ مَا بَيّنَهُ اَلإِمَامُ اَلشَّهِيدُ أَبو عَبدِ اللهِ فِي خُطبَتِهِ اَلثَّانِيَةِ لأهلِ الكوفةِ عندَ َتَخَلِّيهِم عَنِ اَلأَهدَافِ اَلَّتِي دَعَوا لِأَجلِهَا اَلإِمَامَ اَلحُسَينَ للقيامِ عَلَى حُكمِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَكِنَّهُم نَكَثُوا بَيعَتَهُم لَهُ وَلَم يَنصُرُوهُ، بَل لَم يَكتَفُوا بِخِذلَانِهِ وَإِنَّمَا اِجتَمَعُوا عَلَى قَتلِهِ مُلَبِّينَ اِستِنفَارَ (يَزِيدَ وَحُكُومَتِهُ) اَلفَاسِدَةِ لِمُحَارَبَةِ اِبنِ بِنتِ رسُولِ اللهِ مَعَ مَا تَفعَلُهُ بِهم مِن ظُلمٍ وَجَورٍ وَفَسَادٍ ، فَقَالَ لَهُمُ اَلإِمَامُ اَلحُسَينُ(عليهِ السَّلامُ) : (فَأَصبَحتُم إلْباً لِأَعدَائِكُم عَلَى أَولِيَائكُم، بِغَيرِ عَدلٍ أفشَوهُ فِيكُم، وَلَا أَمَلٍ أَصبَحَ لَكُم فِيهِم)
لَقَد ذَكَرَ اَلإِمَامُ اَلحُسَينُ أَمرَينِ: (إِفشَاءَ اَلعَدلِ فِي اَلرَّعِيَّةِ، وَوُجُودَ اَلأَمَلِ بِالإِصلَاحِ فِي اَلقِيَادَةِ)
وَهَذَانِ اَلأَمرَانِ هُمَا كَالفَاعِلِ وَالقَابِلِ، فَمَتَى مَا سَادَ اَلعَدلُ -وَهُوَ اَلفَاعِلُ- فِي اَلدَّولَةِ، فَإِنَّ اَلرَّعِيَّةَ -وَهِيَ اَلقَابِلُ- تَأمُلُ اَلخَيرَ مِن حُكَّامِ هَذِهِ اَلدَّولَةِ.
أَو هُما عَلَى نَحوِ اَلشَّرطِ وَالمَشرُوطِ؛ فَإِنَّ اَلأَمَلَ مَشرُوطٌ بِشَرطِ تَفَشِّي اَلعَدلِ، وَلَكِنْ إِذَا صَدَرَ اَلظُّلمُ وَالجَورُ مِن اَلسُّلطَةِ اَلحَاكِمَةِ، فَإِنَّ عَلَى اَلرَّعِيَّةِ وَالشَّعبِ أَنْ لَا يَأمُلَ أَيَّ خَيرٍ بِهَذِهِ اَلحُكُومَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ اَلشَّرطِ
فَكَانَ اَلإِمَامُ اَلحُسَينُ (عَلَيهِ اَلسَّلَامُ) يَستَنهِضُ هِمَمَهُم عِبرَ إِيقَاظِ وَعيِهِم وَتَنبِيهِهِم على مَوقِفِهِم اَلسَّلبِيِّ عِندَمَا قَامُوا بِتَلبِيَةِ دَعوَةِ (يَزِيدَ وَابنِ مَرجَانَةٍ) إِذ كَيفَ أَجَازُوا لِأَنفُسِهِم مُسَانَدَةَ عَدُوِّهِم عَلَى أَولِيَائِهِم
فَإِنَّهُ لَا يَفعَلُ هَذَا اَلفِعلَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَقُولُ مَا لَا يَفعَلُ وَيَعِدُ وَلَا يَفِي وَهِيَ صِفَاتُ اَلمُنَافِقِينَ.
فَليَأخُذِ اَلمُؤمِنُونَ اَلدَّرسَ وَالعِبرَةَ:
بِأَنْ لَا يَركُنُوا إِلَى حُكَّامٍ عَاثُوا فِي اَلبِلَادِ فساداً ،ومِن ثَمَّ يَأمُلُوا مِنْ وَرَائِهِمُ اَلخَيرَ وَالصَّلَاحَ فَإِنَّ اَلعَاقِلَ لَا يُلدَغُ مِن جُحرٍ مَرَّتَينِ.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN